التسوية الخارجية الممر الإجباري للرئاسة اللبنانية…

التسوية الخارجية الممر الإجباري للرئاسة اللبنانية…
 
 
أحمد مطر
     يبدو أن كل المحاولات الداخلية والخارجية لانتخاب رئيس بشكل طبيعي قد استنفذت، وأن الجميع بات يسَلم بأن لا مجال لإنجاز هذا الاستحقاق إلّا من خلال حياكة تسوية خارجية تكون على مقاس الفرقاء في لبنان تستطيع أن تزيح الفراغ عن الكرسي الرئاسي في بعبدا .
   والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الظروف الآن أصبحت ملائمة لإنضاج هذه التسوية.
  من الصعب الجزم بأن الأمور في هذا المجال أصبحت سالكة، حيث ان المتغيّرات المفاجئة التي طرأت على المشهد الإقليمي في الآونة الأخيرة قد أربكت الكثيرين، وأوقعتهم في دائرة الحيرة وباتوا في ضياع عن الطريق الذي يتوجب عليهم سلوكه في عملية التفاوض التي عادة ما تحصل في استحقاقات مماثلة. غير أن الثابت حتى هذه اللحظة أنه وعلى الرغم من زخم الاتصالات والمشاورات والأفكار والصيغ التي تطرح منذ ما يناهز الخمسة أشهر، فإن الملف الرئاسي لم يغادر الحلقة المفرغة، لا بل إنه دخل دهاليز لعبة التحدي والمراوغة حيث يسعى كل فريق إلى استمالة كفّة الانتخاب لصالح تعزيز أوراق قوته في المرحلة التي ستلي انتخاب الرئيس، إن على مستوى تأليف الحومة، أو على مستوى التعيينات التي هي أولوية الحكومة المقبلة، وصولا إلى الإصلاحات المرتقبة والخوف من أن تأتي على حساب نفوذهم السياسي والشعبي.
   والمستغرب في هذا المجال أن كل فريق سياسي يعمل على إبعاد تهمة التعطيل عن نفسه ويرمي بها في ملعب الفريق الآخر، من دون الأخذ في عين الاعتبار بأن الفرصة الإقليمية والدولية السانحة لإنتاج رئيس قد تذهب سدى وساعتئذ سيمتد عمر الشغور الرئاسي، وستتوسّع رقعة الأضرار الناجمة عن استمرار هذا الشغور اقتصاديا ومعيشيا، بما يوصل البلاد والعباد إلى قعر البئر من الانهيارات.
   ووفق المعلومات فإن الحرب تدور رحاها بين القوى السياسية حول الرقم 65، حيث يسعى كل طرف بما أوتي من قوة بأن يحصل من خلال أي سيناريو يطرح تحت قبة البرلمان على أكثرية الـ65 صوتا لصالح مرشحه في ما لو ذهبت الأمور إلى معركة وفشل مسعى التفاهمات، وهذا الأمر إلى الآن غير متوفر لأي فريق سياسي بسبب موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية التي مضى على إجرائها أمس عام كامل، والتي ما تزال تشكّل قوة رادعة لا يستطيع أي فريق تجاوزها وتلزم الجميع بقاعدة التفاهم والتوافق. ومن هنا يجري التركيز على المسار الذي سيسلكه تكتل «الاعتدال الوطني»، الذي ما زال يبدي مرونة في مواقفه القائمة على ضرورة انتخاب رئيس يحترم وثيقة الوفاق الوطني، ويلتزم اتفاق الطائف، ونسج أفضل العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي وعلى وجه الخصوص مع المملكة العربية السعودية.
   من هنا يركّز السفير السعودي وليد بخاري على محاولة إنضاج تسوية محكمة تجعل غالبية القوى تقبل بها، بعد أن أيقن الجميع بأنه لن يكون في مقدور أي طرف لوحده الفوز بالكرسي الرئاسي، وأن لا مفر من التفاهم مع الشريك الآخر.
وبحسب المعلومات، إن قمة جدة التي كان فيها الملف اللبناني من بين الملفات الأساسية التي تمت مقاربتها فيها، كما أن الاستحقاق الرئاسي سيكون حاضرا في الاجتماعات التي ستعقد على هامشها، ولا سيما أن الرئيس نجيب ميقاتي الذي مثل لبنان بحث مع ملوك ورؤساء عرب ممن التقاهم الوضع في لبنان، من انتخاب رئيس إلى ملف النازحين السوريين.
   وتؤكد المعلومات أن حركة السفير السعودي ستسير بوتيرة عالية قبل نهاية الشهر، انطلاقا من المناخات التي ستتأتّى من القمة العربية، حيث يكون المشهد أكثر وضوحا، ولذا فإن النصف الأول من الشهر المقبل سيكون مفصليا، لجهة تحديد المسار الذي سيرسو عليه الاستحقاق الرئاسي، خصوصا وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري يحرص أمام زواره على الإعراب عن تفاؤله وارتياحه لما يجري بشأن الملف الرئاسي، بما ينبئ بأن حزيران ربما يحمل معه أخبارا سارة لجهة انتخاب رئيس، لاعتبارات متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر الرغبة المحلية والخارجية في أن لا ينسحب الفراغ على حاكمية مصرف لبنان، حيث تنهي ولاية رياض سلامة في تموز- يوليو المقبل، من دون أن يكون هناك اتفاق على ما ستكون عليه مرحلة ما بعد خروج سلامة من مقر المصرف .
   ختاماً هل ستتم العملية الانتخابية الشهر المقبل، كما يتم الترويج لها. أم سنستمر في مهاوي الفوضى والانهيارات، أغلب الظن أن لبنان سوف يحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يرتقي الأداء السياسي فيه إلى مستوى المسؤولية والتحديات الماثلة أمامه، والتي تتفاقم على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والغالب أن يبقى هذا الارتقاء في خانة التوقعات غير المؤكدة على ضوء التجارب التي فرضت نفسها خلال مرحلة طويلة.
 
Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني