القرار ١٧٠١ وترتيب الوضع العسكري لــ “ح ز ب اللــــــه”

القرار ١٧٠١ وترتيب الوضع العسكري لــ “ح ز ب اللــــــه”
أحمد مطر

زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الاخيرة الى لبنان بعد حرب غزة كانت مشابهة لسابقاتها ولم تحدث ما هو مطلوب على صعيد الازمة الرئاسية اللبنانية، وبدا ان  الهدف الفعلي للزيارة التذكير بالدور الفرنسي قبل فتح ملف القرار 1701 .  
وقبل الدخول الى التعقيدات اللبنانية، لا بد من قراءة آخر ما استجد على مشهد الحرب في غزة، خصوصاً وسط التحضيرات الجارية لترتيب تسوية كبيرة تطال الخريطة السياسية للشرق الاوسط مستقبلاً وهو ما سيصيب لبنان بطبيعة الحال.
فإسرائيل التي دخلت الحرب بجنون وحشي قل نظيره تاريخياً، تتنازعها النزاعات الداخلية العنيفة والمؤهلة لأن تتفاقم كثيراً، والتي تؤشر إلى تبدلات واسعة ستضرب جذور التركيبة السياسية القائمة. لأجل ذلك تحديداً تعلو أصوات المتطرفين داخل الحكومة إضافة الى رغبة نتنياهو بضرورة استمرار الحرب. 
فاستمرار الحرب بالنسبة إلى هؤلاء سيعني تأجيل فتح إجراءات المساءلة الحكومية حول تحمل مسؤولية حصول طوفان الأقصى. وبالنسبة الى نتنياهو سيعني أيضاً تأجيل جلسات محاكمته والمفتوحة منذ ثلاثة أعوام ونصف عام حول تهم الفساد.
وعلى الرغم من أن الحرب عادت ولم تنتهِ رسمياً، إلا أن الاتهامات لنتنياهو بدأت اعلامياً حول مسؤوليته الكبرى عن الكارثة التي حصلت، كونه بنى سياسته على أساس السماح بتعزيز وضع حركة حماس في مقابل إضعاف السلطة الفلسطينية لرهانه على تعميق الانقسام الفلسطيني، وبأنّ هذا التوازن سيؤدي الى إحباط قيام مشروع الدولتين، والذي كانت واشنطن تضغط في اتجاهه دائماً. ولهذا السبب كان نتنياهو يسمح بتمرير أموال قطرية الى قيادة حماس كانت تقدر بنحو 30 مليون دولار شهرياً. 
اخطأ من اعتقد أن الهدنة  كانت خطوة نحو إيقاف نهائي لإطلاق النار بناء على تفاهم محلي وإقليمي ودولي على خارطة طريق التسوية السياسية ، وهكذا كنا أمام هدنة سبقها وعد باستئناف إطلاق النار  أو مد لهدن اخرى أو يعقبها استئناف العمليات الحربية .
في جميع الأحوال فإن وتيرة ومنسوب وقوة النيران وحجم التدمير وخسائر الطرفين ستكون أعظم وأكبر في الجولات التالية .
وفي إشارة اضافية الى الزلزال السياسي الذي ينتظر اسرائيل، أعلن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أمان امام قريبين منه، نيته تقديم استقالته في أقرب وقت ممكن وحين تنتهي الحرب. 
لأجل ذلك فان مخاوف الحكومة الإسرائيلية دفعنها إلأى الاندفاع أكثر في اتجاه الحرب كخطوة يائسة للهروب من المقصلة السياسية التي تنتظرها. ولكن إلى متى.
وفي كل الحالات، لا بد من أن يكون نتنياهو يتحسس رقبته. فهو بات يقف في قلب المأزق، والأهم أنه لا يوجد من يرغب بإنقاذه، بدءاً من الادارة الامريكية.
فالنزاع الأميركي الداخلي كبير، وهنالك انتخابات رئاسية أميركية بعد أقل من سنة غير مضمونة، وقد تحمل مفاجآت صعبة، ما يوجب إنجاز صفقة سياسية قبل هذا الموعد.
كما أن هنالك من يشير الى العلاقة بين حركة حماس وطهران. فالإشارات المبطنة توالت حول ترك حماس بمفردها في الميدان ومن دون تطبيق مبدأ وحدة الساحات. 
وسط هذه الصورة الملبدة يجب مقاربة الملف اللبناني. ولأجل ذلك يعتقد كثيرون أن باب الفرج الرئاسي لم يحن بعد. فمع الشروع أكثر في المفاوضات بين واشنطن وطهران وتحقيق التقدم المطلوب، سيأتي دور جنوب لبنان وإعادة ترتيبه على أساس القرار1701. وهو ما يعني ضمناً ترتيب الوضع العسكري لحزب الله خصوصاً إذا ما تحقّقت التسوية الفلسطينية ،الاسرائيلية. 
البعض يقول إن حزب الله، والذي يدرك أن أوان التسوية في لبنان لم يحن بعد، لا يزال متمسكاً بترجمة نفوذه من خلال الإقرار بإمساكه بمساحة نفوذ واسعة جداً داخل السلطة اللبنانية. وأن يحصل ذلك بمعزل عن الصفقة العريضة في المنطقة، أي عبر صفقة جانبية منفصلة. لكن الأثمان الاقليمية هائلة وضخمة، والصحن اللبناني اصبح فقيراً وغير مغرٍ خصوصاً بعد حرب غزة. 
لكن الواضح من كل ما سبق أن الحركتين الفرنسية والقطرية هما لملء الوقت ولتحضير المسرح في انتظار تحقيق تفاهمات اقليمية تسمح بفتح ملفات جنوب لبنان ومعها الملف الرئاسي قبل الشروع في مرحلة الاستقرار الذي تاق اللبنانيون لها.
ختاماً باختصار علينا أن نستعد، باعتبار اننا أمام مفاوضات خلفية بين كل الأطراف برعاية أميركية ووساطة قطرية مصرية لا يستبعد استمزاج آراء طهران وأنقرة والاتحاد الأوروبي فيها، لكنها ستؤدي في أقصى حالاتها إلى تهدئة، لكن بدون أفق سياسي ولا تسوية نهائية .
علينا أيضاً أن ندرك أنه على الرغم من كل ما حدث من خسائر ومجازر ودماء ودمار وتكاليف عامة، فإن جنون اليمين الديني من الطرفين لم تبرد وتيرته حتى الآن، لأنّها حروب أصحاب العقل الديني .
الحرب الحقيقية لم تبدأ، لكنها آتية لا شك في ذلك .
Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني