فيليب سوليرز: ”أنا أهمُّ مريض في عيادة جوليا”
ترجمة: سعيد بوخليط
تقديم:
منذ خمسين سنة تقريبا، التأم مصير الطبيبة النفسانية والروائي.يرويان في كتابهما الصادر مؤخرا تحت عنوان: ”الزواج باعتباره أحد الفنون الجميلة” (منشورات فايار، 2015)، تاريخ حبِّهما وكذا تقاسم رؤيتهما للزواج.
لقد ألهمتنا قصيدة مالارميه، الإيحاء التالي: ”لن تلغي أبدا رَمْيَة نَرْدٍ الحظَّ”، بحيث كانت ضئيلة حظوظ التقاء سوليرز و جوليا. غير أنَّ التاريخ سيتورَّط بهذا الخصوص.
ولدت جوليا كريستيفا في بلغاريا، ثم غادرت بلدها نحو الجامعة الفرنسية، هروبا من أجواء القيادة الشيوعي خلال سنوات أواخر الستينات، كي تلتقي كاتبا شابَّا اسمه فيليب سوليرز. ارتبطا بعلاقة غرامية قبل وبعد ماي 1968، ثم تزوَّجا واستمر هذا الزواج لفترة تقارب الآن خمسين سنة. كيمياء غريبة.
يجلسان بشكل مريح حول طاولتهما التي تتوسط قاعة الأكل، داخل منزلهما المتواجد في الدائرة الباريسية السادسة، يتجادل كريستيفا وسوليرز مثل طفلين بخصوص من يتناول الأول الكلمة. تبرق عيناهما لمعانا حين السعي إلى تفسير رؤيتهما حول ماتضمنته صفحات كتابهما المشترك، المشار إليه أعلاه الذي تناولت فصوله حياتهما الزوجية.
”اصمتْ،فأنا أتكلَّمُ”، هكذا أبدت كريستيفا بلطف انزعاجها، حين يقاطعها باستمرار شريكها سوليرز الفصيح والمشاغب. ثنائي ”تطبعه سمة الشباب”. تقريبا مثل الآخرين.
مجلة غالا:”لم أتخيَّل نفسي قد تزوجتُ سوى مرة واحدة، ثم إلى الأبد”، يكتب فيليب سوليرز. ما الذي جعل زواجكما يستمر؟
فيليب سوليرز: في أغلب الأحيان، يعكس الزواج نزاعا يشكِّل أحد طرفيه ضحية. نتزوج بعد تقدير حسابي أو انسياقا خلف وهم من الأوهام، ثم يستهلك الزمان هذا الميثاق. حاليا، يتزوج الأفراد، ينفصلون، ثم يتزوجون ثانية، أو يصيبهم الركود. لقد نجحنا على مستوى مراعاة شخصيتنا المبدعة ونتبادل باستمرار التحفيز بيننا. أيضا، لعب معطى الاستقلالية المادية لكل واحد منا، دورا على مستوى تحقيق التوازن ويبدو لي مرتكزا حيويا.
جوليا كريستيفا: يصعب اختزال خمسين سنة تقاسمها اثنان، وكذا عدم رغبتنا في تقديم درس معين لأيِّ أحد.لكن جيلنا المنحدر من ماي 1968، حكمته رؤية مفادها إمكانية أن نحيا تجربة الحب بطريقة جديدة. بلغنا قناعة عدم ضرورة إدانة غير المخلصين، دون إحداث ضرر معين بالمرأة. استندنا تماما على تصور ينظِّم تفاصيل حياتنا الثنائية من خلال مبدأ قوامه مضيّ كل واحد منا ضمن مساره بطريقة مستقلة. يمتلك كل واحد فضاءه الخاص، مكتبه، ثم نلتقي مساء حول وجبة العشاء كي نتبادل أطراف الحديث، لكننا نتقاسم أفكارنا مرات عديدة طيلة اليوم، غالبا بواسطة رسائل هاتفية قصيرة، ولم يتوقف قط نقاشنا عبر صفحات مؤلفاتنا. حياتنا المشتركة ورش حيث بذلنا كل ما بوسعنا فعله قصد الإبقاء على توقَّد التواطؤ. بالتالي، يمثِّل كل يوم لقاء.
مجلة غالا: يصعب التغاضي عن اختزال التَّباين بين الرجال والنساء. كيف استطعتما تجاوز هذا العائق؟
فيليب سوليرز: الانصهار تمجيد للثنائي، يتسامى فوق كل عائق. لسنا اثنين بل أربعة. أنثى فيليب لن أكونها قط، وذَكَر جوليا لن يبلوره فيليب تماما. بل وأضحينا خمسة منذ ولادة ابننا دافيد.
جوليا كريستيفا: ينصبُّ كل الرهان في عدم ابتلاع الآخر بين طيات شبه انصهار، ينكشف أخيرا بأنه تحت سلطة نرجسية أحد الطرفين. أومن كثيرا بمبدأ الرعاية الذي نغدقه على الأخر. لاشيء يسكنه الجمود. أستحضر بهذا الخصوص ماكتبته غابرييل كوليت: ”ليس قط أن تولد ثانية أكبر من قواكَ”. يظن الأفراد غالبا،حين تطورهم بأنهم بصدد خيانة أنفسهم. والحال تكمن عمليات تمرُّس على تجاوز حدودهم الداخلية. ليست الهوية بشعيرة. إنها سفر، لانقترف إبَّانه خيانة، بل نحقِّق التجاوز أساسا. ”أسافر”، هكذا تقول إحدى بطلات رواياتي التي تمثِّلُني.
مجلة غالا: هل تعتبر الحياة سهلة رفقة مختصَّة في التحليل النفسي؟
فيليب سوليرز: أنا أهمّ مرضاها. وضع يكلفني غاليا جدا! حتما يستحسن تقاسم الحياة، صحبة شخص يمتلك قدرة حقيقية على الإصغاء. هكذا، أراكم يوميا تطورات.
مجلة غالا: ثم ماذا عن حياة يومية مشتركة بجانب أحد أشهر الكتَّاب الفرنسيين؟
جوليا كريستيفا: ليس سهلا دائما، بيد أنه وضع غير مضجر أبدا!
*مرجع الحوار :
Gala :22 juillet 2015