الحراك الخارجي يفعل الحراك الداخلي مجدداَ…
أحمد مطر
عاد الحراك الداخلي ليأخذ زخماً جديداً بعدما كان قد خفت بعض الشيء، مقابل تسارع وتيرة المتغيرات الإقليمية والدولية التي تطال بتداعياتها إلى هذا الحد أو ذاك الداخل اللبناني.
العنوان الرئيسي للحراك الداخلي الآن، هو ممانعة الأحزاب المسيحية لانتخاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، خصوصاً بعد زيارته الأخيرة لباريس، التي أكدت أن صفحة ترشيحه لم تُطْوَ، بل على العكس، فهو ما يزال متقدماً بين المرشحين، ما دام الحزب متمسكاً به ولم يعط أي إشارة جدية توحي باستعداده لتبني أي مرشح سواه.
على الرغم من عدم نجاح فرنسا في تحقيق أي خرق جدي في جدار الأزمة اللبنانية منذ زيارة الرئيس ماكرون لبيروت في 6 آب- أغسطس 2020، فهي ما تزال الطرف الدولي الأكثر قدرة على التحرك بين الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالانتخابات الرئاسية. وإذا كانت علاقاتها مع إيران قد تأثرت سلباً، نتيجة دعم الأخيرة لروسيا في حربها على أوكرانيا وبسبب موقف باريس من الاحتجاجات داخل إيران، فلم تظهر في المقابل أي إشارات جدية إلى تراجع وتيرة العلاقة بين الدبلوماسية الفرنسية والحزب في لبنان، وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن مستوى التشنج الفرنسي – الإيراني انخفض في الفترة الاخيرة.
والأساس أن دعم فرنسا لأي مرشح رئاسي مرتبط بموافقة الحزب على انتخابه، أي أن استبعاد باريس ترشيح فرنجية يحصل في حال استبعده الحزب،لا بسبب موقف فرنسي منه، أو نتيجة رغبة الأم الحنون في الوقوف على خاطر الأكثرية المسيحية.
وهذا سبب الاندفاعة المتزايدة في الوسط المسيحي لرفض فرنجية بعد زيارته باريس، لأن الاتفاق السعودي الإيراني يعزز الطموح الفرنسي لإنتاج مسودة تسوية بشأن الرئاسة اللبنانية، وإن لم تكن قادرة لوحدها على صياغة تسوية متكاملة وإقناع جميع الأطراف بالسير بها، لكن دورها اكتسب الآن زخماً إضافياً، وهو ما يزيد من أهمية زيارة فرنجية للعاصمة الفرنسية.
بالموازاة يعيد الرفض المسيحي لانتخاب فرنجية إلى الواجهة الخلافات الطائفية بشأن تركيبة الحكم التي تظهر أكثر فأكثر، مع استمرار الفراغ الرئاسي وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، استعداداً مسيحياً أكبر للتمرد على النظام السياسي، بغض النظر عن قدرة الأطراف المسيحية على ترجمة هذا التمرد.
في هذا السياق راهن العديد على ان مسار الانفراج السعودي الايراني سيقود حتماً الى تسوية في لبنان ايضاً ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما هو الحد الادنى، الذي تقبل به السعودية بالحصول عليه في لبنان، وما هو الحد الاقصى الذي تقبل ايران بالتنازل عنه في المقابل.
وهنا لا بد من التذكير بالعودة إلى تاريخ 23 كانون الثاني-يناير 2022 يوم وصل وزير خارجية الكويت إلى بيروت، كاسراً جدار الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، وكان الضيف الكويتي جازماً في طرحه، “جئت إليكم بورقة من 12 بنداً، وهي ليست ورقة كويتية فحسب بل خليجية وعربية ودولية أيضاً”.
