الكنغر الأسترالي واللبؤة المغربية.. و”البابارتزي” الفرنسي!
عبد الرحيم التوراني
أحدثت صورة التقطها مُصوّر قناص (بابارتزي)، لرجل يقبل امرأة، قبلةً حميميةً تحت ضوء خافت في شارع خلفي مهمل بالعاصمة الفرنسية باريس، ضجة كبرى في المغرب، بعدما تم تداول ما جاء في صحيفة أسترالية نشرت الصورة، زاعمة أن الرجل الظاهر في اللقطة المسروقة هو الملياردير الأسترالي أندرو فوريست، وأما المرأة التي أعطتنا ظهرها دون ملامح وجهها، فهي الوزيرة المغربية السيدة ليلى بنعلي.
كان صدى الضجيج وأثر الصخب واضحاً في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً وقد التزمت الوزيرة الصمت إثر عودتها من فرنسا، لما حاصرتها الصحافة في ممر البرلمان. وتطلب الأمر أكثر من 24 ساعة ليصدر بيان نفي عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة (التي تشغلها الوزيرة) في المغرب، في حين لم تحرك الحكومة المغربية ساكنا، كما لم يتدخل “حزب الأصالة والمعاصرة”، الذي التحقت به الوزيرة ساعة تعيينها في حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش (منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022). بل تركت المرأة وحيدة تُدبّر أمرها في ما يكون قد ابتليت به.
وما أن تم تعميم “بيان النفي”، حتى ظهرت أصوات تدافع عن ليلى بنعلي لتقف بجانبها، (ظالمة أو مظلومة)، إذ رأى البعض أنها “إنسانة”، و”من حقها أن تحيا حياتها الشخصية، وليس هناك أي تضارب للمصالح، كما زعمت الصحيفة الأسترالية ومن يساندونها في هذا الرأي”. ثم احتشدت جهات صحفية حول “بيان نفي” الوزيرة، وكان الأمر سهلاً لتلك الجهات والمنابر، خصوصاً وقد اشتمل “بيان بنعلي” على ما تتطلبه عناصر الدراما اللازمة: (المرأة، الأم المغربية، المصالح العليا للوطن، الالتزام التام بالأخلاق، كرم المغاربة، وحسن السلوك إلخ..).وببساطة، طغت صرخة الاستجداء بصيغة أوضح بغاية ضمان أكبر ما يمكن من التعاطف، على الإتيان بدليل أو بحجة وبرهان.
لكن بلاغ النفي المتأخر، لمّا صدر، وصل مصاغاً بلغة ركيكة، إلى حد نُعت بالبلاغ “الكارثي تواصلياً ولغوياً وسياسياً”. كما أن البلاغ تحدث باسم مؤسسة حكومية لا باسم السيدة المعنية.. ويبدو للوهلة الأولى أن إقناع الرأي المغربي كان آخر هموم مدبجي البلاغ، وكأن مستشاري الوزيرة هم من أفتوا عليها على الأقل رفع العتب والتخلي عن صمتها واضطرابها أمام سؤال صحفي سألها هل هي من تعطي ظهرها في الصورة؟ في الوقت الذي لم يتسرب فيه أي شيء مؤكد عن توكيل الوزيرة لمكتب محاماة من أجل مقاضاة الصحيفة الأسترالية، التي سوّلت لها نفسها الإساءة لسيدة مغربية مسؤولة.
***
بعيداً عن الخوض في تفاصيل جحيم “القبلة الأسترالية-المغربية”، وهل حقاً من تظهر في اللقطة ليست هي الوزيرة المغربية، بل هي امرأة أخرى، وجدنا أنفسنا أمام مشهد إعلامي معطوب، يتبدل فيه دور الصحفي، الذي نعتقد أنه دور يبتعد عن مهمة تفسير أو تبرير ما يمكن أن يقع فيه المسؤول من أخطاء أو مشاكل شخصية، حتى لو كان الصحفي موظفاً ملحقاً إعلامياً بديوان المسؤول، حيث ستكون مهمته غير يسيرة بتاتاً، لما يهم بالاستجابة للأوامر بصبغ المغالطات وتقديمها بشكل نظيف وبلون مثالي أبيض.
