ماذا يقول سجودُ اللاعبين المغاربة بعد تسجيلهم للأهداف…؟

ماذا يقول سجودُ اللاعبين المغاربة بعد تسجيلهم للأهداف…؟

عبد السلام بنعيسي

       لاحظ العديد من المتابعين لمباريات المنتخب المغربي الأولمبي لكرة القدم أن لاعبيه كانوا جميعهم يبادرون إلى السجود، حمدا لله، عقب كل هدفٍ كانوا يسجلونه في شباك الفرق الخصمة. لم يكن أي أحدٍ من اللاعبين يتخلف عن السجود. وبدا هذا التصرف الصادر، لأول مرة بشكلٍ جماعي، من طرف لاعبين مغاربة شباب، مثيرا للانتباه في نظر بعض المراقبين. فلماذا لا نكون إزاء رسالة ما، يتضمنها سجود هؤلاء اللاعبين، ويسعى المغرب كدولة لتبليغها للجمهور الرياضي الوطني والدولي الذي كان يتابع المباريات، محليا وعالميا، على نطاقٍ واسع؟؟؟

للإجابة على التساؤل المشار إليه أعلاه، يتعين وضعه في الإطار الزمني الذي يندرج فيه، واستحضار الدوافع التي تؤطره، وفي هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أنه بعد التطبيع الرسمي المغربي مع الكيان الصهيوني، الذي تورطت فيه الدولة، وتوغلت فيه إلى مستوى بعيد، صار المغرب عرضةً للاتهام بأنه ارتمى في الحضن الإسرائيلي، وأن إعلامه صار جزءا من المنظومة الإعلامية، والثقافية، والسياسية الإمبريالية، وأنه تخلى عن خصائصه المغربية، وداس دستوره، وأضحى كيانا فاقدا لهويته العربية الإسلامية الأمازيغية…

وساعدت، في نشر هذه الدعاية المعادية للمغرب، مقالات لبعض الكتبة الذين يحملون الجنسية المغربية، ولكنهم ليسوا في الواقع مغاربة حقيقيون، إذ لا يعبرون في مقالاتهم عن المشاعر الخالصة للمغاربة، فواحد منهم كتب مقالا ونشره بوقاحة منقطعة النظير في الصحافة الأمريكية تحت عنوان: “كلنا إسرائيليون”. وآخر هاجم بضراوة المقاومة الفلسطينية، ووصفها بأقبح النعوت بعد عملية طوفان الأقصى، وأبدى تعاطفه مع دولة الكيان الصهيوني.. وقبل هذا وذاك، كان المدرب المغربي وليد الركراكي، وبوحي من جهات نافذة في الدولة، قد صرح، في خضم الاحتفالات بالانتصارات التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر، بما يشير إلى أن المغرب ليس بلدا عربيا، وكأن الانتماء للعالم العربي والإسلامي صار سُبَّةً، ولم يول الإعلام الرسمي أي التفاتة متعاطفة مع الشعب الفلسطيني في حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب الشقيق والمظلوم على امتداد العشرة أشهر المنصرمة…

وإذا كانت كرة القدم تدخل في المغرب في المجال السيادي، وكل شيء يحدث في الفضاء الذي يحتويها ويحيط بها يكون مراقبا وخاضعا للتوجيه من طرف السلطات العليا، فإن اللاعبين المغاربة حين كانوا يباردون إلى السجود فإنهم كانوا في الغالب ينفذون توجيهات صدرت لهم في هذا الشأن، ولعلهم كانوا يردون على الاتهامات العديدة التي توجه إلى المغرب، سلطة وشعبا، بالتخلي عن قيمه الأصيلة. لقد كان المغرب من خلال اللاعبين في سجودهم، بعد تسجيلهم الأهداف، يبعث برسالة تفيد بأنه بلد إسلامي، وعقيدته هي الإسلام، وأنه متمسك بها، وفي صلبها عدم التفريط في المقدسات الإسلامية الموجودة في الديار الفلسطينية وفي القدس تحديدا، ويعلن عن ذلك جهارا أمام العالم بأسره، ويتجسد هذا التمسك بالمقدسات، في حده الأدنى، في الدعم المالي الذي تقدمه وكالة بيت المقدس للسكان المقدسيين ليظلوا صامدين في مدينتهم القدس الشريف ولا يغادرونها..

فمن الصعب على الدولة المغربية ألا تأخذ بعين الاعتبار أن مئات الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات المتعددة تقام أسبوعيا ويوميا في الشوارع المغربية تضامنا مع معاناة الشعب الفلسطيني، وتأييدا له في نضالاته من أجل انتزاع حقوقه المشروعة، وتنديدا بحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها من طرف الكيان الصهيوني، ومطالبةً بوقف التطبيع. فحتى الشبيبة من جماهير الفرق المحلية لكرة القدم، مثل جمهوري الوداد والرجاء البيضاويين، رددت مرارا، في الملاعب المغربية، أهازيج وأغنيات تعبِّرُ فيها بأصوات مرتفعة هزّت المدرجات، عن تعاطفها مع الشعب الفلسطيني، وتدعو لنصرته، وتحرّض الدولة والمجتمع على تقديم كل أشكال الدعم لكفاحه، ولرفع الظلم عنه. هذه التحركات الشعبية لاشك في أنها حاضرة في ذهن صاحب القرار وهو يتعاطى مع ملف القضية الفلسطينية، التي ظل المغاربة، طوال تاريخهم العريق، يعتبرونها قضية وطنية.. وعلى هذا الأساس، فإنه، بقدر ما كان سجود اللاعبين المغاربة، يُشكِّلُ تعبيرا رسميا غير مباشر عن التمسك بالإسلام عقيدةً للمغاربة، فإنه كان يمثل، في نفس الوقت، صيغةً للرد على الغلو في الدفاع عن التطبيع وإشهاره والزهو به كما يفعل بعض غلاة المطبعين المغاربة. وقد يكون إشارة لهم، بالتزام الحدود المرسومة من طرف الدولة في هذا الشأن، وألا يقع تجاوزها.

جهاز الدولة المغربية يعلم جيدا في قرارة نفسه أن التطبيع، ليس بوليصة التأمين المضمونة لصون المصالح المغربية العليا، وعلى رأس هذه المصالح الحفاظ على الوحدة الترابية المغربية، الحفاظ على هذه الوحدة يحصل بإجراء الإصلاحات الضرورية، وفي مقدمتها محاربة الفساد والاستبداد والقضاء على احتكار الثروة من طرف أقلية أولغارشية وحرمان الشعب منها.. الكيان الصهيوني وحماته الدوليون يدركون أن التطبيع قرارٌ مرفوض من الغالبية الساحقة لأفراد الشعب المغربي، وأنه قرار اضطراري تجرعته الدولة المغربية رغما عن أنفها، وذلك، بسبب ضعفها الناجم عن اعتبارات ليس هذا موضوع الدخول في تفاصيلها.

Visited 42 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي