لماذا نبتهل إلى الله لكي لا تُقدِمَ السعودية على التطبيع؟

لماذا نبتهل إلى الله لكي لا تُقدِمَ السعودية على التطبيع؟

عبد السلام بنعيسي

       أحد المطالب الغريبة التي تعرضها علينا الولايات المتحدة الأمريكية لوقف العدوان الذي يشنُّه الكيان الصهيوني العنصري المجرم على الشعب الفلسطيني، منذ ما يقارب السبعة أشهر، في الضفة والقطاع، هو تطبيعُ المملكة العربية السعودية علاقاتها بإسرائيل.

    لكن، لماذا على السعودية التطبيع مع الدولة العبرية لكي توقف حربها على الأشقاء الفلسطينيين؟ هل استمرارُ الحرب على الشعب الفلسطيني صار مرتبطا بعدم تطبيع السعودية مع إسرائيل؟ أين القانون الدولي، وأين القيم الدينية، والأخلاقية، وأين حتى المنطق في مطلبٍ من هذا القبيل؟ ماذا ستجني الرياض، بصفتها الشخصية، بصفتها دولة مستقلة، لها حاجياتها الخاصة بها المرتبطة بوضعها الداخلي، قبل أي عاملٍ خارجي، من تطبيع ينزل عليها من الفوق؟ أين مصلحتها في ذلك؟

    يُفترض في التطبيع السعودي مع إسرائيل أن يكون قرارا صادرا عن القيادة السعودية ونابعا من دواخلها، بمحض إرادتها الحرة، وأن يتمَّ بناء على قناعات سعودية خالصة، وبناء على قراءة سياسية عند صانع القرار السياسي السعودي، قراءةٌ يستخلص، من خلالها، أن التطبيع بات ضرورة تقتضيها الحاجيات السعودية المتماشية مع متطلبات ورغبات الشعب السعودي. التطبيعُ قرارٌ كبير وخطير، ويفترض أن تمليه المصلحة السعودية الصرفة، بعيدا عن أي عوامل ذات طبيعة إكراهية.

    قبل اتخاذها، تخضع كل القرارات السياسية لدراسات متعددة ومستفيضة، وتكون عرضة لفحوصات شتى، من جميع جوانبها، حتى يتم التأكد من مردودها الإيجابي، ومن ألا يترتب عن اتخاذها تبعات سلبية مضمرة، وغير متوقعة. في حالة التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني، بصرف النظر عن الوقع الكارثي الذي قد يُلحقه هذا القرار بالشعب الفلسطيني، وهو يتعرض لحرب إبادة جماعية من طرف إسرائيل، وبتجاوزٍ للضربة الكبيرة والقاسمة لصورة السعودية في نظر العرب والمسلمين، إن قررت التطبيع بعد كل هذا الذي جرى للفلسطينيين في غزة، من قتل، وتدمير، وتجويع، وتهجير، فإن التطبيع سيخرج في هذا السياق، عن الإطار السعودي السيادي، وسيصبح قرارا مضرا بالدولة السعودية، وبمصالحها على المدى المتوسط والبعيد. 

    الذي يُملي قرارَ التطبيع ويفرضه على غيره، ألا يجيز لنفسه إملاء قرارات أخرى، على الجهة التي تقبل الإملاء، قراراتٌ تكون شبيهة بالتطبيع، أو ربما أخطر منه؟ إذا قبلت الرياض التطبيع مع الكيان الصهيوني في ظل هذه الشروط، وأخذ التطبيع، المفروض إسرائيليا على الرياض، صفة السابقة، ألن يشكّل أرضية وقاعدة لقرارات أخرى أعلى وأقوى، ستطمع تل أبيب وتعمل من أجل جبايتها من الرياض في القادم من الأيام؟ ألن يأخذ، مع مرور الأيام، التصرف الإسرائيلي مع السعوديين طابع الابتزاز؟ ألن يؤدي ذلك إلى انصياع السعودية كليا للإرادة الصهيونية، وتصبح تحت رحمة الإسرائيليين، وتفقد سيادتها ويضيع حقُّها، في اتخاذ كافة القرارات اللاحقة التي تناسبها؟

    ليست السعودية هي البحرين، أو الإمارات، أو السودان، أو حتى المغرب، المملكة العربية السعودية دولة محورية في عالمنا العربي والإسلامي، ومهما كان الخلاف الذي لدينا معها حول سياستها الخارجية، فإنها أضحت في السنوات الأخيرة الجدار الأخير الذي تسعى أمريكا لتهشيمه وردمه، بما يفضي إلى تجريف التطبيع للمنطقة برمتها.

