التصعيد في لبنان بانتظار التسوية الخارجية

التصعيد في لبنان بانتظار التسوية الخارجية

أحمد مطر

       في خضم التصعيد الذي تشهده المنطقة بشكل عام والجنوب اللبناني على وجه الخصوص، يبرز الانتظار اللبناني القاتل لتبلور تفاهمات خارجيّة تفضي إلى تسوية داخليّة يعكس مستوى الفظاظة السياسية التي تتعاطى بها بعض الأطراف المحلية مع استحقاق دستوري هام بمستوى انتخابات رئاسة الجمهورية كما أنه يعد بمثابة تكريس لأعراف كانت معتمدة سابقاً في المحطات السابقة ولكن من ضمن حدود معينة.  
   تتسارع التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة، تقابلها حالة من التخبط والضياع في الداخل اللبناني لتزيد الأوضاع تدهوراً، وتُضاعف الخلافات ومسافات التباعد بين الأطراف السياسية، التي مازال معظمها يتخندق في خنادق مواقفه المتصلبة، منتظراً من الآخر الخروج من خندقه حاملاً المنديل الأبيض، أو على الأقل معلناً عن موافقته على شروط خصمه، للخروج من دوامة الأزمات الراهنة.
   خيل لكثير من اللبنانيين، في لحظة تفاؤل، أننا تجاوزنا عقدة مصطلح الحوار، واعتماد اقتراح التشاور، كما ورد في مبادرة كتلة الاعتدال النيابية. ولكن سرعان ما تبين أن المسألة أكثر صعوبة، وليس من السهل تجاوز العقبات التي تحول دون أي حوار ممكن بين الأفرقاء السياسيين، نظراً لانعدام الثقة بينهم، سواء على المستوى الشخصي، أم بالنسبة لما يتم التوافق عليه في جلسات الحوار.  التجارب السابقة، وآخرها طاولة الحوار في القصر الجمهوري في عهد الرئيس ميشال سليمان، التي توصلت إلى اعلان بعبدا، سرعان ما انسحب حزب الله منه، رغم أنه أصبح وثيقة معتمدة في الأمم المتحدة، ومنظمات دولية وإقليمية أخرى.
   ولكن بين إصرار الثنائي الشيعي على أن يكون الحوار برئاسة الرئيس نبيه بري، ومعارضة القوات والكتائب وأطراف مسيحية أخرى، لمبدأ الحوار قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، لا بد من إيجاد نقطة وسط يلتقي فيها الطرفان، المعارضة والممانعة، لإخراج البلاد والعباد من مستنقعات التعطيل والشلل، التي تهدد ما تبقّى من مقومات الدولة، وللحد من تدحرج الانهيارات في مختلف المجالات.  
   سفراء الخماسية عملوا على إيجاد النقطة الوسط، وإنزال كل الفرقاء اللبنانيين عن الشجرة، وإعادتهم إلى أرض الواقع، ويتواصلوا فيما بينهم ويتشاوروا، بعيداً عن ملابسات وعقد الحوار، بحثاً عن مخرج مناسب هو في حقيقة الأمر تسوية مرحلية لانتخاب رئيس للجمهورية، وقيام حكومة منتجة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات، تمهيداً لفتح أبواب المساعدات العربية والدولية، بما فيها المؤسسات المالية العالمية.
   لم يعد خافياً أن لعبة الشروط والشروط المضادة قد عرقلت مساعي سفراء الخماسية، وظهرت القيادات المعنية، على اختلاف ألوانها الطائفية والحزبية، وكأنها في سباق محموم الاتهامات، ووضع العراقيل أمام جهود الخماسية.
   هكذا يبدو المشهد اللبناني من فوق بالغ التعقيد والغموض ومترابطاً بشكل كبير تهديدات إسرائيلية متزايدة بحرب وشيكة ضد لبنان، أوراق فرنسية وأميركية لترتيبات أمنية في جنوب لبنان غير متوافَق عليها حتى الآن، وأهم ما فيها أنها تشمل بند تثبيت نقاط النزاع الحدودي مع إسرائيل وخطّها الأحمر رفض الحزب التراجع بواقعه العسكري غير المرئي إلى شمال الليطاني، تفاقم أزمة النزوح السوري التي تهدد بالانفجار الكبير داخلياً، وعقم رئاسي لا تنفع معه إبر الخماسية ولا لقاءات باريس ولا العلاجات المحلّية كمبادرة تكتّل الاعتدال.
   في هذا السياق، تفيد المعلومات بأن ما رشح من معطيات لرئاستي الحكومة والنواب من حراك سفراء الخماسية أو ما سمعه ميقاتي مباشرة من الرئيس الفرنسي وحصيلة لقاء الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين والوسيط الفرنسي جان إيف لودريان في واشنطن، كل ذلك لا يشي بوجود مبادرة صلبة يبنى عليها رئاسياً، خصوصاً أن الوضع في الجنوب بات يفرض أولويته على جميع الملفّات.
   ختاماً أما آن الأوان للقوى اللبنانية الفاعلة والقابضة على ناصية القرار السياسي أن تقدم نموذجاً جديداً مغايراً للنماذج السابقة المشكو منها عبر التاريخ المعاصر لناحية ترجمة التفاهمات الخارجية على الساحة. ألم تكن تلك الاعتبارات عند وقوع الخلافات الإقليمية سبباً لتفجير الساحة الداخلية والاقتتال الداخلي بأبشع صوره.

Visited 68 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني