لماذا لم يفز ميلان كونديرا بجائزة نوبل؟

لماذا لم يفز ميلان كونديرا بجائزة نوبل؟
رضا الأعرجي
     لماذا لم يفز ميلان كونديرا بجائزة نوبلفي تشرين الثاني/ أكتوبر 2008، نشر آدم جراديليك، وهو موظف في المعهد التشيكي لدراسة الأنظمة الشمولية، مقالاً في صحيفة أسبوعية تشيكية أن كونديرا كان مخبراً سرياً وذلك استناداً إلى وثيقة تم استخراجها من أرشيف الشرطة التشيكوسلوفاكية بعد أن رفعت عنها السرية في عام 1991 في أعقاب سقوط النظام الشيوعي، وقد أبلغ الشرطة في عام 1950 عن ميروسلاف دفوراتسيك، الذي هرب إلى المانيا عام 1948 ثم عاد سراً إلى تشيكوسلوفاكيا بعد عامين ليحُكم عليه بالسجن 22 عاماً بتهمة تجنيده من قبل المخابرات الأمريكية لتنظيم حركة مقاومة للشيوعية في تشيكوسلوفاكيا، ولم يُفرج عنه إلا بعد أن قضى 14 عاماً منها.
   أثار المقال الذي تناقلته الصحافة العالمية نقاشاً ساخناً في جمهورية التشيك، وكان بالنسبة لكونديرا صدمة قوية غير متوقعة اسقطته من عليائه، ووضعت مصداقيته على المحك.
   ولم تكن لجنة جائزة نوبل، التي كان كونديرا من أبرز المدرجين على لائحتها، بعيدة عن هذا الحدث وتداعياته..
نفى كونديرا هذه الاتهامات بشكل قاطع، وخاض معركة ضارية لإنقاذ سمعته.
   تقول الوثيقة: اليوم 14 مارس 1950، في حوالي الساعة 1600، قدم الطالب ميلان كونديرا، المولود 1.4.29 في برنو، نفسه في هذا القسم وذكر أن إيفا ميليتكا، وهي طالبة تقيم معه في نفس السكن الجامعي التقت بصديق لـها، ميروسلاف دفوراسيك، الذي كان سيعطيها حقيبة لتحفظها عندها.
   كان دفوراسيك طياراً، وكان مطلوباً من قبل السلطات، وقد تم القبض عليه بعد مراقبة شقة ميليتكا لاسترجاع حقيبته منها، وذلك في الساعة 8 مساءً في نفس اليوم.
   بعض التشيكيين تمسك برواية جراديليك حيث كان كونديرا وقتها شيوعياً، ومن غير المستبعد أن يقوم بالوشاية نظراً لما كان عليه المناخ الاجتماعي في تلك الفترة شديدة الخطورة. حتى قبل الغزو الروسي كانت المخابرات التشيكية تراقب الناس وتعتقلهم لكي يرضخوا لـ “الأخ الأكبر”. كان من المحتمل جداً أن يتم إبلاغها بكل كلمة تقال، وكان على الناس توخي الحذر الشديد حتى لا يقولون شيئاً يمكن استخدامه ضدهم. وكانت المشكلة أن الكثيرين كانوا خائفين وفضلوا إبلاغ الشرطة السرية عن الآخرين بما فيهم بعض الذين كانوا في السجن تعاونوا مع الشرطة أملاً في الخروج من سجنهم.
   ويقول باحثون إنهم اكتشفوا المزيد من الأدلة التي يزعمون أنها تدعم صحة محضر الشرطة، إذ هناك نص محاضرة ألقاها في عام 1952 ياروسلاف جيرمان، الذي كان آنذاك نائب وزير الأمن في تشيكوسلوفاكيا، يشير إلى ملف للشرطة يحتوي على اسم كونديرا ويتعلق في ما يبدو بإدانة “عميل عدو” قبل عامين.
   وتفيد تصريحات لبيتر كورا، المؤرخ المتخصص في تشيكوسلوفاكيا ما بعد الحرب، لصحيفة تشيكية أن محاضرة عام 1952 أشارت إلى “حالات محددة”. وادعى أنه يستبعد عملياً أي احتمال أن تكون الوثائق قد زورت في تاريخ لاحق لتشويه سمعة كونديرا.
   من المثير للاهتمام، أن بطل رواية “المزحة” لودفيك جان، يعاني من مصير مماثل لمصير دفوراسيك بعد تعرضه للخيانة من قبل صديق فتقوم السلطات بسوقه للعمل في المناجم.
   لطالما قاوم العديد من الكتاب والفنانين الاتهامات التي تدينهم بالتورط مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية. غونتر غراس الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه “ضمير المانيا” كشف عن سر مظلم في زمن الحرب العالمية الثانية حين اعترف في مذكراته “قبو البصل” بأنه كان عضواً في الجستابو إبان صعود هتلر والنازية.
  جورج أورويل في عام 1949، وقبل وفاته بفترة وجيزة، زاره وكلاء من أجهزة المخابرات في مصحته، حيث قدم لهم قائمة بالصحفيين والكتاب الذين يراهم شيوعيين أو يميلون بهذا الاتجاه.
   ايليا كازان تحول في عام 1952، في أوج حقبة مكارثي، من مخرج سينمائي إلى مخبر، ودل على ثمانية من أعضاء الحزب الشيوعي الأمريكي.
   نحن نتحدث عن بشر وليس عن قديسين..
Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي