القومية والفاشية والنازية الجديدة.. في الصراع الروسي الأوكراني

القومية والفاشية والنازية الجديدة.. في الصراع الروسي الأوكراني

د. زياد منصور        

            في سياق تدريس مادة تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية، ترتدي المحاضرة التي تعالج الظروف والشروط التي أدت إلى ظهور الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا أهمية خاصة، غذ لا بد من ربطها بوقائع اليوم وإدخال أفكار جديدة تجنب الطلاب الوقوع في شرك التأويلات ، واحيانًا عدم الانجراف وراء جاذبية الشعارات التي قامت عليها هاتين الحركتين، باعتبارهما تحرك مشاعر الشبان والشابات، وتترك أثرًا فادحا ، قد يؤدي إلى عكس ما يبتغيه  الهدف الرئيس لهذا النوع من الدروس ، والسعي الجاد والمسؤول لمنع ارتماء بعضهم في أتون الراديكالية والتطرف الإيديولوجي. لذا لا بد من التذكير دائمًا أن العديد من الدور، صنَّفت النازية الجديدة كواحدة من التهديدات الرئيسية، والتي من المفترض أن يتصدى لها المتخصصون في الميدان.

انطلاقًا من روح المسؤولية هذه، لا بد على المحاضر من أن يحل عدة مهام: شرح مفاهيم “النازية”، “الفاشية”، “النازية الجديدة”، و”القومية” وتحديد المعاني التي تحملها؛ فهم كيفية التعامل مع هذه القضية على المستوى الوقائي، وكيف تظهر هذه الظواهر في أوساط الشباب وفي وسائل التواصل الاجتماعي. من الأولوية أن تناول السياق التاريخي للمفاهيم المذكورة: كيف نشأت، وهل هي مترادفة أم هناك فرق بينها؟ فبدون فهم الأسس التاريخية، من الصعب للغاية التصدي لمظاهر النازية.

في هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أنه في الخطاب المجتمعي الحديث، لا تزال ظواهر تاريخية مثل “القومية”، “الفاشية”، و”النازية” ترتدي أهمية كبيرة وتُناقش بشكل نشط. فالقومية العصبوية يمكن أن تنحدر لتصل إلى مظاهر متطرفة وخطيرة على المجتمع؛ في حين تحولت النازية والفاشية إلى النازية الجديدة والفاشية الجديدة، ووكلتاهما تؤثران بشكل مدمر في عالمنا المعاصر، إذ  يحاول مؤيدو هذه الأفكار جذب عدد كبير من الناس، وخصوصاً الشباب الذين لم تتشكل لديهم رؤية ناضجة للعالم بعد، مما يشكل تهديداً لأي مجتمع حديث، بما في ذلك المجتمع العربي واللبناني. لذا، فإن تناول هذه القضية ذات الأهمية البالغة أمر مبرر للغاية.

إذن، سنحاول فهم هذه الظواهر التاريخية.  تعتبر القومية من الناحية التاريخية كظاهرة حديثة نسبياً، لكنها اكتسبت العديد من التفسيرات المختلفة، وأحياناً المتناقضة. في العصر الحديث، وبالتحديد منذ منتصف القرن السابع عشر، بدأ بشكل نشط تشكيل الدول القومية في أوروبا، ولذلك، وبالتدريج ابتداءً من القرن التاسع عشر، بدأ العلماء بدراسة ظاهرة القومية. هناك عدد كبير من النظريات والآراء حول القومية. إن مصطلح “القومية” في أصله لا يحمل دلالة سلبية. ومع ذلك، يُظهر التاريخ أن تحقيق مبادئ وأهداف الحركات القومية قد أدى أحياناً إلى أعمال إبادة جماعية؛ كما أن المطالبات بالسيادة القومية ساهمت أحياناً في تفكك الدول متعددة القوميات. ولعل تفسير القومية يعتمد على ما نعنيه بمفهوم “الأمة”. ويكمن الفرق في تفسيرات مصطلح “القومية” في أنه تُعتبر الأمة في بعض الحالات كياناً مدنياً سياسياً، بينما في حالات أخرى تُعتبر كياناً إثنياً (ثقافياً إثنياً، لغوياً إثنياً). فلفترة طويلة، كانت الأمة تُفهم كجماعة مستقرة من الناس تكونت تاريخياً على أساس الأرض المشتركة والحياة الاقتصادية والنفسية المشتركة التي تظهر في الثقافة المشتركة، وهذا ما يتوافق مع القومية المدنية. ومع مرور الوقت، تم تعديل هذا التعريف ليشمل العنصر القومي (الإثني) ويرتبط بالمفهوم العام للإثنية. فالقومية الإثنية، بخلاف القومية المدنية، تركز على الوحدة اللغوية والثقافية والدينية للأمة المعنية.

من نافل القول أنَّ القومية المدنية تعادل الوطنية، وذلك لأنها تقوم على مبدأ شرعية الدولة ودور المواطنين النشط والمباشر في إدارتها. هذا النوع من القومية يتجلى في التوافق العقلاني، ووحدة القيم والمبادئ السياسية، والمساواة في الوضع المدني والقانوني للأفراد الذين يعيشون في نفس الإقليم، بغض النظر عن أصولهم العرقية والدينية.

ويمكن أن يظهر خطر القومية العرقية عندما تنحو نحو العزلة الذاتية والانفصالية والتمييز ضد المواطنين من الأعراق والديانات الأخرى. مثل هذه القومية قد تصل إلى أشكال متطرفة، مثل تشكيل فكرة التفوق القومي والعدوانية تجاه الشعوب الأخرى. هذا النوع من القومية يمكن أن يشكل أرضية خصبة لتكوين آراء وأفكار متطرفة ونازية.

***

   الآن سنحاول فهم جوهر الفاشية والنازية. الفاشية هي ظاهرة تنتمي بشكل حصري إلى القرن العشرين، على الرغم من أن مقدماتها بدأت تتشكل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح “الفاشية” في العلم التاريخي المعاصر، حيث توجد أكثر من مائة تعريف لها. سنحاول أن نشرح بشكل عام جوهر هذه الظاهرة التاريخية.

إنَّ الفاشية تمثل رد فعل غير عقلاني وغير مناسب من المجتمع في بداية القرن العشرين تجاه الأزمات الحادة التي كانت تهدد الأسس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والروحية والنفسية الراسخة. فالفاشية هي حركة ثورية محافظة من اليمين تسعى إلى فرض نظام جديد دون اعتبار للضحايا أو التكلفة الاجتماعية، مما يؤدي إلى تدمير الاستمرارية التي كانت موجودة في المجتمع. تكون الفاشية أكثر جذباً للأمم التي “تأخرت” في تطورها التاريخي عن الدول الأوروبية الأكثر نجاحاً وتقدماً في فترة زمنية معينة.

ظهرت الفاشية لأول مرة في إيطاليا، لكنها استقرت بنجاح كبير في ألمانيا، حتى وصلت في هذه الدولة إلى أشكال وتجليات أكثر تطرفًا. فإيطاليا وألمانيا، بسبب ماضيهما التاريخي (التجزئة، التحديث المتأخر والمتسارع، الوعي الوطني المشوه، المتأثر بالقومية واللاعقلانية والشوفينية وغيرها)، أظهرتا نوعًا من الانحراف عن “المسار الطبيعي” للتطور التاريخي. بالإضافة إلى ذلك، تركت الصدمات التاريخية التي عانت منها هاتان الدولتان بصمة على عملية تشكيل الأمم فيهما، والتي تطورت بشكل مختلف عن غيرها من الدول الأوروبية. تشكلت الأمم في إيطاليا وألمانيا في وقت متأخر، فقط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما حدثت هذه العملية في الدول الأخرى قبل قرن إلى قرن ونصف. وعلاوة على ذلك، تشكلت الأمم في إيطاليا وألمانيا “من الأعلى” وليس “من الأسفل”، مما أعاق إنشاء مجتمع مدني، ورأي عام، ونظام برلماني. وبهذا الشكل، تسببت بعض التشوهات التي شكلت كودًا جينيًا فريدًا لهذه الأمم في التأثير على تفضيلاتهم السياسية والأيديولوجية المستقبلية لصالح الفاشية. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت إيطاليا وألمانيا، في ظل أزمة داخلية عميقة ومنهجية، في تنفيذ تجربة تاريخية تمثل تحديًا ذا توجه معادٍ للغرب ومعادٍ للماركسية والاشتراكية. من خلال الفاشية، سعت هذه الدول إلى إثبات تفوقها وتميزها. اختارت إيطاليا وألمانيا لنفسهما مسارًا خاصًا، غير تقليدي ولا يتماشى مع النموذج السياسي والأيديولوجي الغربي، بل على العكس، أظهر بوضوح اختلافه عن الحضارة الغربية: كما أظهر التاريخ، أنَّ هذا المسار كان خطيرًا ومدمرًا.

هناك عدة أنواع من الفاشية: الفاشية الإيطالية (الكلاسيكية)، الفاشية الألمانية (الراديكالية)، الفاشية الإسبانية-البرتغالية (الإيبيرية)، الفاشية الفرنسية (الهامشية) وغيرها. كل نوع من هذه الفاشيات كان له مميزاته. في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، كان هناك حوالي 14 دولة كانت فيها أحزاب أو حركات فاشية، وبعضها نجح في إنشاء أنظمة فاشية. فلقد ظهرت الفاشية ظهرت بشكل مختلف في البلدان المختلفة وكان لها خصائصها الفريدة، وهذا كان ناتجًا عن العوامل والتقاليد الثقافية والتاريخية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والوطنية والروحية لكل دولة.  ولعلَّ كل نوع من الفاشية يحمل في طياته قوة تدميرية كبيرة، لكن النوع الألماني (النازية) كان الأكثر تدميرًا، فالنظام النازي مسؤول ليس فقط عن التوسع الإقليمي اللامحدود وإشعال الحرب العالمية الثانية، بل أيضًا عن الإبادة الجماعية غير المسبوقة، بما في ذلك قتل أعداد كبيرة من السكان المدنيين. وقد بلغت ضحايا النازية الملايين.

ولسوء الحظ، يجدر بنا أن ندرك أن الفاشية لن يتم القضاء عليها؛ ولا يمكن شطبها من خزانة التاريخ. ولهذا السبب، من الضروري القيام بأنشطة تثقيفية ووقائية بين الشباب من أجل منع تغلغل أيديولوجية الفاشية الجديدة/النازية الجديدة في وعيهم. من هنا تجهد أكاديميات العلوم في روسيا وغيرها على سبيل المثال لتعريف الشباب على تاريخ بلادهم، ومساهمتها في الانتصار على الفاشية الألمانية خلال الحرب الوطنية العظمى، ودور الاتحاد السوفييتي في تحرير أوروبا من النازية والتكلفة الباهظة للنصر. انطلاقا من حقيقة أن الدول غير الصديقة حاليًا تحاول جاهدة تشويه بعض أحداث الماضي البطولي للاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية. وكما نعلم، فقد ذهب تزوير الذاكرة التاريخية إلى أبعد من ذلك. إن المزورين المعاصرين يشوهون عمدا مهمة التحرير للجيش السوفييتي، ويشوهون نتائج الحرب ودروسها، في حين يبالغون بشكل غير مبرر على الإطلاق في مساهمة الدول الغربية في الانتصار على النازية. كل هذا يخلق الأرضية للدفاع عن الفاشية/النازية، وتعميمها وانتشارها. فالمهمة تنحصر في مواجهة هذه المظاهر السلبية.

