باب التطاول والتناسي في الإعلام الثقافي
المصطفى اجْماهْري
منذ مرور الحلقة الاستثنائية والتاريخية من برنامج “مباشرة معكم” سنة 2013، التي تواجه فيها الخبير والمفكر عبد الله العروي مع رجل الإشهار نور الدين عيوش، تابعتُ بشأنها عددا كبيرا من ردود الفعل والتعليقات، ما زالت تثار بين الفينة والأخرى حتى اليوم. والملاحظ أن غالبية تلك التدخلات انصبت على فكرة جوهرية مفادها تطاول غير المختص على مجال المختص.
ويمكن أن نلاحظ بسهولة وبكل حسن نية، بأن غير المختصين في كل مجال كثيرا ما تصدروا المشهد ومازالوا سواء اليوم أو قبله. والأمر لا يتعلق بمجال الإعلام بل كذلك بالاقتصاد والإدارة والرياضة والثقافة والسياسة ومجالات أخرى. فما دام الباب مفتوحا على مصراعيه وحرية التعبير مضمونة، فما على من يريد اقتحام الأسواق التي لا يفهم فيها إلا أن يفعل. وإذا خلا لك الجو فبيضي واصفري.
لكن قد يحق القول إن ظاهرة إهمال المختصين موجودة بكثرة في الميدان الثقافي، وزادت استفحالا في السنين الأخيرة. فكلما نُشر خبر عن ندوة أو مائدة مستديرة في موضوع معين إلا وأتمحص في أسماء المشاركين فلا أجد، غالبا، من بينهم الأسماء المعروفة في مجالها أو المعترف بمجهودها. بل أستطيع أن أميز من بينها من جاء لأجل الثقافة ومن جاء لغرض التصوير والعلاقات العامة. كما أصبح بعضهم مدعوا دائما للبرامج الثقافية من أي نوع، وكلنا يعرف تلك الكائنات التي احترفت التطاول على جميع المجالات حتى أصبح لوجودها في تلك البرامج والمناسبات مفعول سلبي.
ومنذ بضع سنوات، قرأت استنكارا صادرا عن الأستاذ إبراهيم كريدية، مؤرخ مدينة آسفي، الذي تناست إحدى الجهات المنظمة لندوة حول تراث أسفي، إدراج اسمه فيها. ولم يسمع الكاتب بالخبر إلا من مشاركة أجنبية اتصلت به واستفسرته بحسن نية عن سبب عدم مشاركته. وفي إحدى الدورات السابقة لمعرض الكتاب بالدار البيضاء، نظمت وزارة الثقافة ندوة في محور “مؤرخو المدن”، لم تكن لغالبية المشاركين فيها علاقة مباشرة بالموضوع.
وغير بعيد في الزمن استمعتُ لمحاضرة لأستاذة في محور الإعلام الثقافي في المغرب ذكرتْ فيها بعض الأسماء الحالية وتناستْ مطلقا ذكر أسماء سبقتها في التجربة والممارسة أمثال زكية داوود، وعبد الجبار السحيمي، ومحمد جبريل، ومحمد نجيب الرفايف، وعبد الله الستوكي، وخالد الجامعي، وعبد الرحيم التوراني، وعبد الله بنسماعين. وهي أسماء معروفة في مجال الإعلام الثقافي في المغرب.
وإلى وقت قريب، استمعتُ لمن يتحدث عن الإعلام الثقافي دون أن يكون درس الإعلام أو مارسه طويلا في قاعات التحرير، وإلا هل يمكن للطبيب أن يتخصص في مجال معين إن لم يدرس أولا الطب العام. ولكن مطب الصحافة جاء من كونها بابا سخيا مفتوحا على مصراعيه. فهي من مكتسبات اللبرالية والديمقراطية. ومن أراد أن يجرب حظه فيها فعل. لكن، هل يعرف هؤلاء مبادئ الإعلام أولا، وما هو الإعلام الثقافي ثانيا، وما هو تاريخه في المغرب، وما هي شروط ممارسته، وما هي قواعد الكتابة في الصحافة الثقافية ؟ كيف لمن لم يبدع في حرفته الأصلية أن يبدع في حرفة تطاول عليها.
هذه الممارسات لم تعد اليوم خافية على أحد. وبطبيعة الحال فهي ممارسات تعبر عن شعور نفسي وموقف إيديولوجي عند البعض إزاء البعض الآخر. إذ في تصور بعض المشرفين على برنامج ثقافي أو فكري أو على مجلة أو جريدة، أن دعوتهم لاسم معروف في مجاله أو معترف به في جهته سيسرق منهم الأضواء، ولربما يتضاعف حضور الضيف المقصي على حسابهم، كما يظنون… يقع هذا الحيف خاصة على المثقف المعتز بمكانته الاعتبارية والذي لم يألف التملق والاسترزاق.
يقول ويلبر شرام في كتابه المعروف (وسائل الإعلام والتنمية القومية) إن وسائل الإعلام تستطيع أن تهب الاعتبار للفرد عن طريق الإشارة إليه وتمييزه. لكنها أيضا، أي وسائل الإعلام، تستطيع عكس ذلك حينما تُلمع من لا يستحق. وهذا ما يحدث غالبا للأسف.