وإن تعددت أشكاله.. يبقى الموت واحدا
كاركاسون- المعطي قبال
توفي في الفاتح من شهر يونيو الماضي بدار المسنين بمدينة بواسينار بهولندا، المهاجر المغربي اليماني الخولطي، من مواليد العرائش والبالغ من العمر 89 سنة. بعد وفاته أصدرت الدار تعليماتها بإحراق جثته بفرن المقبرة. على الرغم بمطالبته إدارة دار المسنين بالتسريح له بمغادرتها، إلا أن هذه الأخيرة أصرت على الاحتفاظ به كونه «من دون عائلة» ولم يطالب أحد بالتكلف به مع العلم أن عائلته لم تسمع بخبر وفاته إلا في نهاية يونيو. كما أبلغت قنصلية روتردام بالحادث، التي عبرت عن تذمرها من هذا الصنيع فيما قررت جمعيات إسلامية رفع دعوى قضائية ضد دار العجزة. ليست المرة الاولى التي يدفع فيها بجثث مسلمين إلى أفران من لهيب لتتحول إلى رماد وهو ما تحظره الديانة الإسلامية. فقد سبق أن عرف مغاربة ومسلمون نفس المصير في كل من بلجيكا، ألمانيا وفرنسا، الخ…
في فرنسا سبق أن وافقت محكمة الاستئناف بإحراق جثة مغربي يكنى حسن. ل. مباشرة بعد إصدار الحكم بإحراقه بحجة أن حشرة لسعته. وكانت زوجة الميت أول من طالب بعملية الإحراق مدعية أن زوجها هو من طالب بعملية الإحراق! ثمة ظروف اجتماعية، عائلية ودينية هي التي تفسر عملية انتهاك المقدس الذي تشهده الجاليات المسلمة في بعض دول أوروبا والتي تنتهي بأفرادها إلى أفران من 850 درجة وهي الحرارة الرسمية لتحويل جسد إلى رماد. يلاحظ انحلال للعلاقات الأسرية حيث يترك المسنون والعجزة في دور تنعدم فيها شروط الدفىء العائلي، ثم هناك من يقطع نهائيا مع العائلة ويعتبر أن عملية الإحراق هي آخر حلقة للتواصل معها.
على أي تطرح مسألة الموت سواء في شكلها القدسي أو اللاقدسي إشكالات عويصة تخص تهيء الجثة، نقلها، تجنيد المرافقين إلى بلد الدفن، ثم نقلها بعد ذلك إلى مثواها الأخير الذي قد يبعد بمسافات طويلة عن المطار. وتكون الموت بذلك عذابا في الأرض قبل أن تكون عذابا في السماء. ويحدث، بعد أن تصل سيارة نقل الأموات إلى المقبرة ويفتح الصندوق قبل وضعه في القبر، أن تكتشف العائلة أن الميت شخص آخر وأنه وقع خطأ في الصندوق! أما الذين يفضلون الدفن فيما يسمى بالمربعات الإسلامية داخل المقابر الكاثوليكية، فليسوا أكثر حظا من الذين تحرق جثتهم رغما عنهم. جاءوا بالآلاف إلى فرنسا بحثا عن الرزق ولترميم كرامتهم. منهم من ينتهي به المشوار في آخر المطاف إلى مقابر الآباء والأجداد ومنهم من يرقد وحيدا وسط قبور مجهولة تعلوها في الغالب علامات صليب من الاسمنت أو الحديد .
إنها أشد أقاصي العزلة. إذ يبقى الميت في هذه الفضاءات نكرة ولا أحد يفكر في زيارته. كما يبقى الدخول إلى مقابر النصارى من موانع اللاوعي. أنشأ أول مربع إسلامي بقرار من المجلس البلدي لمدينة باريس في 17 يونيو من عام 1853 وتم بالفعل تدشين المربع في فاتح يناير من عام 1857 بمقبرة بير لاشيز. بعد 1918، خصص للمدنيين التقسيم 30 بالمقبرة الباريسية لبانتان. بفرنسا الميتروبول توجد مقبرتان يرقد بها موتى المسلمين: المقبرة الإسلامية لمدينة بوبيني وهي مقبرة خاصة والمقبرة الإسلامية لمدينة ستراسبورغ . غير أن مقبرة تياي تبقى أهمها والتي تم تدشينها عام 1957 بطلب من مسجد باريس. مع انتشار جائحة الكوفيد بدءا من مارس 2020 وتكاثر الموتى من الجالية الإسلامية وجدت السلطات الفرنسية نفسها أمام معضلة أماكن دفن المسلمين. من بين 40000 مقبرة فرنسية، 600 منها فقط تحتضن مربعات لدفن المسلمين. فيما يتوفى سنويا 12000 مسلم. فرنسا التي تدافع عن سياسة الإدماج والاندماج تعطي هنا البرهان على سياسة الإقصاء مع تحقير للجالية المسلمة، الشيئ الذي يدفع بالعديد من العائلات إلى التفكير في نقل موتاهم، وبأي ثمن، إلى بلدهم الأصل.
اليوم تصل نسبة نقل الأموات إلى البلد الأصل 80 في المائة. وقد طالب نائب سابق عن منطقة السافوا من مجلس الدولة إعادة النظر في قضية المربعات الإسلامية. وتبعا لهذه المطالبة توجهت المحكمة الإدارية إلى نفس المجلس طالبة النظر في قضية المربعات. واعتبر النائب السابق أن هذه المربعات تعكس نظرة دينية تمييزية وعنصرية وأنها تمس بالمباديء الأساسية للحياد العلماني والمساواة أمام القانون الذي تجاهر به الجمهورية. علاوة على مسألة نقصان بل انعدام المقابر الإسلامية تواجه الجالية الإسلامية الأحياء منها والأموات أفة تدنيس المقابر والاعتداء على حرمتها التي يرتكبها المتطرفون من النازيين والمتشددين الجدد.