في رحيل الصحفي المغربي جمال براوي

في رحيل الصحفي المغربي جمال براوي

عبد الصمد محيي الدين

       وداعا جمال براوي

منذ شهرين أو ثلاثة، وصلني صوته الواهن، كأنه آت من أغوار كهفية، عندما قال لي: “أفتقدك بشدة يا أخي عبد الصمد”.

وكانت تلك محادثتنا الأخيرة.

 لم يكن جمال براوي رفيقي السياسي ولا شريكي الفكري، لكنه كان صديقًا مقربًا، جمعتني به، لأكثر من ثلث قرن، لحظات غنية من التبادل ومن العيش المشترك، بما في ذلك في باريس، حيث لم يتردد أبدًا في التلويح لي خلال زياراته القصيرة لفرنسا.

لقد كتبنا معًا في La Vie Economique، وفي Le Journal لفترة قصيرة، ثم بشكل مطول في La Gazette du Maroc وChallenge.

أمسياتنا الساهرة في حانة فندق المنصور، ورحلاتنا النهارية صوب حانات وسط مدينة الدار البيضاء أو حي المعاريف، والتي غالبًا ما تتخللها رهانات وفيرة لا نهاية لها، هي لحظات لم تتلاش بعد من ذاكرتي.

 كان يكن لي احترامًا لا يتزعزع ممزوجًا بمودة لا تنضب.

علاقته غير الصحية بالمال، وهي أسوء بكثير من علاقتي، غالبًا ما أوقعته في مواقف سريالية؛ لكن ذلك لم يقلل أبدًا من شهامته المجنونة تجاه الأشخاص المتواضعين، بدءًا بالشخص المتوفى قبل بضع سنوات، وكان سائق العائلة.

كان جمال براوي يرتدي ثلاث قبعات على الأقل:

 قبعة عالم السياسة المطلع، الذي يفاجئك دائمًا بحديثه الصادق، وأحيانًا بخروجاته المدوية، مثل عبارته الشهيرة الموجهة إلى وزير الداخلية العتيق في عهد الحسن الثاني: “يجب على إدريس البصري أن يرحل!”.

 ثم الصحفي الذي يكره الدوغمائية والمانوية والعدمية.

 وأخيرا الوسيط بين المثقفين اليساريين والمراجع المخزنية، وهذا نوع من الكهنوت، حيث يمكن للمرء الوصول إلى معلومات سرية للغاية دون الاستفادة منها على الإطلاق، لا مهنيا أو شخصيا.

لقد كان، بطريقة ما، نسخة أكثر تحفظًا من الصحفي الكبير عبد الله الستوكي. كلا الشخصيتان العظيمتان أحرقا سنوات عمرهما في الصحافة الوطنية، وربطا مصيرهما بالإفراط في كل شيء. وكان لكل منهما طفل متأثر ببعض الإعاقة.

 وكلاهما كرس حياته للممارسة مهنة الصحفي بمعناها وتفاصيلها الدقيقة.

Visited 60 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الصمد محيي الدين

كاتب وباحث أنثربولوجي