هوايات العنف!!

هوايات العنف!!
عبد العلي جدوبي 
 
       وتستمر ظاهرة الشغب وأعمال العنف في الملاعب الرياضية، طالما أن علاجها لا يزيد عن حبات مسكنات لإخماد وجع الرأس، مما يثير المخاوف عن التكرار المستمر لسيناريوهات أحداث مماثلة، اسفرت عن عدد من الضحايا، وعلى عدد من المعتقلين على ذمة المحاكم!
ما حدث السبت الماضي – 24 غشت – في مباراة الرجاء الرياضي والحرس الوطني النجيري، يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر من جديد، لمعرفة أسباب ودوافع وخلفيات امتداد العنف والشغب وتحطيم المنشات والاعتداءات على عامة الناس وعلى رجال الأمن.
لماذا لا نشاهد أو نسمع عن أعمال شغب وعنف في ملاعب أخرى تضم رياضات مختلفة، ككرة السلة أو كرة الطائرة ورياضة الملاكمة والمصارعة  وغيرها؟!
في مبررات مقبولة أن الحشود التي تتابع مباريات كرة القدم الأكثر شعبية من غيرها،  ليست هي نفسها التي تتابع باقي المنافسات، أو قد يكون جزءا منها حاضرا أيضا في مباريات كره القدم، وفي محيط فضائي يحمل قدرا كبيرا من الوعي والمسؤولية، وترجيح  الروح الرياضية على المنافسة والفرجة، وبالتالي فإن غياب هذه الروح لدى فئه قليلة من المشاغبين في مدرجات كرة القدم، تحول الفرجة الكروية إلى حلبة  لتفريغ المكبوتات الدفينة، وهنا يطفو  الشعور بالنقص لينطلق الميول إلى النزعة العدوانية كرد فعل لحدث كروي عابر بسبب سلوك لاعب داخل رقعة الميدان، أو لخطأ من حكم المباراة، أو تصرف غير مسؤول لمسير أو مؤطر في حق جمهور الفريق المنافس.
المسألة بكل وضوح تتطلب جرأة فكرية، وفي مقدمتها الإقرار بأن شغب الملاعب ليست ظاهرة رياضية في ملاعب كرة القدم فقط، بل إنها ذات طابع اجتماعي واقتصادي وسياسي ونفسي أيضا، وهو ما يقود خلال الضغط الجمعي حسب علماء الاجتماع إلى لجوء الشخص إلى “هوايات العنف”!!  ولو أن أي  باحث سوسيولوجي توقف أمام الظاهرة  التي تتداول الصحافة أخبارها على نطاق استشراء جرائم العنف المختلفة في المجتمع، والانتقام من سلطة الأسرة، لأمكن الإمساك بالخيط الرفيع الذي يتشابك عند سفح وقمة ظاهرة  الشغب بشكل عام.
الصوره تتجاوز الإطار المرسوم لها، واختزالها في إشكاليات رياضية أو شبابية في حدود اختصاصات الوزارة الوصية على القطاع، ينم عن بعض القصور في تلمس الخلفيات والأسباب، وإذا كان لابد من الإحاطة بها في هذا النطاق المحدود، فإن واقع الرياضة وطريق إدارة ملفاتها لا يشجع على تقصي جوهر المشكل!! فالرياضات المدرسية مثلا التي كان يفترض أن تشكل رافدا داعما للتأهيل، وإشاعة التربية والروح الرياضية لم تعد تقوم بالأدوار المخولة لها، والمعاهد الجامعية التي كان يتعين أن يكون لها فضاؤها الرياضي الشاسع  لا تكاد تعير الجانب الرياضي أدنى اهتمام، ولا بجانب الاعتناء بالشباب  ولا بإعداد برامج لتأهيلهم وتأطيرهم، بل أننا نلاحظ أن المركبات الرياضيه التي صرفت الدولة لإنجازها أموالا طائلة، تحولت إلى ما يشبه صالونات البيوت المغربية التي لا تستخدم إلا عند استضافة الأقارب والزوار، بدل أن تكون أبوابها مفتوحة  أمام الشباب، ناهيك عن التراجع الخطير في الأدوار التي كانت تطلع بها دور الشباب لتكوين الشباب وتأطيره وتأهيله على كل المستويات والأصعدة، كما أن غياب تأطير الفرق الرياضية لجماهيرها وغياب دور الأسرة  في هذا المجال، ونضيف كذلك الدور السلبي الذي تقوم به بعض قنوات التواصل الاجتماعي في تأجيج الصراع بين جمهور هذا الفريق أو ذاك، أدى إلى هذا السقوط المدوي! 
وقد رأينا كيف عم اليأس والإحباط لدى فئة عريضة من الجمهور المغربي بعد المشاركة البئيسة والمخيبة للبعثة المغربية الأولمبية في باريس، ورأينا أيضا كيف خرج بعض رؤساء الجامعات في قنوات وسائل التواصل الاجتماعي يدافعون بوقاحة عن الفشل وعن الاندحار الرياضي في  عهدهم!!  ألا يشكل هذا الإحباط عامل آخر لرد فعل يائس لدى الشباب؟
ليس المغرب استثناء في استشراء الظاهرة، ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية التي تتوالد مع حدة المنافسات، ورفض قبول نتائجها واللجوء الى العنف كأقرب وسيلة للتعبير عن مشاعر غاضبة، الظاهرة قديمة، وقد تم تسجيل حالات الشغب قبل قرنين من الزمن في ملاعب اليونان القديمة، وانتقلت بعد ذلك إلى عدد من الدول الأوبية مع تعاقب السنين، إلى أن وصلت خلال القرن  الحالي إلى المغرب وإلى دوريات بعض الدول العربية. 
شغب الملاعب بالمغرب ليس أكثر من ناقوس إنذار؛ إنه يضرب مرة تلو الأخرى داخل ملاعبنا وخارجها، إن الصورة ليست وردية، وأن ضبابيتها في الطريق إلى القتامة السوداوية.. والمغاربه بطبعهم يقيسون درجات أحوال الطقس من تلبد الغيوم، وإن كانت في سموات بعيدة!!
 
Visited 98 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي