“فاغنر” وبيلاروسيا .. خطأ الحسابات السياسية

“فاغنر” وبيلاروسيا .. خطأ الحسابات السياسية

د.خالد العزي

سجل المراقبون  لدولة بيلاروسيا انخفاضًا في عدد العسكريين الروس في الجمهورية، بعد أن اختتمت التدريبات الثنائية الشاملة في بيلاروسيا بتاريخ 26 ايلول ــ سمبتمبر الماضي، حيث أجرت القوات العسكرية  تدريبات قتالية مركزة وشاملة، بما في ذلك في  المناطق المتاخمة لبولندا. ومع ذلك، فإنّ مصدر الإزعاج الرئيسي الذي كان لأقرب الجيران وهي مجموعة فاغنر، التي لم تعد يثير وجودها القلق لديهم. وتقول منظمة الأمن البيلاروسية، إنّ بضع مئات فقط من أعضائها بقوا في بيلاروسيا.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ مراقبون مستقلون أن عدد الأفراد العسكريين الروس في الجمهورية انخفض بشكل ملحوظ بشكل عام. ومن الواضح بأنّ الانخفاض في عدد العقود المبرمة مع الوزارات الامنية المختلفة للانخراط في السلك العام وتعبئة فراغات الأجهزة الأمنية بشكل عام، والانخراط في القوات المسلحة بشكل خاص، يعود الى رفض الشباب  البيلاروسي  الانخراط في الحرب، وخاصة بظل استمرار الحرب الروسية ـــ الأوكرانية.

وكانت بيلاروسيا تعتبر نفسها جزءًا من هذه الحرب  إلى جانب روسيا، والشيء الآخر هو خروج الكثيرين من بيلاروسيا رفضًا للنظام الحالي .

لقد ارتُكِب خطأٌ في قصة فاغنر من جانب النظام، حيث كانت السلبيات أكثر من الإيجابيات. ومع ذلك، فمن الملاحظ أن خفض القوات الروسية جعل ادعاءات المعارضة بشأن احتلال بيلاروسيا غير كافية للاستخدام بشكل دائما.

وبالرغم من  أنّ التدريبات تعتبر  مناورات عسكرية للتأهيل، لكن هذا التمرين هو النتيجة المنطقية لتدريب هيئات القيادة والسيطرة على المستويين العملياتي والتكتيكي، وتنتشر  التدريبات  في مناطق بريست وغرودنا ومينسك 

والهدف من هذا التدريب كما تدّعي الدولة البيلاروسية بأنها تحمي الدولة من الجوار، وتحسين مستوى تدريب القوات  العسكرية، وعلى الجانب الآخر نرى بأنّ التدريبات التي قامت بها الدولة البيلاروسية قد أثارت قلق بولندا ودول البلطيق، لانّ مجموعة فاغنر تذوب حرفياً أمام أعين الجميع

على أراضي بيلاروسيا. وبحسب منظمة قوات الأمن السابقة التي تحولت إلى المعارضة، بأنه لم يتبق في معسكر الخيام بالقرب من أوسيبوفيتشي أكثر من مائة مقاتل من فاغنر. وينتشر 200-300 آخرين في جميع أنحاء الجمهورية.

يذكر أن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو ارتكب خطأً في الحسابات السياسية لقد انفجرت قصة الرعب. ولم يذّب مخيم الخيام بالقرب من أوسيبوفيتشي، مما يترك أقل من ألف من عسكري من  فاغنر من المضطريين للإقامة في بيلاروسيا، والذين من الواضح أنهم ليس لديهم وقت للرحلات الاستكشافية إلى وارسو او إلى سوفالكي او سوالكي، (الممر بين حدود بولندا ولتوانيا وبين بيلاروسيا ومقاطعة كالينغراد المعزولة الروسية).

ومن الواضح الآن تمامًا أن لوكاشينكو، بعد أن قام بإيواء عائلة بريغوجين، تلقى الكثير من الآثار السلبية. على الرغم من أنه اعتقد في البداية أنه قد فاز بالجائزة الكبرى .ولم يتسبب تحرك مجموعة فاغنر إلى الأراضي البيلاروسية في ردّ فعل حادّ من الدول المجاورة التي تخشى الاستفزازات المحتملة فحسب، بل تم استقبالهم أيضًا دون حماس في الدولة نفسها. وحتى المؤيدين المتحمسين للنظام لا يعبرون عن ثقة كبيرة بمجموعة فاغنر، ولا يعطونها تقييمًا إيجابيًا  

ويقول باحثون أنّ نشر هذا الهيكل في الدولة، في رأيهم، يدمر الإجماع المستقر الوحيد للمجتمع البيلاروسي ويدعون إلى عدم التورط في الصراع على أراضي أوكرانيا.

في المقابل صرح الناطق الاعلامي الرسمي للقوات الشرقية في أوكرانيا ايليا يفلش بأنّه بات يلاحظ بعض العسكريين من قوات  فاغنر في جبهة باخموت ضمن خطة روسية جديدة لاعادة التجميع بقيادة الجنرال (اندريه ترروشيف) الشايب الذي رفض تاييد  بريغوجين  في غزوة موسكو، وهذا الشأن تؤكده معلومات المخابرات الاوكرانية التي تشير بانّه بات لم ؟يعد يلاحظ فقط وجود مدربين وضباط ومقاتلين في المعارك فقط، بل تؤكد معلومات الاسرى الروس والاستخبارات الأوكرانية بوجود هذه المجموعات، ولكن ليس منفصلة بل ضمن الوحدات العسكرية التي ضُمّت إلى الجيش الروسي، وفقًا لعقد مع وزارة الدفاع الروسية، وهنا تدفقٌ لوحدات عادت للمشاركة في القتال أتية من بيلاروسية، لكنها ليست مستقلة كما كانت في السابق، لكن مستشار مكتب الرئيس الأوكراني مخائيل بودلاك أكدّ هذا الوجود. لكنه أفاد بأن فاغنر المعروفة بشراستها وإجرامها انتهت إلى الأبد وتم تحطيمها في أيار/مايو الماضي على تخوم باخموت .

وبالمناسبة يتم تنظيم التدريبات العسكرية الحالية، على عكس سابقاتها، دون مشاركة التشكيلات الروسية. وبشكل عام، يشير المراقبون إلى أنّ وجودهم في بيلاروسيا انخفض بشكل ملحوظ. ووفقًا لمراقبين مستقلين، فإنّ الوحدات التي تخدم المطارات وغيرها من المرافق العسكرية التقنية هي الموجودة حاليًا على أراضي البلاد.

اما فيما يتعلق بهذه البيانات، فإن الرواية حول احتلال روسيا لبيلاروسيا، والتي تم الترويج لها مؤخرًا من قبل ممثلي المعارضة، بما في ذلك على المنصات الدولية، تبدو أكثر من غريبة من المراقبين وعلى وجه الخصوص، قالت زعيمة المعارضة البيلاروسية في الخارج، سفيتلانا تيخانوفسكايا، في خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماض،  عندما هُزِم لوكاشينكو في انتخابات 2020 وفقد كل شرعيته، قرر الكرملين تشديد السيطرة على بيلاروسيا. تستخدم روسيا بيلاروسيا كدمية لها…وفي النهاية، فإن حقيقة أن الدولة لم تُفقد بعد هي إضافة مهمة لمصير التغيير.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني