عملية التغيير في سوريا تتطلب احتضانا عربيا لنجاحها

عملية التغيير في سوريا تتطلب احتضانا عربيا لنجاحها

 أحمد مطر

        على ضوء التطورات الراهنة التي شهدتها سوريا ما بين عام 2011 وعام 2024، لقد تقطعت الأوصال والروابط بين مختلف المحافظات السورية، فبقيت دمشق تحت سيطرة نظام بشار الأسد فيما خضعت المحافـظات الاخرى لسيطرة إيران وروسيا وحزب لله، وتركيا والأكراد، وحصرت فصائل الثورة أو ما تبقَّى منها في محافظة إدلب بقيادة جبهة النصرة .

أعطى تدخل روسيا وإيران وحزب الله فرصة طويلة للنظام تقارب عقداً كاملاً للبحث عن حل سياسي للأزمة انطلاقاً من مندرجات قرار مجلس الأمن 2254، ولكنه رفض اعتماد أية مقاربة سياسية تقود إلى مصالحة وطنية .

وكان من المتوقع أن تطالبه الدول العربية، ومعها جامعة الدول العربية، بعد إعادة العلاقات والاعتراف بشرعيته بالبحث عن تسوية مع معارضيه تمهيداً لإعادة توحيد البلاد، والحد من النفوذين الروسي والإيراني. لقد ظن بشار الأسد بأنه يمكنه حكم سوريا مدى حياته، وأن يورثها لابنه، كما ورث حكمها عن والده حافظ الأسد مستنداً على قوة حلفائه من جهة، وعلى عنف أجهزته الأمنية وظلمها للشعب السوري، حيث زاد عدد المعتقلين في سجونها على 300 ألف سجين، هذا بالإضافة إلى قتل ما يزيد عن نصف مليون وتهجير 12 مليون مواطن سوري.

حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة فتح العلاقات مع بشار الأسد، وكان الجواب برفض القيام بأية خطوات لتحسين العلاقات أو اجتماع الرئيسين، مشترطاً انسحاباً كاملاً وغير مشروط للقوات التركية من المناطق التي تحتلها داخل سوريا. وكان الرد التركي بالطلب لفصائل المقاومة بقيادة “هيئة تحرير الشام” بالهجوم العام ضد قوات النظام، بدءاً من ريف إدلب وامتداداً إلى حلب وحماه وحمص، ووصولاً إلى العاصمة دمشق. وكانت نتائج الهجوم مذهلة ومفاجئة لجميع الدول ولحلفاء النظام روسيا وإيران وحزب الله، بعد أن سقطت دمشق وغادرها بشار يوم الأحد الماضي، وبعد 12 يوماً فقط من بدء الهجوم الصاعق، لقد انسحبت قوات الجيش السوري أمام قوات المعارضة دون أية مقاومة تذكر. وكانت خلايا الثورة النائمة ومعارضو النظام قد استولوا على مقاليد الأمور في السويداء ودرعا، وبدأوا الإعداد للتوجه إلى دمشق.

جاء هذا السقوط السريع للنظام نتيجة مجموعة من الأسباب أبرزها:

– قيام إسرائيل بمئات الغارات خلال سنتين داخل سوريا، مستهدفة حزب الله والقوات الإيرانية من أجل إضعافها، وتدمير شحنات الأسلحة القادمة من إيران لدعم ترسانة الحزب. ولم تنجح مواقع دفاعية وعسكرية تابعة للنظام من منع هذه الغارات.

– الحرب بين إسرائيل وحزب الله، التي أدت إلى خسارة الحزب للقسم الأكبر من ترسانته الدفاعية والهجومية، مع تسجيل فشل إيران في الدفاع عن الحزب بصورة فعالة أو حاسمة.

– إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان بفعل خسارة حزب الله الحرب مع إسرائيل، ونتيجة الاستهدافات الإسرائيلية للقيادات الايرانية لقواتها داخل سوريا.

– فشل الرئيس الأسد في تقبّل المطلب التركي للحوار والبحث عن تسوية مشرفة لكل الأطراف.

انشغال روسيا كلياً في الحرب في أوكرانيا وسحب قسم من القوات الروسية من قاعدة حميحيم.

ضعف معنويات الجيش السوري وتدني الرواتب في ظل أزمة اقتصادية خانقة.

كان من الواضح أن هجوم فصائل المعارضة على قوات النظام قد جرى بدعم تركي وأوامر تركيا المباشرة، وكانت تركيا قد ساعدت بشكل كبير في إعداد قوات المعارضة للهجوم.

لكن لا بد من الاعتراف بأن قوات المعارضة بقيادة أحمد الشرع أبو محمد الجولاني قد نجحت في إسقاط النظام، وهرب الأسد دون أية مساعدة من الخارج، محققة بذلك كل أهداف الثورة، في النهاية استولت قوات المعارضة على جميع المدن التي ساهمت في تحريرها القوات الروسية والإيرانية بعد معركة طويلة ومريرة، واستعادتها قوات المعارضة بسرعة، غير متوقعة. وسيترك هذا الإنجاز مفاعيله على كل الأزمات التي تواجهها الدول العربية.

نجحت فصائل المعارضة السورية في رهانها على ضعف الجيش السوري، وعلى عدم توفر الإرادة للقتال لإنقاذ النظام، كما صحت توقعاتها بسقوط كل الدعم الروسي والإيراني للنظام، أو المشاركة في الدفاع عن المدن الرئيسية التي أُسقطت تباعاً. في نفس الوقت نجحت القوات الديمقراطية الكردية، والمجلس العسكري للعشائر العربية في إقناع قوات النظام بتسليمها جميع مواقعها في محافظة دير الزور، بما فيها الممر الاستراتيجي في أبو كمال.

وبالرغم من سرعة قلب النظام وسيطرة قوات الثورة على العاصمة، فإن سوريا ما زالت تواجه حالة من عدم اليقين، وذلك نتيجة انهيار الجيش والقوى الأمنية وضعف إدارات الدولة وفسادها.

ولا بد في هذا السياق من التحذير من العداء والانتهازية التي تظهرهما إسرائيل، والتي يمكن أن تؤدي إلى خلق حالة من الضغط وعدم الاستقرار لإفشال الحكومة الجديدة.

أهمل الغرب لسنوات طويلة دوره في دعم الاستقرار والتغيير في سوريا، ظناً منه بأن حكم الاسد متمكن من الاستمرار في حكم سوريا. وفي هذا السياق يمكن القول إنه قد حان الوقت للعودة والتدخل لأجل الاستقرار وتحقيق انتقال سلمي للسلطة الجديدة. أما في لبنان فلا بد من تحذير السلطات من مخاطر فلتان الوضع في سوريا مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر على أمن لبنان.

إن نجاح قوات الثورة والحكومة المؤقتة المنبثقة عنها في قيادة سوريا، نحو بناء دولة مستقرة وديمقراطية، سيشكل دون شك تلك اللحظة المؤاتية لاستقرار لبنان واستعادة سيادته من خلال التخلص من سلاح حزب الله، وبالتالي بناء دولته الرشيدة وإعادة بناء اقتصاده وازدهاره.

وختامًا، يبقى السؤال الأساسي هل نحن أمام اللحظة المؤاتية لقيامة لبنان.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني