مذكرات الخريف: في الاستعادة (1)
صدوق نورالدين
من المفارقات التي عشتها كمنتم لجيل الخمسينيات، الحرص على متابعة المطبوعات العربية من جرائد يومية، أسبوعية ومجلات تأتى من خلالها الإحاطة _ ولو نسبيا _ بالواقع السياسي والثقافي العربي. وبما أني أنحدر من مدينة صغيرة (أزمور)، صورة قديمها أرقى من حديثها، فلقد حرصت التردد على دكان السي عبد الله رضى رحمه الله تعالى، ومثل زمنها النافذة الوحيدة لوصل الداخل المنغلق بالخارج المفتوح. كان الراحل من كسر عزلة المدينة الصغيرة.
الدكان قائم وسط المدينةـ تماما في مواجهة السور البرتغالي، بالضبط رأس الشارع حيث يمتد على يساره لسان دكاكين تتنوع بضائعها وتتشابه. وتجد عند عتبة الدكان باستمرار اللوحة الحديدية حيث ترتب بالأخص المجلات، وأما الجرائد الوطنية وغير الوطنية فمكانها الداخل. وفي حال طلبها، يقوم السي عبد الله بإمدادك العنوان المطلوب.
كنت من قراء الجرائد الوطنية بالتحديد. وسأغدو في اللاحق من كتابها. أقرأ :”العلم”، “المحرر”، “البيان” وأحيانا “الكواليس” التي أواظب فيها على قراءة زاوية (قربالة عند البوليس). ودأبت في حرص على متابعة الصفحات الثقافية. وفي أواخر الستينيات برزت بعض الملاحق الثقافية التي عكست صورة عن بدايات الواقع الثقافي بالمغرب، حيث ظلت الأسماء تتكرر على مدى أربعين سنة، حيث طرد من طرد، وتغيرت الألوان تباعا وتأسست حروف جديدة.
تصل الجرائد الوطنية المدينة الصغيرة باكرا متن شركة النقل الوطنية، حيث تكون العناوين _ على قلتها _ ملفوفة بشكل طولي، كل يحمل اسم جريدة، واسم المدينة المطلوب إيداعه فيها. ويحدث أن يتأخر وصول عنوان ما، إما نتيجة خطأ في نقل البضاعة أو تأخر في فسح الرقابة إمكانية التداول.
وأذكر أن الراحل السي عبد الله، وفي غير ما مرة، كان يكلفني بالذهاب إلى مكتب شركة النقل الوطنية عبارة عن حانوت صغير يجلس من خلف زجاجه الجابي، وعلى اليمين واليسار مقاعد طويلة تشبه الموجودة في المستشفيات. وأما المكلف بالأمتعة فقصير القامة يدخن باستمرار. وذلك بغاية سحب الجرائد التي تأخر وصولها في الموعد، وكانت “الأنباء” التي تصدر عن وزارة الإعلام وبعض الأسبوعيات ك”أصداء” و “الإثنين”، تصل متأخرة.
و لا أرغب في أن تفوتني الإشارة لكون الراحل رضى، لم يكن الوحيد الذي يبيع الجرائد بالمدينة، وإنما وجد إلى جانبه بائع السجائر عبد الحي الفرجي الذي تميز في مرحلة بشاربه الشيوعي الكث. يقع دكانه في الزاوية المقابلة للراحل عبد الله. وأما بالقرب من مسجد الزيتونة، فدكان السيد حمو المستف بسحنته السودانية، قامته الطويلة، عصابته البيضاء وجلجلة ضحكه. كان يجمع على السواء بين بيع السجائر والجرائد اليومية. إلا أن ما يتميز به السي عبد الله رضى وبالإضافة إلى الجرائد، المجلات المغربية والعربية.
(…وأنا أكتب هذه السطور أتخيل المصلين يقصدون المسجد لآداء صلاة الظهر. يغرسون صمت أعينهم في الطريق، ويوقعون الخطو في هدوء وراحة يدركون مدى قيمتها في القادم من الأيام. وقد كان.)
لكن من كان يقرأ الجرائد الوطنية حينها؟