هيا إلى العمل…
د. إليان سركيس
وجهت عدداً من الأسئلة إلى مجموعة من الأصدقاء اللبنانيين في بلدان الاغتراب، وفوجئت بأن الأكثرية الساحقة منهم كانت أجوبتهم تتشابه في تحديد المشكلات التي يعانوا منها، وفي نوعية الهموم التي يتقاسمها هؤلاء، سواء كانوا من المغتربين القدامى، أم المغتربين الحديثيين، الذين تهجروا قسرا من لبنان في السنوات الأخيرة، وهربا من المعاناة التي عاشوها بعد الانهيار المبرمج من قبل السلطة، وفشل الطبقة الحاكمة منذ حوالي خمسة عقود في معالجة الأزمات الاجتماعية والمالية والاقتصادية، الناتجة أصلا عن سياسات المصالح وتقاسم السلطات بين القوى السياسية الطائفية، التي تحكمت بالقرارات وجعلت من المؤسسات، التي من المفترض أن تعمل من أجل كل المواطنيين، في خدمة البعض على حساب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
لقد أجبر كثير من المواطنين على خوض التجربة الاغترابية، ولم تكن أمامهم خيارات للبقاء، فرحلوا بحثا عن راحة بال، بعيداً عن وطنهم وأهلهم، في ظل انعدام أي رؤية للمستقبل، أو توفر فرص للعمل، أو تأمين حد أدنى من المقومات لعيش بكرامة.
يُدرك المغتربون، أكثر من غيرهم، الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين اللبنانيين، وهم هاجروا، مع أنّهم يدركون أن في لبنان موارد طبيعية وبشرية وإمكانات فكرية هائلة، ويعرفون أنه أينما حلّ اللبناني كان متميزا وناجحا إلا في بلده الأم، حيث المعاناة كبيرة، والعذاب لا ينتهي، والقهر يتفاقم، والإفلاس واقع لا هروب منه.
لماذا؟ الجواب واضح، لأن هناك مجموعة من الفاسدين المجرمين النصابين بدون ضمير، يهيمنون على مفاصل الدولة ومواردها الطبيعية وغير الطبيعية، والأنكى من ذلك سرقوا أموال اللبنانيين وجنى عمرهم، مقيمين ومغتربين، فأموال المغتربين التي تدفقت على أهلهم في لبنان لنشلهم من الفقر ومساعدتهم على الاستمرار في الحياة، مع غياب الدولة عن القيام بأقل الواجبات الممكنة والضرورية تجاه شعبها، وتأمين عيشه الكريم، سرقوها أيضا بوقاحة، وهم ما يزالوا يمارسون مهنتهم في السرقة ويستمرون في النصب والاحتيال، حتى إفراغ كل ما يملكون في البنوك وفي الجيوب.
هؤلاء الفاسدون في السلطة، ينشغلون بعقد الصفقات وسرقة المال العام، والأرقام تشير إلى أن دين لبنان يقارب المئة مليار، وأكثر من 80% من العائلات ترزح تحت تحت خط الفقر، ناهيك عن انعدام الخدمات، وزيادات الرسوم وفواتير الكهرباء والمياه، وفرض الضرائب، دون خدمات ودون إصلاحات، إضافة إلى أن العدالة منعدمة والقضاء مسيس ومرتشٍ، كحال كل الأجهزة الحكومية والأمنية والقانونية والاجتماعية والصحية وغيرها، في ظل نظام الزبائنية وحكم المافيا.
لا يمكن أن يتم التغيير من دون انتخابات ديموقراطية وتمثيل جديد، وهذا يتطلب حسن اختيار الأشخاص المناسبين، الذين يستطيعون بناء الوطن. في الانتخابات الماضية للأسف تم انتخاب الطبقة نفسها مع بعض التغيير، ومن خلال الممارسة السياسية تبين أن “التغييريين” لم يستطيعوا مواجهة القوى السياسية التقليدية، وبذلك لم نفلح في تغيير السلطة، وكان من الصعب على المغتربين العودة إلى وطنهم من بلاد الغربة، والمطلوب اليوم، وليس غداً، أن يجري العمل على التحضير للانتخابات المقبلة، واختيار من نستطيع أن نأتمنه على مصير أهلنا وأقاربنا، وعلى مستقبل أولادنا، وأن نستعيد الأموال المنهوبة.
لا يجب أبدا إعادة انتخاب من هجرنا ليسلب منا حب الوطن الجريح، وكي لا يبقى لبنان وطناً يُصدِّرُ أبناءه كالمنتوجات الزراعية، علينا أن نكون أصحاب الكلمة، وأن نشارك في صنع القرار لبناء الدولة العادلة الحرة المستقلة. ومن أجل ذلك، المطلوب بدء العمل سوياً من اليوم، ليكون صوت المغتربين مؤثرا وبنّاءً، ولا بد من صنع خط واضح لثورة معارضة، تستطيع مواجهة أركان السلطة المتواطئة على المواطن، على حياته وصحته ولقمة عيشه… فهيا إلى العمل!