طالع السعود الأطلسي ومعنى الكتابة

طالع السعود الأطلسي ومعنى الكتابة

المصطفى اجْماهْري

       طالع السعود الأطلسي من الأسماء التي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن الصحافة المغربية المكتوبة في السبعينيات والثمانينيات والتي ارتبطت ارتباطا خاصا بالظرفية التاريخية لتلك الفترة.  فهو إلى جانب أسماء أخرى زاوج بين الكتابة الصحفية والأدبية في نفس الآن، وهذا بشكل عام ما كان يميز المرحلة المذكورة على عكس ما تعرفه الوضعية الإعلامية الآن من انحسار على مستوى الكتابة حيث لربما هبط مستواها أمام هيمنة الوسائل الرقمية في توظيفها القوي للصوت والصورة.

ورغم أن كليْنا من خريجي المعهد العالي للصحافة بالرباط إلا أن تعرفي عليه تم خلال مؤتمرات اتحاد كتاب المغرب بالدار البيضاء والرباط. ذلك أن انتماءنا للمعهد المذكور حصل في زمنين مختلفين، وبالتالي لم نلتق على مقاعد الدراسة. فقد كان من بين حسنات اتحاد كتاب المغرب كونه وفر أجمل الظروف للتواصل بين الأدباء والكتاب بشكل دوري.. وبهذه الطريقة، وفي نفس الظروف، تعرفت أيضا على أسماء أخرى مرموقة في المشهد الثقافي المغربي لم تكن لي فرصة سابقة للتعرف عليها مثل الفيلسوف محمد عزيز الحبابي، والشاعر محمد بنعمارة، والشاعر محمد علي الرباوي، والكاتب عبد الغني أبو العزم، والقاص البشير جمكار وأسماء أخرى كثيرة تفيض بالنماء والعطاء. إلا أن العصا التي وضعها بعضهم في عجلة اتحاد كتاب المغرب، أوقفت هذه الحركية، وبالتالي حرمتنا من هذه اللقاءات الجميلة فأصبحنا غالبا ما نلتقي بمحض الصدفة، كما حدث لي مؤخرا بالجديدة مع الأخ طالع السعود الأطلسي وأنا ألتقيه قرب مكتب البريد.

والأخ طالع السعود الأطلسي خبر الصحافة المكتوبة منذ السبعينيات حيث كتب في العلم وأنوال والاختيار ، تحت إدارة مالكة العاصمي، وجرائد أخرى كانت تلتقي فيها أسماء الكثير من جيلنا. كتب القصة القصيرة، والقصيدة، والنقد الفني، ثم المقالة السياسية. كان ذلك زمن ازدهار الصحافة المكتوبة ومعها ازدهار القراءة والتي كانت زمنها مدخلا للتوعية السياسية والالتزام الفكري. وكان ميله للكتابة والصحافة قد جاء، في البداية، بتشجيع من أحد أفراد عائلته، وهو محمد الحبيب الفرقاني، الصحفي والمناضل المعروف. هذا الأخير كان يجلب معه العلم والمحرر إلى بيت العائلة مما يتيح لزميلنا الاستئناس بالجريدة.

وفي بداية التسعينيات حدثني عنه صديقنا المشترك، الروائي والصحفي محمد الهجابي، الذي كان زميلي إبان الدراسة في المعهد العالي للصحافة. هذا الأخير قال لي إن طالع السعود الأطلسي كان جزءا من ذاكرته سواء كممثلين معا لفصيل 23 مارس في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو في اللجنة المركزية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي. بل إن محمد الهجابي أشار في روايته “بيضة العقر” الصادرة سنة 2015 إلى شخصية تشبه رفيقه الأطلسي خاصة عندما أتى على فترة التحضير لإصدار جريدة أنوال التي كانا يلتقيان بمقرها.  وفيما بعد أصبح الأطلسي رئيسا لتحريرها.

انتمى طالع السعود الأطلسي إلى المعهد العالي للصحافة بالرباط سنة 1975 بعد حصوله على الباكلوريا، وكان قبل ذلك بسنة قد عانى من تجربة الاعتقال التي دامت ستة أشهر، في سياق حملة اعتقالات مست مناضلي وقيادات اليسار الجديد بالمغرب عموما منذ سنة 1972 باعتبار انتسابه إلى حركة 23 مارس بمراكش. وفي سنة 1979 التحق بجريدة أنوال التي بدأت أسبوعية قبل أن تتحول إلى يومية. وكان رئيس تحرير أنوال قبل الأزمة التي عرفتها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي منذ مستهل التسعينيات إلى غاية 1996 حيث انظم إلى جريدة “أنوال الجديدة”.

وقد عرف الأطلسي أيضا بعمود ثقافي ثابت باسم المهدي الأنوالي إلى جانب إنجازه لتغطيات صحافية بخصوص القضايا الاجتماعية والحقوقية ثم تغطياته لقضايا عربية من عين المكان بسوريا ولبنان وليبيا.. وكان منسق المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال بالرباط سنة 1993. كما شغل منصب مدير تتبع البرامج المتلفزة بالهيأة العليا للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري.

وإذا كان الملاحظ أن الأخ الأطلسي كتب المقالة السياسية بنفحة أدبية، كما يعترف هو نفسه، فلأن ذلك لم يكن مستغربا وقتها ما دامت غالبية من تصدوا للعمل الصحافي إنما جاءوا من خلفية ثقافية وأدبية (عبد الجبار السحيمي، إدريس الخوري، محمد نجيب الرفايف، عبد الله بنسماعين،… ). بل إن هذا العامل هو ما ساعد كتابا مرموقين في المشهد الثقافي والإعلامي في المغرب أن يفرضوا أسماءهم على القراء من خلال كتابة متميزة بأسلوبها ونوعيتها وتأثيرها.

ويعتبر طالع السعود الأطلسي ربما أول صحفي مغربي عن جريدة مغربية صادرة بالرباط (أنوال) يطرح سؤالا على الملك الراحل الحسن الثاني في مؤتمر صحفي حول تأسيس المغرب العربي. واعتبر الملك الحسن الثاني أن السؤال “دقيق ومنطقي”.

Visited 117 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المصطفى اجماهري

كاتب وناشر مغربي