هل لبنان أمام حرب داخلية تهدد مكوناته؟
أحمد مطر
يعيش لبنان اليوم مرحلة دقيقة وحسّاسة، وقد تكون الأخطر منذ انتهاء الحرب الاهلية وانتظام الدولة اللبنانية، بالحدّ الادنى، تحت مظلّة اتفاق الطائف. فمع استمرار العدوان الإسرائيلي وما يخلّفه يوميّاً من ضحايا ودمار، يبدو أن تأزم الوضع الداخلي بدأ يُلقي بثقله كتحدٍ على اللبنانيين أن يتعاطوا معه بعقلانية حتى لا يكون اليوم التالي للحرب هو اليوم الأول لبدء تصفية الحسابات داخليًا من هنا تبرز أهمية الحفاظ على الحدّ الادنى من الثوابت الوطنية، التي يُفترض ألاّ تكون محلّ خلاف بين اللبنانيين، كعاملٍ أساسيٍّ مطلوب لحماية السلم الاهلي في اليوم التالي .
ففي أي صيغة يرسو عليها اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب بين حزب لله وإسرائيل، يتم سحب عناصر حزب لله وسلاحه إلى ما وراء نهر الليطاني، وينتشر الجيش اللبناني بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” في المنطقة الفاصلة حتى الحدود اللبنانية الجنوبية، ويتولى الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها، بموجب القرار الدولي رقم 1701، ما يعني إقامة منطقة عازلة بين الليطاني شمالا والحدود الجنوبية، يحظر فيها وجود أي عناصر واسلحة للحزب، أو أية قوى أو مليشيات مسلحة غير شرعية، لأي جهة كانت، وهذا الواقع الجديد، يطرح جملة تساؤلات واستفسارات، عن الأماكن والمواقع التي سينقل إليها هذا السلاح، وما إذا كانت شمال الليطاني، أو الداخل اللبناني، والوظيفة الجديدة لهذا السلاح، بعد ابتعاده عن الحدود الجنوبية، وتقييده بسلسلة ضوابط، وموانع، ضمن الاتفاق المنشود، تجعل من استعماله ضد إسرائيل، في غاية الصعوبة، أو مستحيلا، لاسيما إذا كان الهدف الأساس إرساء الأمن والاستقرار لمرحلة زمنية طويلة، كما يروج في وسائل الإعلام .
بعد توقيع اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب لله، والمباشرة بتطبيق بنوده ميدانيا، لم يعد ممكنا الاستمرار باعتماد صيغة “الجيش والشعب والمقاومة”، كما كانت تُفرض في البيانات الوزارية السابقة بالقوة، بديلا من إقرار الاستراتيجية الدفاعية، ولإبقاء قرار الحرب والسلم بيد حزب لله، بعيدا عن أي مساءلة أو ضوابط قانونية، وفي خدمة مصالح إيران على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، بعد أن سقطت هذه الصيغة، جراء تفرد الحزب بشّنِ حرب المشاغلة ضد إسرائيل، تحت شعار التضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بمعزل عن موافقة الدولة اللبنانية، وفشل سلاحه في الدفاع عن لبنان وحمايته، وما تسبب به من خراب ودمار وخسائر بأرواح المدنيين والدورة الاقتصادية، ولم يعد بالإمكان تجديد اعتمادها، بالرغم من إصرار الحزب على لسان الأمين العام للحزب نعيم قاسم التشبث فيها، وطرحها في مسار المفاوضات الجارية للاتفاق على وقف إطلاق النار، وبعد تسلم الجيش اللبناني مهام الحفاظ على الأمن والاستقرار جنوبا. وهناك سبب إضافي، يعيق تجديد اعتماد صيغة “الشعب والجيش والمقاومة”، وهو رفض معظم اللبنانيين، لإبقاء سلاح حزب لله غير الشرعي، والإيراني التبعية، كما هو معلن متفلتا من أي ضوابط قانونية، وسيفاً مسلطاً على رقاب اللبنانيين، يهدد الأمن والاستقرار الداخلي، ويهيمن على القرار السياسي، ويتحكم بمؤسسات الدولة ومقدراتها، كما كان سائدا خلال العقدين الماضيين، ما لأدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وافلاسها، ودخول لبنان في سلسلة من الأزمات المتتالية، والفوضى وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية .
يتطلب اتفاق وقف إطلاق النار، البحث عن صيغة جديدة، لوضعية سلاح الحزب، تأخذ بعين الاعتبار كل سلبيات المرحلة الماضية، ومتطلبات المرحلة الجديدة، التي تختلف عن المرحلة الماضية، وتجنب تكرار أي صيغة قريبة اومماثلة، لكي لا تتسبب من جديد، بإدخال البلد في متاهات داخلية او خارجية، هو في غنى عنها، بعدما أثبتت الصيغة الثلاثية فشلها الذريع، ولم تعد صالحة للتعايش معها، أو التطنيش عليها من أي كان .
ختامًا أي اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار والتزام الأطراف بمندرجاته وبسقف الحد الأدنى حكمًا سيؤسس الى حقبة جديدة تخطها أول حكومة ستشكل بعد انتخاب رئيس للجمهورية متجاوزة معادلة “جيش وشعب ومقاومة” التي استمرت لفترة طويلة، وبالتأكيد لن يكون الواقع السياسي شبيهًا بما كان سائداً قبل (7 تشرين أول 2023)، كما لا يمكن التكهن بمدى احتفاظه بثقل دوره الداخلي الذي كان مسيطرا في كل الملفات الداخلية .