أكيد أنه سيفشل وستنفضح سلعته، عاجلاً أم آجلاً، مهما كانت قدراته المكتسبة في “ثقافة الكذب”، وفي تلويث الحقيقة وإعادة تأسيسها على الافتراء والتلاعب بالوقائع وتحريفها.
ففي بلد كالمغرب، لا أحد بوسعه الفلاح في دفاعه عن الأداء الحكومي، خصوصاً الحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش “امبراطور النفط والمحروقات”، وهو من يُمثّل خير تمثيل التواطؤ بين عالم الأعمال والطبقة الحاكمة، إذ هو من يتحكم ويسيطر على سوق المحروقات في البلاد بشركته العملاقة “افريقيا غاز”. لذلك ليس مستغرباً أن يكون الفساد والاضطراب من السمات الساطعة لأدائه. وبالتالي، لا يمكن لهذه الحكومة أن تقوم بمهمتها المفترضة كما يتوقعها منها المجتمع المغربي.
لكن من اللافت للنظر ادعاء الكثيرين من أهل الصحافة في المغرب، (يضاف إليهم جحافل عشوائية من رواد المواقع الاجتماعية) امتلاك الحقيقة، بينما تؤكد المنطلقات البديهية، أن قدرة الصحافة على عكس الواقع وتقديم الحقائق الحقيقية، مبنية على افتراض أساسي يقوم عليه النقد الصحافي أولاً. عملياً، إننا إزاء حلقة مفرغة من التلاعب المتبادل ما بين الحكومة ووسائلها الإعلامية، التي أصبحت غير قادرة على إخبار عامة الناس بالحقائق، بلجوئها إلى خدمات إعلامية وتسويقية لمن يقومون بأداء دور تعزيز الأوهام العامة والامتيازات الخاصة، وكتم الحقائق، بل وخنقها وإلقائها من النافذة، متوهمين أنهم صاروا نقاداً ومحللين سياسيين، لكن لا أحد يُصدّق كلماتهم الفارغة الجوفاء ومغالطاتهم!
إعلامٌ مثل هذا، لا يمكن لأي مجتمع أن يُعوّل عليه في المراقبة وحماية المال العام، أو في فتح نقاش جاد ومسؤول حول مصالح البلاد العليا. تأسيساً على أن المثل العليا للصحافة هي محاسبة السلطة، وقول الحقيقة للسلطة، حتى تستحق الصحافة عن جدارة صفتها كسلطة رابعة.
لقد نجحت الأجهزة في تحويل عدد كبير من المواقع الإلكترونية والجرائد، حزبية منها أو مدعية للمهنية والاستقلالية، إلى “وكالات علاقات عامة”، مهمتها الأساسية القيام بتضليل الرأي العام، وتعزيز هيبة وسلطة المسؤولين، وتضخيم ذوات بعضهم، والاجتهاد في إخراج الأحداث من سياقاتها الموضوعية والعقلانية، وتحويلها إلى أحداث مثيرة وليست مفيدة، وكأننا أمام سلسلة من الأعمال الدرامية، يتابعها المواطنون باندهاش، مثل من يشاهد برنامجاً بارعاً من برامج تلفزيون الواقع.
لذلك يتعامل الجمهور مع الإعلام الرسمي والإعلام الماشي في ركابه، باعتباره دعاية تسويقية، وليس أكثر من مجرد ماركيتينغ. وهذا هو الفشل الحقيقي للصحافة. وعندما تتفق كتابات وآراء الصحفيين مع مغالطات المسؤولين عليك انتظار المهزلة، المهزلة الناتجة عن آلة صدئة من التزييف والتضليل وممارسة الخداع والتلاعب والاستغلال.. مهزلة هي نتاج خالص لعملية مقايضة خلف الأبواب، بين السلطة والإعلام. لذلك كان طبيعياً، سيادة الشعار المتفق عليه لدى الرأي العام، هو أن “الأخبار غير ما تقوله الحكومة”.
