الحاكمة والمؤامرة … لا يقولنّ أحدٌ لا يوجد مؤامرة

الحاكمة والمؤامرة … لا يقولنّ أحدٌ لا يوجد مؤامرة

د. إبراهيم حلواني

هذا ليس مقالا في السياسة بل هو مقال في الرياضيات، فأنا لا أفهم في السياسة إلا القليل.

كثُرٌ الذين لا يؤمنون بوجود مؤامرة على بلادنا، أنا من المؤمنين بالعكس: هناك مؤامرة كبيرة عتيقة على بلادنا.

أسارع إلى القول إني مدرك تمام الإدراك لمسؤولياتنا في الخراب والتخريب، وعدم قدرتنا على بناء ما يصدُّ أمواج الشر والفتن من الخارج، ويستأصل دودة الفساد والاهتراء من الداخل، ذلك أمرٌ آخر

أسباب عديدة تدفعني إلى الاعتقاد بالمؤامرة:

ــــــ وجود خطوط لسياسة دولية عامة في الشرق الأوسط بدأت قبل 120 سنة، أي قبل اصطناع الكيان المحتل بـ 45 سنة، وقبل ظهور البترول بـ 30 سنة. ذلك يدركه كلّ من يجيد قراءة التاريخ.

ــــ تغير الحكام في أميركا والغرب، بينما سياساتهم مستمرة في تأييد الكيان المصطنع ورعايته.

ــــ اقتناعي التام أن الكيان المركب ليس قادرا على فرض إرادته على المجتمع الدولي لسبعة عقود متتالية (كما كنت أعتقد حتى مطلع الألفية الجديدة)، وتجيير المواقف لصالحه، بل لا بد من جهات عالمية ذات قدرات هائلة تقوم بذلك، ليس كرمى لعينيه، بل كرمى لبترولنا وخيراتنا وأموالنا، ولمآربَ أخرى. 

في الآتي، كلمة الحاكمة أعني بها: مجموعة من النافذين والمقتدرين في العالم، أعمدتها كبار موظفي الاستخبارات والمتحكمين بقطاعات النقد والماس والبترول والسلاح والإعلام والمخدرات، وربما غير ذلك (مثل تجارة الجنس والدعوة إلى الشذوذ).

باختصار، في مصطلحي، الحاكمة هي التي تحكم العالم في شؤونه الكبيرة.

أنا أفترض وجود “الحاكمة” لكي أستطيع أن أفهم ما يحصل في بلادنا. لا يوجد حتى الآن نظرية أخرى تفسر ما يجري. أعتقد بقوة أنّ الحاكمة هي التي تضع الخطوط الأساسية لتوجهات الدول ومصائر الشعوب ومستقبلها، وتسهر على تنفيذها بكل “حكمة وصبر وقوة”.

وهي المسؤولة عن تخريب دول وتدمير حضارات. الحاكمة لا تنظر في التفاصيل، بل تضع الخطوط العامة وتفتح الأتوسترادات العريضة، وتتدخل حين تذهب الأمور إلى غير ما تريد (مثل الدخول الأميركي إلى العراق لإعادة توجيه الأمور).

في رؤيتي، وبالنسبة إلى منطقتنا من المحيط إلى الخليج، أتهم الحاكمة بالكثير، أذكر المهمّات:

ـــ مهدتْ لوعد بلفور وأرست معاهدة سايس بيكو.

ــــ أعطتِ الضوء الأخضر لإنشاء الدولة المُحتلة في قلب منطقتنا، بهدف التحكم بالمنطقة وخيراتها وضرب حضارتنا.

ــــ سمحتْ باغتيال كنيدي عندما بدأ يتبصر ويتعاطف مع قضية فلسطين.

ــــ أشرفتْ على بداية الفوضى في منطقتنا: محو آثار الناصرية وتشجيع الصلح مع إسرائيل وتشجيع المنظمات الدينية الإسلامية المتطرفة.

ــــ مهدتْ لأحداث لبنان تحضيرًا لربطها مع أحداث سوريا والعراق.

ــــ نظّمتْ لتفشيلِ الثورات الأخيرة في العالم العربي، وربما تكون هي من صمّم للربيع العربي.

ــــ أشعلتِ الفتن المذهبية في أرضنا (سني-شيعي، شيعي- شيعي، شيعي- مسيحي)، ووجهت بإنشاء داعش وأمثالها. (ألم يصرح أحد وزراء بريطانين سنة 2011: الآن بدأت حرب المئة عام بين السنة والشيعة؟).

ـــــ ابتكرتْ سياسة “الفوضى المنظمة” و”الشرق الأوسط الجديد” و”اجعلوهم يقتلون أنفسهم بأنفسهم”: تلك ثلاثة يجب أن لا ينساها أحد.

نظريتي عن الحاكمة تفسر كثيرا من الأمور التي أغلق علينا فهمها في المنطقة وفي لبنان بشكل خاص، مثل:

ــــ انهيار البنيات السياسية والعسكرية والاجتماعية لأكثر دول المنطقة، وفلتان المخربين والسرّاق والقتلة في دولنا و “الجهاد” في حمايتهم وإلعابهم الأدوار حتى رمقنا الأخير. (بشكل واضح: العراق، سوريا، لبنان، اليمن، ليبيا، الصومال، إيران، أفغانستان، السودان).

ــــ كيف يستطيع السُّرّاق بلع أموال المودعين دون الادعاء على أحد ودون توقيف أحد؟

ــــ كيفَ يؤتى بمن تلوثت سمعتهم إلى حكم البلاد؟

ــــ كيف يُتهمُ حاكم المصرف المركزي ثم يُعمل على التجديد له؟

ــــ كيف يَسرح اللصوص الكبار ويمرحون بينما يُلقى القبض على المنادين بالعدل وتقويم البناء؟

ــــ كيف صارت فرنسا من دول الممانعة؟

عزيزي القارئ، إن كنتَ من غير المؤمنين بوجود مؤامرة فذلك حقك، وقد تكون على صواب، ولكن لا تسالنّ أحدا بعد سماعك نشرة الأخبار السؤال الذي بتنا نسمعه كثيرا: “ولك ياعمي معقول اللي عم بيصير؟”.

ولكن .. ولكن .. 

أنا لا أزعم أن كل ما تخطط له الحاكمة سيتحقق؟!

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. ابراهيم الحلواني

أستاذ جامعي وباحث لبناني