سيرة الذات والمجتمع في مذكرات المختار تيمور
الحبيب الدايم ربي
حينما اطلع السوسيولوجي المعروف غريغوري لازاريف، الخبير في المجال الفلاحي بالمغرب، على مذكرات النقابي المختار تيمور، شعر، كما يقول في مقدمة الكتاب، بتأثر بالغ، أولا للمسار الذي قطعه هذا الأخير في مركزية الاتحاد المغربي للشغل، وثانيا لاشتراكهما معا في معايشة شخصيات تاريخية مرموقة مثل رايمون أوبراك، والمحجوب بن الصديق، وعلي يعتة، وعبد الكريم الخطيب، والمهندس عبد المجيد العراقي، والحاج عطار، وعبد الكريم بنسليمان. وقد كان لازاريف، المزداد بمراكش سنة 1938، يشتغل، على غرار بول باسكون، في المكتب الوطني للري دون أن تتاح له فرصة اللقاء مع صاحب المذكرات.
ونوه لازاريف بغزارة المعطيات السوسيوتاريخية التي استوحاها المختار تيمور من سيرته الشخصية وانخراطه المبكر في العمل النقابي، وفي الحزب الشيوعي في الستينيات، وانتمائه لأوائل مؤسسي الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب في نسخته الفرنسية الصادرة سنة 2019 في سلسلة “دفاتر الجديدة” بتعاون مع الباحث المصطفى اجماهري، هو ترجمة منقحة لمذكرات تيمور التي تولى إنجازها، بطلب من المعني بالأمر، مبارك بيداقي، زميل تيمور السابق في العمل والنقابة، عبر عدة مقابلات تمت بالجديدة سنة 2013. هذه المذكرات في صيغتها الأصلية بالعربية لم تنشر حتى الآن، وقد سنحت لي، إبانها، فرصة مراجعتها وتشجيع صاحبها على نشرها.
وتأتي أهمية هذه المذكرات، في رأيي المتواضع، من كونها وثيقة تسلط الضوء على معطيات حصرية تخص وقائع حزبية ونقابية ورياضية ومهنية عاشها صاحبها بمدينة الجديدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما تساهم في توثيق وصيانة الذاكرة المحلية التي أصبحت اليوم مطلبا ملحا لدى المهتمين والباحثين المغاربة.
ويمكن الوقوف على قيمة بعض المعطيات التاريخية المحلية في الكتاب، من خلال الإشارة إلى تأسيس خلية الحزب الشيوعي بالجديدة في الستينيات، والصراعات المستعرة بين التيارات المختلفة في النقابة سواء بين الهياكل التنظيمية أو مع السلطة، وإنشاء النواة الأولى للفريق الكروي بالجديدة، وتسليط الضوء على مرحلة مهمة من تدبير القطاع السقوي بدكالة التابع حينها للمكتب الوطني للري برئاسة المهندس محمد الطاهري. دون أن ننسى أيضا ما تعرض له المعني من مضايقات بسبب نشاطه ذاك في مرحلة من مراحل حياته.
وبحكم عمله كتقني بالمكتب الوطني للري ثم بالمكتب الجهوي لدكالة، تعرضت المذكرات، في فصل خاص، لتاريخ الدائرة السقوية بدكالة مع ذكر بعض أسماء المهندسين الأوائل مغاربة وأجانب، كما أبرزت تطور الهيكل التنظيمي الذي ما فتيء يتضخم، بدون مبرر علمي، إلى أن أصبح في التسعينيات حجر عثرة أمام كل تدخل ناجع. وهو الأمر الذي عزاه إلى توجه بيروقراطي انطلق منذ الستينيات واستمر طيلة أربعة عقود، ارتفع خلالها عدد مصالح المكتب من أربع إلى أكثر من عشرين بالرغم من تقلص اختصاصاته وعدد العاملين في صفوفه.
وحين نوه مثقف من طينة غريغوري لازاريف بمذكرات مناضل قاعدي كالمختار تيمور فلأنها، وكما قال، وضعت في دائرة الضوء مجموعة من التجارب التي ظلت راسخة في الذهن لكنها كانت مهددة بالتلاشي والضياع. إن هذا الأمر بالذات هو ما انتبه إليه أيضا الدكتور عبد المجيد نوسي، أحد أصدقاء المختار تيمور، الذي راجع المسودة ووقف على فائدتها التاريخية بالنسبة للمنطقة والجهة، كما شجع على إخراجها في كتاب مطبوع ما أحوج الخزانة الجهوية إليه.
___________________
عنوان الكتاب باللغة الفرنسية:
Une vie d’engagements à El Jadida : Parcours militant de Mokhtar Timour