في المشروع النهضوي “الشعبي” أو الشعبوي بالأحرى؟؟؟
عبد الله راكز
في البداية، يمكن القول إن التاريخ العربي قد افتقد دائما، إلى مشروع نهضوي شعبي، والمشروع النهضوي (البعثي أو القومي الناصري) كان مطروحا من أعلى. وبالتالي فالذي استفدناه من غرامشي مثلا، هو أنه كان يطالب بالأساس بمشروع نهضوي شعبي يقيم في داخله الفلاحون. وأتصور أن هذه كانت نقطة غائبة في تحليلات معشر “التقدميين”. إذ أن القوى الفلاحية غير مطروحة في مشاريعنا النهضوية أو شبه النهضوية (أليست القوى الفلاحية هي من شكلت في الأغلب الأعم قوى المقاومة؟)، بل إن هناك حاجة ملحة ومهمة أيضا، لتخليق مشروع نهضوي أساسه الفلاحون، باعتبارهم الغلبة في القوة المنتجة.
يوجد، أيضا، مشكل للمثقف أو شبه المثقف (وما أكثرهم) في مجتمعنا، وأتصور أن هذا المشكل جدير بالانتباه،لأن هذا الأخير يجتاز مرحلة انتقالية إذا جاز التعبير، حيت الطبقات غير واضحة ومتبلورة، والمثقف المذكور في مثل هذا الوضع عديم الفعالية والحضور ، إلا في المهرجانات الفلكلورية الهجينة.
دائما يجرنا الحديث في هذا المجال، إلى مفهوم المجتمع المدني، إلى ضرورة التفريق بين مفهومه الخاص، ومؤسساته؟ لماذ؟ لأن هذا المفهوم عند غرامشي وتلامذته، يحاول بناء نظرية في السلطة إذا صح التعبير، أي الهيمنة، والمجتمع هو تحقق هذه الهيمنة. أما المؤسسات فيفتح دائما لها قوسان، والقوسان عادة لا يحتويان كل المؤسسات (لأن أغلبها بالمغرب مؤسسات خدماتية). وإذن، فهل من الصحيح السؤال عن خلق مجتمع مدني دون ابتكار مؤسساته، ولا ماهية الأقنية التي نستطيع من خلالها النظر إلى الهيمنة. ربما يترتب عن هذا إعادة النظر في هذا الغياب، التمييز بين “نحن” و”الاخر”. ولعبد الله العروي كامل النظر.
أما الجابري فقد نظر لـ “الكتلة التاريخية” ومفهوم الهيمنة هو الآخر، إنها الدولة وليست هنا بالضرورة الدولة السائدة، فلهذه نظرية أخرى. ثم هناك مجتمعات أخرى، من نوع آخر ، تعبر عن هيمنات إسلامية، المثال واضح هنا، في تونس . وحتى في المغرب في وقت من الأوقات؟
كل المجتمعات العربية وعلى رأسها المغرب، غيها هذا الفكر حرا. ولماذا هنا غرامشي مهم؟؟ لأنه يظهر أهمية البنى الفوقية وإذا سرنا على نفس المنوال وفي تطبيقه، سنجد بنى تحية لها بنية فوقية، وغرامشي أعطى اهتماما للبنية الفوقية، وهذا هو موضع الاهتمام، أما لماذا نخن متخلفون رغم وجود حركات سُميت تحررية، ولماذا العسكرة رغم وجود مؤسسات، يبدو أنها تدافع عن الشعب المُفترض فهذا كلام آخر، وبالخصوص بالمغرب.
يمكن لفكر غرامشي أن يساعد على إيجاد حل. لكنه لا يقدم حلا معجزا، بل يمكن الالتجاء إلى مفكرين آخرين، إلى المتغيرات الشعبية التي انشغل بها غرامشي؟ ووسائل الإقناع عنده فيها عمل مهم. فكرة المثقف فوق المجتمع (وهي الفكرة المهيمنة لدى “مثقفينا”) فكرة مهمة، لإمعان النظر، في التناقض الرئيسي: الانفصام بين السلبية والممارسة. وهذا الانفصام لدى هذا المثقف، هو أيضا بين المثقف الذي يفكر بشكل تقدمي لا تقليدي. وهذا سؤال مهم سنعود إليه.
أصل إلى سؤال أخير، إذا كان الجزء الأساسي في مفهوم المجتمع المدني هو التحريك فهل لنا به أمل الهدف، وعليه نعيد السؤال فيما يتعلق بـ”المشروع الشعبي” أو “الشعبوي”. هل يمكن الإجابة عن هاته الأسئلة دون السؤال عن وضع ومستقبل أكبر فئة منتجة: الفلاحون؟ وضمن تحريك مفهوم “المدنية” بعيدا عن الأوهام، وبعيدا عن رهانات الفئات المدنية الخائبة؟؟ سياسيا واقتصاديا، كعنوان صارخ عن الأزمة؟