وباختصار موجز، بيان السيدة بنعلي، بالنسبة لكثيرين، بيان غير مقنع، وغير دقيق، إن لم نذهب مع من وصفوه إلى القول بأنه في حد ذاته “كذبة ساخرة”.
***
في بلاد أخرى، غالبًاً ما تؤدي التسريبات أو التلميحات السلبية حول مسؤول حكومي إلى فقدان نفوذه أو استقالته أو إقالته. وصادفت “القبلة الأسترالية” قرب تعديل حكومي، وطرحت الشائعات عدة أسماء وزراء للمغادرة، كان اسم ليلى بنعلي بينها، وعلى الأرجح أن يشملها التعديل المحتمل.
***
على هامش “قضية القبلة”، ما يحدث الآن بين المغرب والجزائر أمر خطير قد يُورّط المنطقة في حرب إقليمية قادمة، لا قدّر الله.. وعلامات هذه الحرب تلوح في الأفق الغائم، ومنها الانكباب على إعادة صياغة التاريخ وتوليد حقائق لاتاريخية، والعمل على تعزيزها في الذاكرات وفي الأذهان لدى الأجيال الحالية. فكيف يقال اليوم إن الجزائر بلا تاريخ، وأن الجزائرين أبناء زنا “كراغلة”، وأنها ليست دولة، بل هي مجرد بلد تحكمه طغمة عسكرية دكتاتورية، وما إلى ذلك، وفي الجانب الآخر، في الجزائر، هناك مزاعم وادعاءات مماثلة أو أشد قسوة! لحسن الحظ هناك كرة القدم، حيث فرح الجزائريون بصدق لانتصارات “أسود الأطلس”، منتخب المغرب، في مونديال قطر، وغمرت الفرحة أيضاً المغاربة قبلها بفوز منتخب الجزائر بكأس إفريقيا للأمم. وبالدوري المغربي لاعبون جزائريون متألقون، لعل أشهرهم لاعب نادي الرجاء البيضاوي، الجزائري يسري بوزوق هدّاف الدوري، والجماهير في الدار البيضاء تهتف دائماً باسمه وتبتهج لمراوغاته. هذا الواقع الخطر والتحديات الماثلة أمام البلدين، تجعل الصحفيين في كل من المغرب والجزائر أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية ومجتمعية، بحيث صار لزاماً علينا التنبه لكل ما يُمكن أن يكون سبباً للفرقة بين البلدين والشعبين الجارين.
***
إن ما حصل في قضية ليلى بنعلي والمسثمر الأسترالي كحدث درامي، قد تكون أهميته الحقيقية ضئيلة، ولن يؤثر في معضلة “تضارب المصالح” وتغيير الأمور كما يتوقع المتفائلون.
إلا أن موقع “ويكيبيديا” في صفحة تعريفه بالوزيرة ليلى بنعلي نشر لها صورة ببذلة يظهر عليها “بنس” كنغر أسترالي. وأما الكنغر فحيوان نطّاط، يُعاني منه الأستراليون بعدما زاد عدد قطعانه بأكثر من مجموع عدد سكان أستراليا، في الوقت الذي لم يعد فيه من أسود ولبوءات في الأطلس بجبال المغرب، غير لاعبي ولاعبات منتخب الكرة، ذكوراً وإناثاً.
***
لم تشر صحيفة The australian إلى نفي ليلى بنعلي، وأخبرت يوم الأربعاء 29 ماي/أيار 2024، بوصول أندرو فوريست، الرئيس المدير العام لمجموعة “فورتيسكيو” إلى العاصمة الرباط على متن طائرته الخاصة. مضيفة أن فوريست اعترف بعلاقة غرامية تربطه بسيدة مغربية. يذكر أن “فوريستكيو” وقّعت في أبريل/نيسان الماضي، على اتفاقية شراكة مع المجمع الشريف للفوسفات من أجل توفير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والأسمدة الخضراء بالمغرب وأوروبا والأسواق الدولية. وشملت الشراكة أيضاً، التطوير المحتمل لتجهيزات التصنيع، ومركزاً للبحث والتطوير للنهوض بصناعة الطاقة المتجددة، التي تعرف نمواً سريعاً في المغرب. (بالاشتراك مع موقع “180 بوست)