بعد أن عالجنا الجوانب التاريخية لتطور الظاهرة، يظهر السؤال التالي: ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين النازيين الجدد المعاصرين وأسلافهم الأيديولوجيين؟

هناك قاعدة علمية تقول، إن كل ما هو جديد يقوم على أسس قديمة. وبالفعل يستخدم النازيون الجدد المعاصرون أجزاء تاريخية معينة لمحاولة تغيير العالم الحديث. لديهم فهم غريب ومجزأ للغاية للأحداث والأشخاص التاريخيين.  أولاً، قد يستخدمون الرمزية التاريخية دون أن يدركوا معناها. يهتم الشباب عمومًا بكل ما هو جميل، ويعتمد أيضًا على الجذور القديمة. ثانيا، إنهم متحدون إلى حد ما من خلال الكراهية المفروضة خارجيا للحقائق التاريخية. ومن وجهة نظرنا فإن الأشكال الحديثة من النازية والفاشية بشكل عام ليس لديها الكثير من القواسم المشتركة مع النازية والفاشية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالعديد من هذه الحركات الحديثة في كثير من الأحيان لا تملك أساسًا أيديولوجيًا قويًا، فقد تم منحها ببساطة علمًا وقائدًا ثم انطلقت. هم يعانون من خواء فكري، ولكن!

وفي سياق الأحداث الحديثة، وسلوك ومسار العملية العسكرية الخاصة فغي أوكرانيا، هل يمكننا أن نطلق على النظام السياسي في أوكرانيا النازية الجديدة/الفاشية الجديدة؟

فعليًّا إذا نظرنا إلى الأيديولوجية المدمرة التي يلتزم بها الأشخاص المتطرفون على أراضي أوكرانيا الحديثة، فسنرى اتجاهين رئيسيين هنا.

من ناحية، هذه هي القومية الأوكرانية المتكاملة، والتي أخذت الكثير من الأشكال الكلاسيكية للفاشية والنازية. على سبيل المثال، أفكار المنظر الشهير للقومية الأوكرانية ديمتري دونتسوف: أفكار التفوق الوطني، والقيادة، ورهاب روسيا، وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، هذه هي النازية الجديدة الأوكرانية الحديثة، التي استوعبت أفكارًا مختلفة، بما في ذلك الوثنية الجديدة. على سبيل المثال، أيديولوجية كتيبة “آزوف” بشكل عام، يمثل أي النازية الجديدة الحديثة ظاهرة غير متجانسة: على سبيل المثال، النيو-نازية الأمريكية التي ترتكز على القضية العرقية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجريمة؛ والنيو-نازية الشمالية (منطقة إسكندنافيا) التي أثرت بشكل كبير على النيو-نازية الأوكرانية وامتصت الكثير من الوثنية الجديدة.

فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي في أوكرانيا الحديثة، يمكن أن يقال ما يلي: كان هناك اندماج للأفكار المختلفة – من الوطنية إلى القومية والشوفينية الصريحة والنازية الجديدة. لقد أصبح المجتمع في أوكرانيا شديد التطرف، واستغرق التطرف وقتا طويلا وبشكل تدريجي. في البداية كان من المقبول الضحك علانية ودون عقاب على ممثلي الدول الأخرى. ثم كان هناك تمجيد المتعاونين النازيين خلال الحرب الوطنية العظمى. علاوة على ذلك، تم فرض التطرف التدريجي على الأزمات الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المستمرة في المجتمع الأوكراني نفسه، والتي لم تحل الدولة أسبابها. وتدريجيًا، وصل الوضع إلى حد أن المجتمع بدأ يشارك أفكار النازيين الجدد إلى حد ما. ومع ذلك، فإن مدى اختراق هذه الأفكار لوعي المجتمع، هو أمر قابل للنقاش. ومن المهم أيضاً التأكيد على أن عملية بناء الأمة في أوكرانيا لم تكتمل بعد.

سؤال منفصل يتعلق بالسلطة السياسية في أوكرانيا، التي تشكلت نتيجة للانقلاب غير الدستوري في عام 2014: هل يتقاسم ممثلوها حقًا مثل هذه الأفكار أم يستخدمونها كأداة؟ عمليًّا إن كلا الأطروحتين صحيحتان. وتدريجيًا، بالنسبة لأولئك الذين استخدموا أفكار النازيين الجدد كأداة، أصبحت هذه الأفكار هي السردية السائدة، بما في ذلك بين الشباب.

لا بد هنا من تسجيل الملاحظة التالية: إن الفاشية الإيطالية أو النازية الألمانية ظاهرتان ذاتيتان. بخلاف القومية الأوكرانية الحديثة/النازية الجديدة فلها دور فعال؛ ونحن نشهد الآن عواقب عمل الهياكل الأوكرانية في الشتات الكندي والأمريكي. يمكنك أن التذكير كيف تم تصدير القوميين الأوكرانيين، بعد الحرب الوطنية العظمى، بشكل منهجي إلى كندا. القومية الأوكرانية الحديثة انتقائية للغاية وأسطورية، وتوجهها الرئيسي هو معاداة روسيا حصريًا (أطروحة “أوكرانيا معادية لروسيا”). وتتميز هذه القومية بغياب الدعم التاريخي القوي والارتباط العاطفي بالعالم الخارجي. ما عليك سوى إلقاء نظرة على كيفية تقديم تاريخ أوكرانيا في المدارس الأوكرانية الحديثة: النغمات العاطفية، والمركزية الأوكرانية (كل شيء جيد داخل أوكرانيا، وكل شيء سيء في الخارج، وغالبًا ما يكون من الشرق)، والافتقار إلى نموذج مستقر للنظرة العالمية. لقد حدثت بالفعل أسطرة (ميتولوجيَّة) المجتمع الأوكراني. لذلك، لا ينبغي أن يكون من المستغرب أنهم، من ناحية، يقولون إنهم قاتلوا الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، ومن ناحية أخرى، تتم إعادة تسمية الشوارع تكريما كريماً لمرتكبي الفظائع من النازيين والفاشيين الذين كانوا متعاونين خلال الحرب.

أود أن أشير إلى أن مشروع “معاداة روسيا” أو “معاداة الاتحاد السوفييتي” و”معاداة البلشفية” ظهر في النصف الأول من القرن الماضي.  في الثلاثينيات من القرن العشرين، أدركت بعض الدول الأوروبية بسرعة أن العدوان الجيوسياسي النازي يمكن تنفيذه بنجاح من خلال إعادة توجيهه نحو الشرق. كانت النخب السياسية في القوى الأوروبية الرائدة مهتمة بحرب الرايخ الثالث مع الاتحاد السوفييتي، لاعتقادها القوي بأن ذلك سيسمح لها بتجنب الحرب مع ألمانيا النازية، وتأمين دولها، وضمان السلام لمواطنيها، وفي حالة انتصار هتلر، اعتمد على المكاسب الإقليمية القوية.  حاليًا، يستمر المشروع المناهض لروسيا بأشكال جديدة.

***

    ختاماً في الواقع، وأمام التعقيدات التي قد تختلط معها المفاهيم، لا بد من نقاش واسع ونشط حول تجليات الفاشية في الصراعات المحلية، وقد سهدنا لها ارتدادات في الحرب الأهلية اللبنانية. نحن بحاجة إلى أحداث أكثر جدية فيما يتعلق بموضوع الإبادات الجماعية التي ارتكبت خلال هذه الحرب البشعة، وكذلك على سبيل المقاربة، تنتصب الحاجة عينها في مناقشة فظائع الإبادة الجماعية للشعب السوفييتي وذكرى الحرب الوطنية العظمى، لأنه في وقت معين بدأنا نتناسى عمدًا مخاطر وفظائع الحرب وأهوالها، كما درى الأمر في روسيا بين الأعوام (1990-2000) عندما بدأ ما يسمى مشروع حماية الشباب من مثل هذه المعلومات المروعة. هذه المواضيع لا تخضع لقانون التقادم، بل تحتاج على مزيد من التوسع. بشكل منفصل، من المهم إعادة النظر في أهمية إعادة تأهيل بعض مدرسي العلوم التاريخية، لأن العلوم الإنسانية هي الأكثر عرضة لأسطورية الوعي. من المهم إعداد التدريس الصحيح للتاريخ، ومن حيث المبدأ، الأساليب العلمية العامة لفهم الواقع.

Visited 140 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي