كل الطرق تؤدي إلى كاراباخ

كل الطرق تؤدي إلى كاراباخ

د.خالد العزي

بعد التوترات المتزايدة بين يريفان وباكو، التي ترتبط إلى حد كبير بالوضع في جمهورية ناغورني كاراباخ، حددت أرمينيا وأذربيجان طريقين كفرصة للانفراج. وأبلغت السلطات غير المعترف بها في ناغورني كاراباخ عن اتفاق مع باكو بشأن فتح طريقين عبر لاتشين وأغدام لإيصال الإمدادات الإنسانية إلى المنطقة.

وعلى خلفية التصعيد، الذي رأى فيه الكثيرون خطر تصاعد الصراع إلى مرحلة ساخنة، أصدر زعماء العالم دعوات واسعة النطاق للأطراف للعودة إلى المسار البناء. في  9 ايلول/ سبتمبر 2023 في ناغورني كاراباخ، انتخب البرلمان المحلي سكرتير مجلس الأمن في ناغورني كاراباخ سامفيل شهرامانيان لمنصب الرئيس. ويبدو أن التعديلات في قيادة المنطقة، التي يعترف بها الجميع، بما في ذلك أرمينيا، من وجهة نظر القانون الدولي، قد تدفع العلاقات الأرمينية ــــ الأذربيجانية إلى جولة جديدة من التصعيد.

فقد وصفت باكو الانتخابات في جمهورية ناغورني كاراباخ بأنها “خطوة استفزازية أخرى للغاية”، وأعلنت أنها “انتهاك واضح لسيادة أذربيجان وسلامة أراضيها”. وبالنظر إلى أن وسائل الإعلام العالمية كانت تتحدث منذ عدة أيام عن تركز القوات الأذربيجانية على الحدود مع أرمينيا وفي المنطقة ككل، ويشتبه أن باكو تعتزم حل قضية كاراباخ بالقوة بشكل نهائي. ومن الممكن أن يصبح أرمن كاراباخ سبباً لاتخاذ خطوات جذرية. وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي يدعي أنه وسيط، كان رد فعله سلبيا على انتخاب السيد شهرامانيان لمنصب الرئيس. وقالت بروكسل إنها لا تعترف “بالإطار الدستوري والقانوني” الذي جرى التصويت من خلاله. و مباشرة بعد التعديل الوزاري في ناغورني كاراباخ، نشأ الأمل في إمكانية تجنب السيناريو الأسوأ.

وأعلنت الإدارة في كاراباخ، التي يطلق عليها اسم “الانفصاليين” في باكو، أنها توصلت إلى اتفاق مع أذربيجان لفتح طريقين لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة. وبالتالي، كان لا بد من استعادة حركة البضائع ليس فقط على طول ممر لاتشين، الذي كان مغلقا لعدة أشهر، ويربط جمهورية ناغورني كاراباخ مع أرمينيا، ولكن أيضا من خلال ممر أغدام – عبر أراضي أذربيجان. وأصر الجانب الأرمني على فتح الطريق عبر لاتشين، والجانب الأذربيجاني عبر أغدام. وقد دعا المجتمع الدولي بشكل عام إلى التشغيل المتزامن لكلا الطريقين، بحجة أنه ضروري لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.

 ودعا رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، مرة أخرى إلى “فتح ممر لاتشين الآن”، مشيراً إلى أنه “من الممكن فتح طرق أخرى، ولكن كإضافة إلى هذا الطريق”. وأعلنت سلطات ناغورني كاراباخ أنها وافقت على تسليم “البضائع الروسية إلى الجمهورية عبر مدينة أسكيران” التي لا تبعد كثيراً عن خط المواجهة بجوار أغدام.

والسؤال المهم كيف تحاول موسكو التوفيق بين المعارضين الذين لا يمكن التوفيق بينهم باستخدام الدبلوماسية المكوكية “بمبادرة من روسيا، ستسير الشحنات الغذائية للصليب الأحمر الروسي على طول طريق أغدام – أسكاران في اتجاه خانكيندي (في أرمينيا وجمهورية ناغورني كاراباخ يستخدم اسم ستيباناكيرت) بالتنسيق مع الهلال الأحمر الأذربيجاني؟. اللافت أن تصريحات الطرفين أشارت إلى وجود اتصالات على طول خط باكوـــ ناغورني كاراباخ. بأنه لا أحد يكشف بالضبط كيف يتم الاتصال ومن خلاله، ولكن يبدو أنه لا يمكن أن يتم دون مشاركة الممثلين الروس. وتظل قوات حفظ السلام الروسية هي الرابط الرئيسي في هذا المخطط، وليس، على سبيل المثال، السلطات في يريفان. وأشار إلى أنه من المفارقة أنه على الرغم من تدهور الوضع الإنساني في المنطقة، وهنا نرى  الوسطاء يدعون بشكل متزايد إلى إجراء حوار مباشر بين باكو والمنطقة.

كما تظهر الأحداث، لا تستطيع يريفان دائماً فرض إرادتها على ممثلي كاراباخ، ولهذا السبب يتعين على الأطراف المهتمة الاتصال بطريقة أو بأخرى مع الإدارة المحلية.

اذن هناك عملية تفاوض معينة تجري، وبعض المفاوضات المغلقة جارية، ومحاولات التأثير من الأطراف الفرنسية والأمريكية والروسية. لكن من الصعب أن نتصور أن أذربيجان ستتخلى الآن عن سياسة الضغط التي تعد جزءا من استراتيجيتها التفاوضية.

 

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني