أفق: من تشيخوف إلى غوركي (1)

أفق: من تشيخوف إلى غوركي (1)

         صدوق نورالدين

  بعيدا عن الديوك المصياحة  

     حفل تاريخ الأدب العالمي بما جاء به أنطون تشيخوف في أدب المراسلات، إذ بلغت رسائله الموثقة 4400 رسالة حررت على مدى 29 عاما. وشكلت 12 مجلدا من مجموع أعماله التي تقع في 30 مجلدا، بينما لم تتجاوز رسائل دوستيوفسكي 900 رسالة (الرسائل/ دار الجمل/بيروت/2022)، كما عبر عن ذلك المترجم العراقي خيري الضامن (1936 / 2021).

   صيغت الرسائل كما ورد في التقديم _ وهو ما يلمس في سياق القراءة_ بأسلوب مقتضب، وشملت تفاصيل عن حياته وأدبه، و “نبض الحياة الثقافية والاجتماعية في روسيا أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين”.

   هذه الرسائل، تدوين دقيق لمسار كتاب وشعراء “العصر الفضي” في الأدب الروسي. فمن خلال قراءتها تطالعنا أسماء مبدعة ظلت مجهولة بالنسبة للقارئ العربي، كما أشار خيري الضامن. والواقع أننا وبالاستناد إليها، يتأتى تحصيل معرفة شاملة بما أقدمت على إبداعه.

   ومثلما أسهم تشيخوف في التعريف بالأدب الروسي، طلب مبدعون رأيه النقدي فيما يقدمون على كتابته. من هؤلاء  مكسيم غوركي (أليسكي بيشكوف) الذي أرسل له قصة “في الشهب”. فما كان إلا أن عدد المحاسن والنواقص، وختم بتوجيه دعوة لغوركي.

   من المحاسن توفر الموهبة والذكاء، وتحسس الواقع بأروع وأجمل صورة، إلى الحد الذي اعترف فيه تشيخوف بالقول: “.. حتى أني شعرت بالحسد لأن القصة ليست من تأليفي”. (ص/ 345)

    وتجسدت النواقص في الإسهاب على مستوى الوصف الذي طال الطبيعة والنساء ومشاهد الغرام. ومادام تشيخوف

لا يعرف غوركي عن قرب، وهو المعبر عنه بالقول:

” كم عمركم؟ أنا لا أعرفكم (شخصيا)، لا أعرف من أنتم ومن أين”. (ص/346)

   فإنه وجه له الدعوة للخروج من عزلة المدينة الصغيرة التي يعيش فيها، مادام أن “المدن الهامشية تسبب الشيخوخة المبكرة”، إلىى ضرورة التقرب من حياة الأدباء والاحتكاك بهم، وهي دعوة ليس الهدف منها التعلم من “الديوك المصياحة”.   

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي