مذكرات الخريف: افتتاحيات لها رنين (4)
صدوق نورالدين
لعل من بين الأحداث التي سبق لي روايتها كتابة، ما أرغب في إعادة صوغه الآن للتذكير وفهم واقع الوسط الذي نشأت فيه سواء من حيث بعده الجغرافي أو الاجتماعي، على ما بينهما من تداخل، تقاطع وتأثير على التكوين الثقافي والأدبي. إذ دعيت أواسط الثمانينات لندوة على الأثير ليلا أسهم فيها الأستاذ الباحث الراحل حسن المنيعي وهو على قيد الحياة، إلى الأستاذ الناقد والروائي حسن بحراوي. كان موضوع الندوة: “حسن المنيعي ناقدا للرواية” في برنامج موسوم بـ “الريشة والقلم”. وللواقع والحقيقة فإن معرفتي بالراحل المنيعي انحصرت حينها في المسرح، حيث اهتديت استنادا للملاحق الثقافية، أقول الملاحق، إلى أن من آثاره الأدبية كتابه “أبحاث في المسرح المغربي”. ولا أذكر أني قرأت له نقدا في أو عن الرواية سواء المغربية أو العربية.
إن مدينة أزمور، وعلى قربها من الدارالبيضاء والرباط، كانت تصلها المطبوعات المصرية دون المغربية. فلم نظفر بحظوة التعرف على الأعداد الأولى من مجلة “أقلام” و”آفاق” اتحاد كتاب المغرب في المرحلة التي ترأسها كل من الراحلين: محمد عزيز الحبابي وعبد الكريم غلاب. من ثم فاتني التعرف على بدايات المشهد الثقافي والأدبي مغربيا وعربيا. (ولعل مما يمكن ملاحظته اليوم بالضبط، أننا نقرأ عن منشورات تصدر في شمال المغرب، ولما نبحث عن نماذج منها في مكتبات الدار البيضاء لا نكاد نعثر لها على أثر).
وحتى أبحث عن صورة الراحل حسن المنيعي ناقدا للرواية، عدت لتصفح الأعداد التي أمدني بها هدية الراحل محمد إبراهيم بوعلو من مجلة “أقلام”، فلم أعثر إلا على دراسة مفردة خص بها حسن المنيعي رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، حيث حاولت بناء تصور وإن غير كاف انطلاقا منها، ومعترفا بهذا القصور أو التقصير الذي دعا الأستاذ بحراوي إلى معاتبة الراحل على عدم جمع مادة نقد الرواية في كتاب كيما يتعرف الجميع وأنا واحد منهم. وهنا يطرح السؤال: أترى كان الأستاذ بحراوي يعتقد بأن الدار البيضاء أو الرباط هي أزمور؟
لا يتباين هذا الحدث الأدبي عن نظيره السياسي. إذ لم نكن نملك في تلك المرحلة وعيا ونضجا سياسيا يخولنا متابعة تحولات المشهد السياسي سواء بالمغرب أو عربيا. فلم تكن في مدينة أزمور مقرات حزبية
وحتى إذا ما توافرت، فإنها لم تسهم في الإضاءة والتنوير السياسي. كنا نكتفي بقراءة افتتاحيات كل من:
_ عبد الكريم غلاب في “العلم”
_ عمر بنجلون في “المحرر”
_ وعلي يعته في النسخة العربية من جريدة “بيان اليوم”.
بيد أن من الملاحظات التي يحق إبداؤها، كون هذه الافتتاحيات لم تكن لتتصدر الصفحة الأولى لجريدة الحزب بشكل يومي، وإنما تكتب تحت ضغط الضرورة و ما تتطلبه من رأي، موقف أو بيان لتصور الحزب في أو حول قضية ما. كانت تصاغ بلغة سياسية غير أدبية، و وضوح يهدف إيصال الفكرة بتكثيف كبير. و لا أعرف لم كانت تستهويني افتتاحيات الراحل علي يعته. هذه التي ستجعلني لاحقا أتمثل صورته خطيبا في البرلمان المغربي، حيث يشدد بقوة على “ياء النسبة”. وأما افتتاحيات الراحل عمر بن جلون فتتفرد بعنف لغوي ومواقف مجابهة غير مهادنة. (أترى كن يكتب فكرتها السوبر روائي؟).
على من كنت أقرأ فيه السياسي والأديب، فالراحل الأستاذ القاص والروائي والناقد عبد الكريم غلاب (كانت مجموعته القصصية “الأرض حبيبتي” الكتاب الثاني الذي يقع بين يدي) الذي كان يوازي بين كتابة الافتتاحية، ولاحقا عمود “مع الشعب” ومقالة يوم الأربعاء في الصفحة الأخيرة، إلى الإسهام بقصة أو نقد كتاب ضمن عدد يوم الجمعة من الملحق الثقافي (صدر في:1969).
بيد أن ما يؤسف له، عدم جمع هذه الافتتاحيات في كتب تعبر عن المرحلة، علما بأن لهذه الأحزاب مراكز يقال بأنها متخصصة في الدراسات والأبحاث.