الوزير الذي يريد أن يكون ملكيا أكثر من رفاق الملك
عبد السلام بنعيسي
دخل وزير الدولة المُكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان سابقا مصطفى الرميد في سجال عقيم مع جزء من الجمهور حول العفو الملكي الصادر مؤخرا في حق بعض الصحافيين والمدونين. فبالنسبة للوزير السابق: ((الواجب على كل من حظي بالعفو الكريم، أن يقابله بالشكر والامتنان، لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم))، ويضيف الرميد قائلا: ((إن العفو الملكي حينما يشمل بعض الأشخاص الذين لهم حيثيات سياسية أو إعلامية وغيرها، فيقابلون هذه الالتفاتة الملكية الكريمة بالقول الحسن والثناء الواجب، فإنهم يشجعون الدولة على مزيد من الالتفات إلى غيرهم ممن تكون لهم حيثيات مشابهة أو قريبة. أما حينما يكون رد الفعل على خلاف ذلك، فإنهم يؤخرون ذلك وربما يعرقلونه..)). ويصف الوزير أصحاب هذا الموقف بالقول: ((الخيرون يقابلون الخير بالخير، ولربما بما هو أكثر، وليس لهم إلا ذاك. وقد صدق الشاعر اذ قال: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته/ وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا))..
بعد محاولة مصطفى الرميد الفاشلة تبرير قرار التوقيع على التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف رئيس حكومته سعد الدين العثماني، ها هو يثير مجددا من حوله زوبعة لم تكن الساحة السياسية الإعلامية في حاجة إليها، فنحن هنا في تدوينته على الفيسبوك، أمام كلام أقرب إلى الشتائم منه مجرد رأي تمَّ التعبير عنه بطريقة لائقة ومتحضرة. من حيث الشكل، هذا كلام موتور، ولا يجوز أن يصدر عن وزير كان مكلفا بحقوق الإنسان، ويفترض فيه أن يكون عفيف اللسان، وأكثر من غيره حريصا على احترام هذه الحقوق والدفاع عنها.
عندما يتخذ الملك قرارا معينا، كيفما كان نوعه، فإن المنتظر هو أن يكون هذا القرار موضوعا لتقييمات صادرة من جميع مكونات المجتمع باختلاف القناعات السياسية لكل مكون على حدة. ومن الطبيعي أن تكون التقديرات والقراءات الخاصة بالقرار الملكي متباينة وذات اجتهادات متمايزة. فهذا الاختلاف في القراءات والاجتهادات يعتبر من مقومات الحياة السياسية لكل مجتمع ينصُّ دستوره على الديمقراطية والتعددية والحق في إبداء الرأي. فلا ضرر على المجتمع وعلى سير مؤسساته، بشكل طبيعي، في وجود تباينات في قراءة القرارات التي يتخذها الملك. يتعين التعامل مع الأمر على أساس أنه مظهر مجتمعي صحي من المفروض الترحيب به وصونه، وليس مصادرته وقمعه كما يفعل الوزير..
المطلوب في الظروف الراهنة هو الخروج من الحقبة التي يتم التعاطي فيها مع قرارات الملك وخطبه، باللغة التقليدية التي سادت عقودا وعقودا، لغة التمجيد، والتطبيل، والتزمير، والتهليل. هذه لغة يفترض أنها استُهلكت بما فيه الكفاية وعفا عنها الزمن، ولم تعد مجدية. المتغيرات المجتمعية تستدعي منا نحن أيضا التغير ومواكبتها بلغة جديدة. فقراءة خطب الملك وقراراته صار من المحتم أن تتم بطريقة علمية وموضوعية، وأن نتناول ما يبدو لنا نقائص أو عيوب فيها، وأن نسعى لتحسينها وتطويرها. وهكذا نساعد الملك ونعاضده في جهوده الرامية إلى تنمية البلد وخدمة الشعب.
الملاحظ هو أن المحيط المقرب من الملك لم يبد أي تبرُّمٍ مما أثير من ردود في مواقع التواصل الاجتماعي عن قرار العفو، ولماذا تأخر؟ وهل جاء بطلب للعفو من المعتقلين أم بدونه؟ ولماذا استُثني معتقلو الريف والمحامي محمد زيان من العفو؟ وهل كان ينبغي أن يحصل الاعتقال أصلا؟ هذا النقاش العادي والطبيعي لم نشعر أن المؤسسة الملكية تضايقت منه، أو سعت لوأده، وللرد عليه في الإعلام العمومي الذي يقع تحت نفوذها، فلماذا يتبرع وزير حقوق الإنسان السابق، صاحب التوجه الإسلامي، ويحاول المصادرة على المطلوب؟ أليس هذا شرودا عن الصف؟ لماذا تبدو نخبتنا السياسية دائما حريصة على أن تكون قنوعة وراضية ومستكفية بما يصدر عن المؤسسة الملكية؟ ألا يفترض في هذه النخبة أن تتطلع إلى أعلى عما يعرضه ويعطيه الملك، وتستحثه على ذلك؟
لقد سبق للوزير مصطفى الرميد أن بشرنا ووعدنا بالاستقالة النهائية من الحياة السياسية، وأنه لم يعد معنيا بممارسة الفعل السياسي، وأنه سيتفرغ لحياته الخاصة، لكنه للأسف لم يتمكن من البرِّ بوعده الذي قطعه على نفسه أمام الرأي العام، وها هو يعود إلى الساحة السياسية في جبة من يريد أن يكون ملكيا أكثر من الملك ورفاق طفولته. فهل يعني هذا أن الرميد لا يزال يحمل في دواخله مشاريع سياسية ويريد العمل على تحقيقها في المستقبل؟ هل لديه طموح في أن يصبح رئيسا للحكومة أو مستشارا ملكيا؟؟ سياسي من هذه الطينة، يا ليته استقال فعلا من السياسة…