الورقة حملت عنوان إنقاذ لبنان وترتيب العلاقات الخليجية اللبنانية، فقد تضمنت دعوة الحكومة اللبنانية إلى التزام الطائف وقرارات الشرعية الدولية وجامعة الدول العربية وتأكيد مدنية الدولة، وتطبيق “سياسة النأي بالنفس” قولاً وفعلاً. كما طالبت بوضع إطار زمني لتنفيذ القرارين 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات و1701 وسيطرة الدولة على أرضها، كما اشترطت الورقة وقف تدخل الحزب في الشؤون الداخلية، والحصول على تعهد من الحكومة بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون، والتدقيق في الصادرات اللبنانية إلى هذه الدول لضمان خلوها من الممنوعات، لا سيما المخدرات. وبالعودة إلى موضوع الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فمما لاشك فيه أنه في العمق تشكل ورقة 2022 الخلفية الحقيقية للحراك السعودي والخليجي عموماً، بالإضافة إلى بيان نيويورك واللقاء الخماسي، فلا دعم للحكومة اللبنانية ولا مساعدات ما لم تلتزم الدولة اللبنانية ببنود تلك الورقة، التي تعني عملياً نقل الحكومة اللبنانية من صف إيران وحزب الله إلى صف متوازن ومحايد على الاقل، والتفاصيل واضحة في بنود الورقة.
والهدف السعودي لم يتبدل على رغم التوصل إلى اتفاق بين الرياض وطهران، وعلى العكس يعتقد السعوديون أن التوافق مع إيران يجب أن يشكل الغطاء المناسب لضبط نفوذ حزب الله في لبنان وعدم ثقتها في الوعود التي يقطعها.
الإيرانيون من جهتهم لن يقبلوا بالطبع خسارة مواقعهم الاستراتيجية في إطار رأس الهلال الشيعي، ولن يتخلوا عن بوابة البحر الأبيض المتوسط والتماس مع إسرائيل من دون مقابل، وبالتأكيد هم سيدعمون حزب الله ليصمد في وجه الضغوط، ولكن على الأرجح، وضمن الصفقة الشرق أوسطية الكبرى، قد يوافق الإيرانيون في لبنان على تسوية يمكن أن تطمئن المملكة العربية السعودية.
وسيكون عنولن الحراك المقبل، بين السعودية وإيران، هو إيجاد الصيغة السحرية التي ترضي الرياض ولا تزعج طهران، من اليمن إلى لبنان، فهل سينجح الصينيون، البارعون بألعاب الخفة في تحقيق هذا الهدف.
ختاماً في ظل هذه المعطيات، يبقى الترقب سيد الموقف، في انتظار بلورة الصورة الإقليمية والدولية بعد الاتفاق السعودي الإيراني.
العنوان الرئيسي للحراك الداخلي الآن، هو ممانعة الأحزاب المسيحية لانتخاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، خصوصاً بعد زيارته الأخيرة لباريس، التي أكدت أن صفحة ترشيحه لم تُطْوَ، بل على العكس، فهو ما يزال متقدماً بين المرشحين، ما دام الحزب متمسكاً به ولم يعط أي إشارة جدية توحي باستعداده لتبني أي مرشح سواه.
على الرغم من عدم نجاح فرنسا في تحقيق أي خرق جدي في جدار الأزمة اللبنانية منذ زيارة الرئيس ماكرون لبيروت في 6 آب- أغسطس 2020، فهي ما تزال الطرف الدولي الأكثر قدرة على التحرك بين الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالانتخابات الرئاسية. وإذا كانت علاقاتها مع إيران قد تأثرت سلباً، نتيجة دعم الأخيرة لروسيا في حربها على أوكرانيا وبسبب موقف باريس من الاحتجاجات داخل إيران، فلم تظهر في المقابل أي إشارات جدية إلى تراجع وتيرة العلاقة بين الدبلوماسية الفرنسية والحزب في لبنان، وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن مستوى التشنج الفرنسي – الإيراني انخفض في الفترة الاخيرة.
والأساس أن دعم فرنسا لأي مرشح رئاسي مرتبط بموافقة الحزب على انتخابه، أي أن استبعاد باريس ترشيح فرنجية يحصل في حال استبعده الحزب،لا بسبب موقف فرنسي منه، أو نتيجة رغبة الأم الحنون في الوقوف على خاطر الأكثرية المسيحية.
وهذا سبب الاندفاعة المتزايدة في الوسط المسيحي لرفض فرنجية بعد زيارته باريس، لأن الاتفاق السعودي الإيراني يعزز الطموح الفرنسي لإنتاج مسودة تسوية بشأن الرئاسة اللبنانية، وإن لم تكن قادرة لوحدها على صياغة تسوية متكاملة وإقناع جميع الأطراف بالسير بها، لكن دورها اكتسب الآن زخماً إضافياً، وهو ما يزيد من أهمية زيارة فرنجية للعاصمة الفرنسية.
بالموازاة يعيد الرفض المسيحي لانتخاب فرنجية إلى الواجهة الخلافات الطائفية بشأن تركيبة الحكم التي تظهر أكثر فأكثر، مع استمرار الفراغ الرئاسي وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، استعداداً مسيحياً أكبر للتمرد على النظام السياسي، بغض النظر عن قدرة الأطراف المسيحية على ترجمة هذا التمرد.
في هذا السياق راهن العديد على ان مسار الانفراج السعودي الايراني سيقود حتماً الى تسوية في لبنان ايضاً ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما هو الحد الادنى، الذي تقبل به السعودية بالحصول عليه في لبنان، وما هو الحد الاقصى الذي تقبل ايران بالتنازل عنه في المقابل.
وهنا لا بد من التذكير بالعودة إلى تاريخ 23 كانون الثاني-يناير 2022 يوم وصل وزير خارجية الكويت إلى بيروت، كاسراً جدار الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، وكان الضيف الكويتي جازماً في طرحه، “جئت إليكم بورقة من 12 بنداً، وهي ليست ورقة كويتية فحسب بل خليجية وعربية ودولية أيضاً”.
الورقة حملت عنوان إنقاذ لبنان وترتيب العلاقات الخليجية اللبنانية، فقد تضمنت دعوة الحكومة اللبنانية إلى التزام الطائف وقرارات الشرعية الدولية وجامعة الدول العربية وتأكيد مدنية الدولة، وتطبيق “سياسة النأي بالنفس” قولاً وفعلاً. كما طالبت بوضع إطار زمني لتنفيذ القرارين 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات و1701 وسيطرة الدولة على أرضها، كما اشترطت الورقة وقف تدخل الحزب في الشؤون الداخلية، والحصول على تعهد من الحكومة بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون، والتدقيق في الصادرات اللبنانية إلى هذه الدول لضمان خلوها من الممنوعات، لا سيما المخدرات. وبالعودة إلى موضوع الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فمما لاشك فيه أنه في العمق تشكل ورقة 2022 الخلفية الحقيقية للحراك السعودي والخليجي عموماً، بالإضافة إلى بيان نيويورك واللقاء الخماسي، فلا دعم للحكومة اللبنانية ولا مساعدات ما لم تلتزم الدولة اللبنانية ببنود تلك الورقة، التي تعني عملياً نقل الحكومة اللبنانية من صف إيران وحزب الله إلى صف متوازن ومحايد على الاقل، والتفاصيل واضحة في بنود الورقة.
والهدف السعودي لم يتبدل على رغم التوصل إلى اتفاق بين الرياض وطهران، وعلى العكس يعتقد السعوديون أن التوافق مع إيران يجب أن يشكل الغطاء المناسب لضبط نفوذ حزب الله في لبنان وعدم ثقتها في الوعود التي يقطعها.
الإيرانيون من جهتهم لن يقبلوا بالطبع خسارة مواقعهم الاستراتيجية في إطار رأس الهلال الشيعي، ولن يتخلوا عن بوابة البحر الأبيض المتوسط والتماس مع إسرائيل من دون مقابل، وبالتأكيد هم سيدعمون حزب الله ليصمد في وجه الضغوط، ولكن على الأرجح، وضمن الصفقة الشرق أوسطية الكبرى، قد يوافق الإيرانيون في لبنان على تسوية يمكن أن تطمئن المملكة العربية السعودية.
وسيكون عنولن الحراك المقبل، بين السعودية وإيران، هو إيجاد الصيغة السحرية التي ترضي الرياض ولا تزعج طهران، من اليمن إلى لبنان، فهل سينجح الصينيون، البارعون بألعاب الخفة في تحقيق هذا الهدف.
ختاماً في ظل هذه المعطيات، يبقى الترقب سيد الموقف، في انتظار بلورة الصورة الإقليمية والدولية بعد الاتفاق السعودي الإيراني.
Visited 6 times, 1 visit(s) today