فلسطين.. بين الحرب والحياة
المعطي قبال
هكذا قررت إسرائيل مواصلة حرب إبادة وإفناء للشعب الفلسطيني. كتب الشيء الكثير عن هذه الكارثة العظمى التي دخلت اليوم طورا جديدا بإعداد إسرائيل الهجوم على رفح. تعبر هذه الكتابات في مجملها عن رغبة في وقف العدوان، وضع آلة مراقبة للحد من الطيش التكنولوجي لإسرائيل مدعومة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أسف البعض كون المحللين العرب والفلسطينيين لم يكونوا بمستوى الحدث بتقديمهم لتحليلات بديلة تتجاوز الطروحات المبتسرة للحرب.
بيد أن ثمة استثناء مميز يكمن في المقاربة والتحليل اللذين قدمهما إلياس صنبر. تنبع فرادة هذا التحليل من كون إلياس صنبر عاش وعايش من الداخل سلسلة الحروب التي تسببت فيها وقادتها إسرائيل على هواها. عاشت عائلته فترة النزوح والتشرد ثم الشتات بوصولها إلى لبنان وهو في 14 شهرا من عمره. فهو من مواليد 1947 بحيفا، وبوصوله إلى باريس درس الحقوق بجامعة باريس السابعة ثم بجامعة بريستون.
عام 1981، كان أحد المساهمين النشطين في تأسيس مجلة “دراسات فلسطينية”، التي تحولت بسرعة إلى مرجع أساسي للتحليل والإبداع من حول فلسطين، والتي ساهم فيها كل من جان جونيه، جيل دولوز وفيليكس غاتاري وغيرهم من المثقفين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. عام 2005 عين مندوبا لفلسطين لدى هيئة اليونسكو. إضافة إلى نشاطه الديبلوماسي والسياسي تفرغ صنبر لترجمة أشعار محمود درويش إلى الفرنسية، وجاءت الترجمة التي نقل على إثرها إلى اليوم 14 ديوانا شعريا، جاءت شاعرية وأنيقة في توجهاتها. هذا دون الحديث عن الأبحاث والدراسات التي وقعها بمعية شخصيات سياسية وفكرية من أمثال ستيفان هيسيل، جان ليك غودار، إيدوي بلينيل وآخرين. في مؤلفيه الصادرين مؤخرا عن دار غاليمار، «صور الفلسطيني»، «أهي الحرب الأخيرة؟ . فلسطين 7 أكتوبر 2023- 2 أبريل 2024، (منشورات تراكت-غاليمار)، إعادة قراءة وتقييم لمكانة وأوجه الفلسطيني على ضوء كماشة المحو التي تمارسها دولة إسرائيل. إن كان النص الأول غوص في أعماق الهويات الفلسطينية بصفتها هويات منفتحة على المستقبل ومتمايزة عن الهويات الأصلية، فإن النص الثاني موصول بحرب غزة التي تساءل صنبر عن ديموتها: هل هي مؤقتة أم دائمة. وجاء التساؤل في الصيغة التالية:
هل هي آخر حرب؟ «صور الفلسطيني» الحائز على جائزة الصداقة العربية-الفرنسية، والذي أهداه المؤلف للفيلسوف جيل دولوز، «تكريما لصداقته المتينة»، هو مقاربة أنثروبولوجية تاريخية للصراع العربي-الإسرائيلي. اعتمادا على فيلم منسي من إنجاز جوزيف لوزي ولوحة لفرانسيس بايكون، اكتشف صنبر براديغم الصورة. في عهد الامبراطورية العثمانية أحالت صورة الفلسطيني الأولى إلى أصحاب الأرض المقدسة. يعرفون بالبلد الذي تتعايش ضمنه القوميات والديانات والذي تتصاهر فيه أماكن العبادة لديانات التوحيد الثلاثة.
الصورة الثانية هي صورة عرب فلسطين في زمن الاحتلال البريطاني لما تم إنشاء «موطن صهيوني». وجد الفلسطينيون أنفسهم أسرى لدوامة مزدوجة: الاستعمار البريطاني والاستعمار اليهودي، وأصبحوا على الرغم من مقاومتهم وانتفاضتهم غرباء في أرضهم.
الصورة الثالثة هي صورة الفلسطيني الغائب، اللامرئي بعد أن طرد عام 1948، في الوقت الذي غيرت أو مسحت فيه إسرائيل الجديدة معالم وتوبوغرافية فلسطين، ليجد الفلسطينيون أنفسهم مكدسين في مخيمات وهم ينعشون باستمرار ذاكرة الأمكنة ويحلمون بالعودة إلى أراضيهم.
لذا يقول إلياس صنبر بأن السؤال الأساسي ليس هو «من أين أتينا؟» بل هو: « إلى أين نحن ذاهبون؟».
_________________________________________
* «صور الفلسطيني»، هوية الأصول، هوية المستقبل، دار غاليمار. 304 صفحة «أهي الحرب الأخيرة؟ . فلسطين 7 أكتوبر 2023- 2 أبريل 2024، منشورات تراكت-غاليمار.
Visited 60 times, 1 visit(s) today