من يوميات معلم في الجبل

من يوميات معلم في الجبل

عزالدين الماعزي

 مكائدُ القصّ 

ها هي نافذةٌ أخرى تفتح، أتكون الشمس هي التي…؟!

النور على القمة، والغلالة البيضاء تحيط بالجبل كقلادة بعنقه، لعل النظرة لا تخطئ..

سأبدأ مرة أخرى في تهجي الكلمات التائهة، ساحة المدرسة فارغة، وبدون شك لا أحد هنا أو في الخارج، وحدي لا أدري أن اليوم عطلة. جسدي وأفكاري ورأسي ملتصق بجدار المدرسة، لا يمكن الارتحال من هنا، هي المدرسة تحميك من كل شيء، من الخوف، من العنف الذي تمارسه على نفسك. وهل يغمض لك جفن الآن وأنت الحارس الأمين لها ؟ هي كذلك في مكمنك في ارتجاجك. خير ما يؤنس جدران المدرسة وما أدراك ما جدران مدرسة مفككة وقديمة في الزمان والعمران !.

هذه الجدران بنيت لحمايتك، وأنت عُينتَ لملئها ولحمايتها وسدّ الفراغ، باعتبارك عنكبوتا أو ضفدعا كما يسميك صديقك. يتمنّى صديقي، أن يظل التلاميذ في المدرسة طيلة اليوم، ليؤنسوه في وحدته وغربته..

أراه يطلّ من بعيد؛ يراني العفريت قرب صخرة البيت الكبيرة، أتملى بطلعة الشمس، يلوح بيده الضخمة وأفهم أنه في حاجة إليّ.. إلى الحديث معي؛ إلى حكي جديد ولذيذ.. مقدمته حلم البارحة والفراغ الذي يعانيه، وأخبار المفتش والمدير..

يبدو صديقي كقطار انحرف عن مساره، وهو يفرغ الشاي في كأسه وكأسي وأنا أشعل سيجارة الكازا سبور.

–  كازا على الصباح.. يا لطيف، أنت مالك أصاحبي !.. تعرف الفم اللي يكمي كازا يشهدْ زور

وياكل ال…خرا

–  لا تكمل الجملة، أعرفها.. فقط، تدخينها دليل على الفقر وعلامة على الهشاشة..

يحك لحيته ويسألني عاتبا عن الأحوال.. يطلب بالمناسبة إن كنت أحتاج إلى شيء، لأنه يريد الذهاب إلى المدينة بعد قليل، ابتسمت لكي أغيظه، قلت :

–  جيبْ لي معاك لحم العنزي !؟  أجابني سريعا.

–  اصاحبي، تاكل المعزي غا تولي معْزي بصّحْ. وضحكنا متصالحين كطفلين صغيرين.

ألسنا مجرد كائنات بغيضة كما تقول، نأكل وننام في انتظار وصول بقايا أحلام ؟

ألسنا ننتظر الحوالة الشهرية ؟ وينتظرنا الانتقال إلى أمكنة أخرى ؟

لا تغْيير، ولا تبديل في الإسم ولا في اللقب ولا في المهمة..

–  إذن غا تمشي الحمّام العفريت، تكسّل عْظيْماتك..!

–  هذ الأيام كلها أحلامٌ مزعجة.. والمدير أخبرني بدورة المفتش القادمة ستكون من هنا..

–   مزيانْ، قلت، أنت في حاجة إلى نقطة المشاركة وبامتياز إن شاء الله.

–   البارحة تقضاتْ البوطا، وبتّ أبحث عن الشمعة للإضاءة دون جدوى.. ووحيد كأعمى كما تقول.

–   الله يكون في اعوانك.. المهم متنساشْ اتدي معاك شي بريوات(رسائل)، راني كتبت النص

الذي طلبتَ، مُهدى إلى الصديق الذي يحاول السفر إلى القمر، ويحتاج إلى ساعي البريد.

والقصيدة عنوانها :

تجلس وحيدا في زاوية الغرفة بقبعة سوداء وقفازين أحمرين ودم ساخن.

–   ما أجملها.. أحبها كثيرا، أتمنى أن تنشر ورقيا، وتبقى كوثيقة لفضح الواقع المزري، وتذكارا جميلا لحياة تفترسها المعاناة والغربة.

–  أراك جنديا تحارب في آخر مربع الخريطة، وأوراقك تنام مبللة بالدموع..

أفضل أن أرسلَ رسائلي مع حافلة الدار البيضاء لتصل سريعا إلى العنوان، بدل أن تظل في ثلاجة بريد المدينة أسبوعا كاملا، أو أكثر وتلك هي الطريقة التي بدأت أتعامل بها مع الجرائد، أو رسائل الأصدقاء والأسرة.

أتأمل صورا، وأبتسم مُطْمئنا إلى ما تصبو إليه النفس، أنام مستريحا، متوسدا أشعار “إدغار الان بو”..، أبتسمُ “بزّزْ”، لن أخسر قبلةً في حلم لذيذ، كيف أكون هادئا وأنا أسترق النظر إلى بقايا حلمي المشتّت.

المساء قطعة حلوى طازجة، أرغب في قضمها والتلذذ بها.. ولا بدّ للمساء أن يكون قمرا أو لا يكون..

ثمة رجل يشبهني، يقضي يومه في النظر طويلا إلى صورة الجبل، خلفه أخبار العالم، والوقت المتبقي لديّ، لا يكفي بقراءة مقطع من رواية.

أقلعت عن التدخين منذ مدة قليلة، التدخين مضرّ بالصحّة هكذا يقول الإعلان المرفق في الإشهار التلفزي، ورغم ذلك نُدخن نكاية في الوقت المتبقي لنا.

بحذر، أتلمس طريقي في الظلام، خطوتُ خطوات متثاقلة خوفا أن أوقظ صديقي الذي يغطّ في نومه، أبحث عن قطعة الشمعة أولاً، وعلبة الكبريت ذات علامة السبع وجدتها بصعوبة، عيناي مدربتان كالنسر على تلمس الأشياء ومعرفتها دون الدوس عليها. اتجهت صعودا وميلا ناحية الفراش.

ما الذي أيقظني إذن وسط هذا السكون..؟

غير صراخ وزغاريد في رأسي..

وضعتُ يدي على كوب ماء بارد، بلّلت جبهتي ورقبتي تخفيفا من الحرارة المرتفعة. كنت أتصبّب عرقا في غرفة مظلمة رفقة صديقي، بأحلام مزعجة لا أذكر منها شيئا..

الجوّ حار، الأكيد أن النهوض بعد منتصف الليل، وفتح باب الغرفة هي رغبة داخلية للخروج من هذه الأوهام.

خارج الغرفة، ثمة أصوات كانت هناك، استغربت لعدم سماعها من قبل رفيقي..

هل أوقظه أم أتركه يستمتع بلذيذ أحلامه، التي يتذكرها صباحا ويحكيها لي باستمتاع وأتلذذ ضاحكا بحكيه الغريب.

تُعتبر الأحلام تعويضا عما نعانيه من نقص، أحلام لا تخطر على بال أحد.

كيف لا ينتبه صديقي للأصوات التي كانت رفقتي من قبل ؟

وهل ما سمعته كان مجرد خيال نائم..؟

_______________________________________

* مقطع من يوميات اخرى لم تكتمل.

Visited 24 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عز الدين الماعزي

قاص مغربي