الثقافة في قلب الحرب بين إسرائيل وفلسطين 

الثقافة في قلب الحرب بين إسرائيل وفلسطين 
المعطي قبال ــــ كركاسون
كما جرت العادة لما يتعلق الأمر بالحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو العرب بشكل أعم، تطرح في الأسواق كتب تحليلية وشهادات لشخصيات عسكرية أو سياسية إسرائلية دون الحديث عن تعاليق أو وثائق أو أفلام سينمائية تصب جميعها في اتجاه التنقيص من الفلسطينيين ووصفهم بنعوت وسمات ساقطة. ومن المتوقع أن تنزل إلى السوق عشرات الكتب عن هذه الحرب. مع « طوفان الأقصى » سمعنا من أفواه مسؤولين إسرائيليين كبار ، وزير الدفاع، الوزير الأول، توصيفات في حق الفلسطينيين من قبيل « ثعابين »، « حيات »، « وحوش »…نحن بصدد عالم الحيوانات السامة. سرت هذه المفردات في المعجم الإعلامي الغربي. هناك إذا حرب معجمية، مفاهيمية تندرج في حرب أوسع هي الحرب الثقافية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهي حرب ليست وليدة اليوم.
اتخذت هذه المواجهة أشكالا وصفات متباينة، وفي كل مرة أدت الثقافة الفلسطينية الثمن غاليا إما بتصفية بعض المثقفين وإما بممارسة الرقابة والحجز على أعمالهم سواء داخل إسرائيل أو خارجها. ولنا في إلغاء حفل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، من مواليد 1974، من طرف منظمي معرض فرانكفورت للكتاب الذي يفتتح أبوابه ابتداء من اليوم، أحسن مثال. وتعلل المنظمون بالحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل. وقد أعلنت جمعية ليتبروم الألمانية التي تشجع الأعمال المترجمة إلى اللغة الألمانية أن حفل تسليم الجائزة لمدنية شبلي تم تأجيله وذلك « على إثر العملية البربرية » التي قامت بها منطمة حماس. وأضافت الجمعية بأنه سيكون للأصوات الأدبية الإسرائيلية التفضيل والسبق خلال المعرض.
على إثر هذا القرار انتظمت أصوات 600 من المثقفين ينتمون إلى أكثر من بلد للاحتجاج على هذا القرار كما قررت عدة دور نشر عربية الانسحاب من المشاركة في المعرض. ومن بين الموقعين عبد الرزاق قرنه والكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك الحائزان على جائزة نوبل للآداب والكندية ناعومي كلاين وآخرين. وقد توجت الجائزة رواية « تفصيل ثانوي » الصادرة عام 2017 بالعربية والمترجمة إلى عدة لغات من بينها اللغة الألمانية.
وتحكي الرواية قصة اغتصاب وقتل ارتكبه جنود إسرائيليون عام 1949 بحق فتاة فلسطينية. بالإضافة إلى الكتابة الروائية تعمل عدنية شبلي أستاذة زائرة في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت. من الرواية إلى العمل السينمائي خيط رفيع لكنه خبط متوتر. بحيث قد يشكل « طوفان الأقصى » انبثاق صورة مغايرة للحرب بين الطرفين. صورة قد تنقلب فيها الأدوار، السلوكات والتصرفات والحركات .
ذلك أنه في أكثر من مسلسل إسرائيلي وبالأخص في مسلسلي « فوضى » و…تقدمت الشخصيات الفلسطينية في حلة « سفاكين للدماء » يصفون بلا تمييز وبكل همجية النساء والأطفال، عرضت هذه المسلسلات على منصة نيتفليكس أو منصات أخرى وهي لا تختلف عن الأفلام الطويلة التي أصبح « الإرهابي » إحدى مكوناتها الرئيسية. تبخيس صورة الفلسطيني والعربي عموما هو ما تسعى إلى تحقيقه السينما. لكن عملية « طوفان القدس » تأتي لقلب الموازين مع توفير إمكانية تعامل جذرية مع الوقائع والأحداث. تغيرت صورة « البطل » ومعها شخصية العربي. في المنظور الشعبي أو ما يسمى أيضا الشارع العربي، أصبح المقاوم الفلسطيني بطلا قاهرا للأعداء. وقد جاءت التوصيفات بعد العملية لتصب في خانة « السوبرمانية ».
على أي  حال أدركت حماس جيدا في زمن رهانات حرب الصور، المعلنة منها أو الضمنية،أن الصور اسلحة وتتمتع بقدرة ناجعة. وهذا ما يبرر خوف الإسرائيليين من االاستعمالات التي يمكن أن توظفها حماس لصور الرهائن.
 
Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".