جورج ساند المرأة العظيمة تسلقت الجبال كي تقطف زهورها بنفسها

جورج ساند المرأة العظيمة تسلقت الجبال كي تقطف زهورها بنفسها

 فاطمة حوحو

     في القرن الثامن عشر كانت نساء أوروبا يخضعن للتقاليد المتزمتة، واحدة منهن خرقت مفهوم “ما يجب” في القوانين الاجتماعية إلى “ما أريد”، ونجحت في جعل رجال ذلك الزمن يرفعون قبعاتهم احتراما لشخصها وقدراتها الإبداعية ولمشاعرها الإنسانية العابقة بحب فريد لكل من عايشها.

   ثورتها غيرت صورة المرأة، في الشكل ظهرت بزي رجالي ورفعت شعرها ودخلت السيجار في الأماكن العامة وسهرت في الملاهي، وكان حضورها في مثل هذه الأماكن يثير الدهشة والتعجب، اخترقت عالم الرجال بجرأة وكنت نفسها باسم رجل “جورج ساند”.

   اسمها الحقيقي كان أورور دوبان، أما جوهرها فنابع من شخصية امرأه زاخره بالعطاء في الكتابة كما في العشق كما في الصداقة والأمومة.

   ولدت جورج ساند في الأول من يوليو عام 1804، والدها موريس دي بان من أصل سويدي ــ ألماني، والدتها صوفي ديلابورد امرأة فرنسية عملت في أحد المسارح الصغيره في باريس، هناك التقت موريس وكان الزواج الذي جعل والدته السيدة الأرستقراطية وصاحبة قصر بوهان تغضب عليه، وترفض استقباله.

   استمر الغضب حتى ولدت أورور، فأرسلها والدها وهي في الثالثة من عمرها إلى القصر، لم يسع الجدة لدى رؤيتها حفيدتها، إلا أن تسامح ابنها وتدعوه مع زوجته للعيش معها، لكن الصراع استمر بين الجدة والزوجة التي أرادت إحضار ابنتها كارولين دي لابورت، شقيقة أورور من أمها للعيش في القصر، رفضت الجدة ذلك وغادرت الأم القصر تاركة أورور تعيش حياة مرفهة وتكتسب ثقافة مميزة.

   انشغلت بالدراسة على أيدي أساتذه كانوا يحضرون إلى القصر ليشرفوا على تعليمها القراءة والكتابة والموسيقى واللغات، هذا الواقع الذي عاشته ممزقة بين الجدة والأم زرع في داخلها مشاعر التمرد على الزيف الاجتماعي.

   توفيت جدتها وهي في السابعة عشر من عمرها، فقصدت الأم القصر لاستعاده ابنتها، وخاضت معركه مع الوصي الكونت ري فيلانوف ثم ربحتها، حملت ابنتها وعادت بها إلى باريس، لكن أورور اكتشفت الفارق بين الغنى والفقر فقررت الهروب، وكان أن تعرفت على الشاب كازيمير دودفان فتزوجته في العام 1922، كان الزوجان مختلفين بطباعهما وميولهما، فهو يهتم بالأعمال ولا تغريه الثقافة، أنجبت منه طفلين موريس وسولانج، كان ينفق مالها في المقامرة فهجرته، ثم رفعت الدعوى للانفصال عنه، ويبدو أن الزوج لم يكن غائبا عن السمع تماما، فقد سجل مغامرات زوجته العاطفية في يومياته وحاول ابتزازها.

   في حياة جورج ساند عدد من الرجال، أبرزهم الشاعر الفرد دي موسييه، الذي سافرت معه إلى إيطاليا، وهناك اكتشفت فيه صوره الرجل الباحث عن الملذات بأي ثمن، وربما يكون سبب خلافهما نابعا من تحديها له، كتبت في أثناء رحلتهما الكثير، وراسلت الصحف والمجلات، لتتكفل بعلاج موسييه الذي مرض، وكانت مسار إعجاب النخب الإيطالية، ومن بينهم الطبيب الذي عالج الحبيب.

   عاشت جورج ساند أيضا علاقه حب مع الموسيقي فريدريك شوبان، وكانت طريقه حياتها تثير الغضب في المجتمع المخملي، لكنها لم تساوم في سبيل حرية إبداعها والدفاع عن حرية النساء، في عصر الصمت المطبق على حياتهن وآلامهن ومعاناتهن الاجتماعية.

  كثرت حولها الأقاويل ورسمت علامات استفهام حول علاقتها بالممثلة الشهيرة ماري دورفال، ومثلما تمردت جورج ساند على إراده زوجها وتفلتت من سيطرته، تمردت على إراده عشاقها وتخلصت منهم، بعد أن تحدتهم لتتفرغ لكتاباتها الصحفية والمسرحية والروائية، وتضمنت سيرتها أهم تجاربها ومصاعب حياتها ورفضها لمقاييس الأخلاق المزدوجة والمتناقضة التي تحكم المجتمع.

  روايتها الأولى كانت “انديانا” والثانيه “فالنتاين”، وبعدهما امتنعت عن العمل الصحفي، إذ كانت تكتب لصحيفه “الفيغارو” مقالات أثارت ضجة كبيرة وتسببت مرة في إيقاف الصحيفة عن الصدور. هددت مرارا بالاعتقال لكن ذلك لم يحصل.

  في صالونها الأدبي استقبلت كبار ذلك العصر، جوستاف فلوبير وهنري دو بلزاك ودستوفيسكي وفرانز ليست وغيرهم..  ووسط هذه الأجواء كانت تكتب وتحمل لواء الرومانسية. في تلك المرحلة كتبت “ليليا” الرواية التي اعتبرها الناقد سانت بوف الأهم بين أعمالها.

  تبنت جورج ساند فتاة تدعى أوغستين، مما أثار غيرة ابنتها، فاندلعت بينهما مشاحنات زكاها زوج سولونج وكذلك شوبان، وأشاع والد أوغستين غبارا من الأقاويل حول الكاتبة سببت لها مضايقات عديدة، لكن لا شيء أبعدها عن الكتابة، كتبت سيرتها ونشرتها في عشرة أجزاء، وفي العام 1864 حاولت الكتابة المسرحية، لكن حياتها العائلية كانت سلسلة من المضايقات، انفصلت ابنتها عن زوجها وشهدت علاقتها باِبنها موريس مشكلات اِضطرتها إلى مغادرة قصر نوهان مع مرافقها الخاص مانسو، الذي بقي إلى جانبها طوال الوقت، وشجعته على الكتابة، فترك بعد رحيله مذكرات يتحدث فيها عن السيدة وحياتها.

   وأدت وفاة طفل موريس إلى إعاده علاقته بوالدته، فعادت إلى القصر وهناك ألفت مسرحيات، وحولت صالوناته محجة للأدباء والمفكرين والفنانين.
  بلغ عدد مؤلفاتها التي نشرت في أواخر القرن التاسع عشر منه 109 أجزاء، بينها 60 رواية و20 مسرحية، إلى جانب مقالات ورسائل ومذكرات.

 توفيت في العام 1876 بعد إصابتها بمرض في الكبد والجهاز الهضمي، كتب الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير إلى الأديب صديقه الأديب الروسي إيفان تورغينيف معبرا عن حزنه لفقدانها “كان يجب ان تعرفها مثل ما عرفتها انا، لتقدر الأنوثة التي انطوى عليها صدر هذا “الرجل الكبير” والحنان الدافئ والعبقرية”، ووصفها بأنها “امرأة تتألم من أجل الجميع غير قادرة على الكره”، وقال عنها أندريه موروا “كانت الصوت النسائي الوحيد في القرن الماضي، تلك المرأة العظيمة كانت رجلا عظيما، المرأة التي سرقت امتيازات الذكور “البنطلون والسيجار” واستحقت هذه الشهرة الواسعة التي جعلت منها رائدة متميزة بقوة الشخصية والحماسة للحياة والبحث المستمر عن طريقة جديدة لعيش النساء هي التي قالت “لن اطلب مساندة أحد، عندما أريد زهورا أتسلق بنفسي إلى الجبال لكي أقطفها”.

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية