رجاء سايس حولت إعاقة الأطفال إلى مادة تشكيلية

رجاء سايس حولت إعاقة الأطفال إلى مادة تشكيلية

 باريس-المعطي قبال

      العنوان الذي يحمله كتاب الفنانة رجاء سايس، وهو عبارة عن جردة بمسارها الفني، يطرح سؤالا رئيسيا على ما أسمته بـ”الفن الصافي” أو “الخالص”. هل من وجود لهذا الفن فيما هذا الأخير في أساسه وعمقه تمازج، اختلاط وانصهار ينحو غالبا إلى الهجانة وإلى تزاوج الأشكال والخطوط والألوان؟ المهم أن مفهوم نقي أو خالص نفهمه وتتصوره هنا على أنه فن لا يترك أية فرصة للمواد الحافظة، للمساحيق أو التركيبات الاصطناعية أو المصطنعة. بمعنى أنه تجربة خام هي حصيلة سنوات من التشكيل والرسم والنحت مع وإلى جانب أطفال معاقين بمركز القنيطرة برعاية الجمعية المغربية من اجل حياة افضل.

   لما وصلت الفنانة رجاء سايس لأول مرة إلى المركز، لم تكن تعرف معنى ودلالة إعاقة. لكنها وبمرور الوقت، وإلى جانب الأطفال، تعلمت كيف تتعامل مع هذا المرض، كيف تروضه وتستخلص منه ما هو أفضل في اتجاه الارتقاء بالأطفال وبأجسادهم إلى مستوى الإبداع الذي يصبح رديفا لكيان صحي ونفسي ممتلىء. في هذا العمل الذي يعطينا صورة أولية عن هذه التجربة الاستثنائية إلى جانب أطفال معاقين، جسديا وعقليا، نتعرف على أن انخراط الفنانة يحركه عشق ورغبة في توظيف الفن كأداة علاج واستشفاء لهؤلاء الأطفال. لذا لا يسمع المرء إلا احترام العمل الذي أنجزته الفنانة و تنجزه منذ سنوات وتحديدا منذ أن تعرفت بموسم أصيلا عام 2003 على الدكتور عبد المالك الشدادي الذي عهد لها بتنشيط محترف فني-استشفائي لأطفال معاقين جسديا وعقليا. كما يقف القاريء لخطوط هذه السيرة عند صورة مغايرة للصورة التي يكونها عامة الناس عن المعاقين وبالأخص الأطفال الذين لهم ملكة تمييز الألوان وتركيب الأشكال وعجن وتفريك المواد.

   بالمحترف الذي نشطته الفنانة، لم تكن الإمكانيات دائما في المستوى ومع ذلك “أنقذت الموقف” في كل مرة كي لا تحدث قطيعة الأطفال مع ممارستهم الفنية التي منحتهم في الأخير أسلوبا تشكيليا خاصا بكل واحدة وواحد منهم. في بعض أعمال الأطفال التي تضمنها الكتاب نقف عند جمالية اللوحات واكتمالها على مستوى الشكل، اللون، التوزيع مثل لوحات كل من يزيد، علي، سلوى، وأطفال آخرين. نهلت رجاء سايس من هذا النشاط المركب والصعب لصقل ريشتها الفنية وترجمة أحلام هذا العالم المسكون بالألم والإحباطات والآمال والذي جعلت منه في الأخير إلى حد ما عالما سويا، هادئا ومادة إبداعية قوية. بعد أن تنقلت بين القنيطرة وسلا لمتابعة مشوارها الفني والتنشيطي وبعد أن أعطت الحياة لابنتها ذكرى التي يراودها حلم أن تصبح ممثلة سينمائية، عادت رجاء سايس إلى مسقط رأسها، مدينة فاس، لمتابعة حلقة جديدة من مشوارها الفني الحافل بالاكتشافات والإنجازات.

Visited 30 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".