    إذا انخرطت السعودية في التطبيع، حاليا، فإنها بذلك قد تُشكِّلُ قاطرة لانطلاق تسونامي التطبيع في معظم الدول الإسلامية، وسيكون الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من قرارها هذا، وقد يؤدي ذلك إلى تصفية القضية الفلسطينية وقبرها، وستكون الرياض هي من تطلق رصاصة الرحمة على نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته، وستدفنها تحت التراب.

    من هنا نفهم سرَّ هذه الضغوط الكثيفة والغزيرة التي تتعرض لها الرياض لجرّها إلى إسطبل التطبيع، وربطها في ركنٍ من أركانه، كما حدث للدول العربية الأخرى التي بادرت إلى التطبيع، فإذا بها تجد نفسها، وقد أضحت رهينةً له، وغير قادرة على الفكاك من الخيوط المفتولة على رقابها، نتيجة لهذا التطبيع…

    السعودية حباها الله بخيرٍ كثير، ولها مكانة خاصة في قلوب العرب والمسلمين، وهي قبلتهم التي يتوجهون صوبها خمس مرات في اليوم حين يؤدون صلواتهم، وهي التي يقصدونها لأداء فريضة الحج والعمرة، والسعودية ليست محتاجة لإسرائيل، إنها في غنى تام عنها، والمستفيد الأول والأخير من التطبيع معها، هو الكيان الصهيوني العنصري المجرم أساسا..

    فلماذا تعطي الرياض للكيان المحتل هذه الورقة التي يسيل لعابُه لها؟ لماذا تهديها له مجانا، في وقت قتل وجرح حوالي 100 ألف من أشقائنا الفلسطينيين، ودمّر قطاع غزة عن بكرة أبيه، وها هو ممعنٌ في عدوانه عليه، ومصرٌّ على اجتياح مدينة فرح، للإجهاز على المليون ونصف المليون فلسطيني وفلسطينية المكدسين هناك، وتهجيرهم، صوب المنافي في نكبة أخرى تنضاف للنكبات المتلاحقة التي تعرض لها هذا الشعب المظلوم؟

    هل يعقل إقامة علاقات طبيعية مع دولة احتلال وعنصرية وإجرام؟ العرب والمسلمون عموما، والسعوديون على وجه الخصوص مطالبون بدعم صمود الشعب الفلسطيني، وبتقديم المساندة العسكرية، والمالية، والسياسية، والإعلامية للمقاومة الفلسطينية التي أنهكت هذا العدو، وأفشلت مخططاته ومؤامراته في هذا العدوان المشنِّ على الفلسطينيين كل هذه المدة الطويلة. المتوقع من العرب والمسلمين هو تبني مطالب المقاومة المتمثلة، في الوقف الفوري للعدوان، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، وإعادة إعمارها، والتعهد بعدم العودة إليها أو تدميرها مرة أخرى، وتبادل الأسرى طبقا للشروط التي تضعها المقاومة وتؤكد عليها، ووضع اللبنات الأولى والأساسية لقيام الدولة الفلسطينية…

    لا يعقل أن يبادر العرب والمسلمون إلى مدِّ طوق النجاة للكيان الصهيوني، لانتشاله من أوحاله في الضفة والقطاع. إذا صعُب علينا مساندة المقاومة في فلسطين، ولبنان، والعراق، واليمن، في هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها أمتنا العربية الإسلامية، فلا يجوز لنا، على الأقل، طعن المقاومة في الظهر.

    الخطير في الأمر، هو أن التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني لن يكون تخليا مجانيا فحسب، عن فلسطين التي قدمنا من أجل الحفاظ على شعلتها متقدة تضحيات جسام، التطبيع كما تريده إسرائيل، مفروضا من جانبها على السعودية، سيعني تخلي الرياض عن سيادتها، والتفريط فيها لفائدة الأمريكًيين والإسرائيليين.  

    ومن بعد السعودية سيكون التطبيع معها، مقدمة لكي يحصل الإسرائيليون على ذات التطبيع مع معظم العواصم العربية والإسلامية، وسيحصل ذلك في وقت تصلَّب فيه عود المقاومة وتمكنت من هزم إسرائيل شرَّ هزيمة، حتى أنها باتت تشعر أن وجودها أضحى في خطر، وسيتمُّ هدر فرصة تاريخية كان بالإمكان الاستفادة من النصر الذي تحقق فيها عقب عملية طوفان الأقصى المظفرة، وبما يعزز موقع الأمة العربية والإسلامية بين الأمم، ويرفع من شأنها.

    في الحقيقة، لا نملك إلا أن نبتهل إلى الله تبارك وتعالى لكيلا تقبل القيادة السعودية التطبيع الملغوم المعروض عليها من طرف أمريكا، وأن يسجل التاريخ عليها في صفحاته، مثل هذا الموقف، المتخاذل والخطير.

Visited 159 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي