أفق: من المعري إلى طه بلافريج
“.. لقد وجدتني أكتب كتابا – تميمة”. (ص/22)
صدوق نورالدين
ترد في كتاب ياقوت الحموي “معجم الأدباء”، حكاية طريفة متداولة عن أبي العلاء المعري. تقول الحكاية بأن شاعر “اللزوميات” كان يحضر مجلسا للشريف الرضي، فانبرى الأخير يحط من قيمة ومكانة أبي الطيب. إلا أن المعري لم يستسغ الموقف وتدخل بالقول: “لو لم يكن للمتنبي غير بيته: “لك يا منازل في القلوب منازل… “لكفاه فخرا”.
يقودني الجواب البليغ إلى اعتماده بخصوص كتاب “إرث وآثار” لطه بلافريج، إذ “لو لم يكن لطه غير كتابه هذا، لكفاه فخرا”. وأعترف بأني لم أقرأ له من قبل، ولا عرفته أو تعرفت عليه. ما هداني لقراءته التقديم الموضوع من طرف الأستاذ عبد الفتاح كيليطو الذي لا يمكن أن يقدم كتابا ما، إلا إذا توافرت مواصفات التأليف الأدبي الموضوعي. وفي المؤلف، الكفاءة والاقتدار.
إن “إرث وآثار” بمثابة سيرة تزاوج بين الذاتي دون الإسهاب فيه، وإلى ما يرتبط بهذه الذات متمثلا في التكوين الفكري والمعرفي. هي سيرة حياة، وسيرة قارئ وقراءة. وثم تكمن فرادتها كما سر اختيار الصيغة المعتمدة في صوغها. وأعترف ثانية بأن العديد من المعارف والمعلومات كسبتها واكتسبتها انطلاقا من هذه “الموروثات” التي تقتضي أكثر من قراءة. إنها الأدب، التاريخ، السياسة، الاجتماع، الفلسفة والفن.
يقول الأستاذ كيليطو:
“يضع طه بلافريج قراءاته في السياق العام للتاريخ المغربي والعالمي مع إيلاء اهتمام خاص بالعصر الحديث. ويظهر الإرث والآثار المتعددة التي تم التطرق إليها أن المغرب لم يكن أبدا يعيش في عزلة، بل كانت لديه علاقات تواصل دائمة مع البيئة المتوسطية والإفريقية والأوروبية، بل يستحيل التطرق إلى تاريخه بشكل منفصل وبمنأى عن التأثيرات المتعددة التي تم التعامل معها في بيئة يسودها التنافس، النزاع أو التعاون”. (ص/17)
وأعترف ختاما للمرة الثالثة وقد أمضيت أزيد من ثلاثين سنة في التدريس، بأني لو كنت أملك سلطة القرار، لما ترددت في إقرار كتاب “إرث وآثار” على تلاميذ الباكالوريا في الشعبتين الأدبية والعلمية لما يتفرد به من ثراء ثقافي فكري، ويتميز به كتابة وصوغا.
إن “إرث وآثار”، بمثابة الكتاب الذي يقرأ وتتجدد قراءته. لقد كتب ليدوم ويستمر.