عون – سلام: نجاح “ثورة 17 تشرين”!؟

عون – سلام: نجاح “ثورة 17 تشرين”!؟

سمير سكاف

          كررت عشرات المرات في السنوات الماضية أن “ثورة 17 تشرين” سوف تنجح بعد خروجها من الشارع! وأن ما زُرع من أفكار سيكبر وسيتحقق!

اعتقد معظم الناس، ومعظم السياسيين أن الخروج من الشارع يعني أن الثورة قد انتهت. في حين كنت أصحح لهم بالقول إن الموجة الثورية الأولى انتهت عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، ولكن الثورة لم تنتهِ بعد!

قال لي الكثيرون إن الثورة انتهت مع وصول 13 ثم 12 نائباً… فقط! فالكل كان يعتقد، في الثورة وفي خارجها، قبل الانتخابات وخلالها أن الثورة ستحصل على نائبين على الأكثر، في حين أنني كنت أؤكد لهم إمكانية حصول الثورة على 35 إلى 40 نائباً. أي حوإلى ثلث المجلس النيابي!

وبالفعل حصلنا على عدد أصوات تفضيلية تخولنا، كثورة، الحصول على 35 إلى 40 نائباً. ولكننا فشلنا في ترجمة الأصوات إلى مقاعد، بسبب تشتت الأصوات على لوائح متعددة.

وكنت قد حاولت شخصياً، مع فريق “اتحاد ساحات الثورة”، وهي أكبر مجموعات الأرض في الثورة، توحيد اللوائح في كل لبنان بإجراء أكثر من 100 اجتماع وورشة عمل في كافة المناطق، وبتمويل ذاتي. وحققنا بعض النجاحات في بعض المناطق، وفشلنا في معظمها في توحيد اللوائح!

إرادة وهدف توحيد الثورة وتوحيد اللوائح الانتخابية جعلتنا كفريق وكقادة رأي نرفض أن نترشح لنقنع الباقين يومها أن الترشح لم يكن هدفاً، بل وسيلة. وأن الكرسي النيابي ليس هدفاً بل وسيلة تغيير! وكنا قد رفضنا مواقع هامة أخرى لأن وسائل التغيير فيها لم تكن متوفرة!

ومع ذلك، ومع وصول نواب التغيير، الذين فشلوا في العمل كمجموعة واحدة، سمعت الكثير أيضاً، ومن جديد، أن “ثورة 17 تشرين” قد فشلت! طبعاً، لم يكن الأداء الجماعي لنواب التغيير مرضياً. وساده انقسام محبط. ولكن خطأ بعض اللبنانيين كان في تقزيم الثورة إلى مقاعد نيابية أو وزارية..!

رأى البعض في “ثورة 17 تشرين” حركة فوضوية! لا بل حمّلها بعض “الأغبياء” (كي أبقى مهذباً) أسباب الانهيار المالي للبنان!!! ولكن الواقع هو أنها هي التي كشفت الفساد والفاسدين الذين سرقوا ثروات الوطن ونهبوا أموال الناس وسرقوا ودائع اللبنانيين (وغير اللبنانيين) وحولوها إلى الخارج… والسارقون هم من السياسيين والمصرفيين ومن أصدقائهم من التجار والمتعهدين… هؤلاء هم سبب الانهيار المالي للبنان بشكل أساسي، وليس من كشفهم! وليس الذين لم يسرقوا!

لم تكسر الثورة “السلمية” (وقد عابها الكثير سلميتها بالقول لنا آلاف المرات “ما في ثورة بلا دم”!)، لم تكسر شيئاً، سوى بعض “البلاط” وقليل من زجاج واجهات المحلات… ولا شيء يشبه دمار وتفجير أهل السلطة أو بعضهم للمرفأ ولبيروت مع ضحاياه! تفجير وضحايا وأهالي ضحايا يحتاجون، وبسرعة، إلى تحقيق وحقيقة وعدالة!

عاب الكثيرون على الثورة أن الأحزاب “ركبتها”! أو أن الأحزاب صنعتها! أو أنها فشلت بعد انسحاب الأحزاب منها!

فكيف يكون ذلك؟! وقد أحرزت قوى الثورة والتغيير في الانتخابات النيابية الأخيرة عدداً من الأصوات يفوق عدد أصوات حزب الله والتيار الوطني الحر معاً ويفوق ضعف عدد أصوات القوات اللبنانية وضعف عدد أصوات حركة أمل وأكثر من 5 أضعاف أصوات الحزب الاشتراكي… وعشرات المرات أصوات بعض الزعماء والأحزاب الأخرى!

إن “ثورة 17 تشرين” هي حركة شعب، وشعب كثير، وهي أكبر من المساحة الزمانية، القصيرة حتى الآن.

زرعت ” 17 تشرين” أفكاراً وجدها اللبنانيون في خطاب قسم الرئيس جوزاف عون، وستجسدها دولة القانون مع الرئيس المكلف للحكومة نواف سلام، بشرط تعاون الجميع!

 

ولكن الأهم أن هذه الافكار ستنمو في أجيال جديدة، ستعمل على مساءلة كلن يعني كلن! وستنجح في بناء دولة مدنية مبنية على دولة القانون والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على ثروات الوطن، وعرضاً استعادة الأموال المنهوبة والودائع المسروقة… بالكامل! وأستطيع أن أقول بثقة من موقعي النضالي… “بالكامل”!

اتهم كثيرون الثورة أنها تُحرك من السفارات. أو أنها تقبض من السفارات. أو أنها حصلت بتمويل السفارات! وكل ذلك، وعلى الرغم من محاولات السفارات للتدخل، لم يكن صحيحاً، من جهة الثورة على الأقل!

في الواقع، لم يكن هناك بين قيادات الثورة “على الأرض” من قبض قرشاً من السفارات، سوى استثناء ما. وان كان بعض “تابعي السفارات” قد شاركوا بين الجموع!

كل ذلك، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي كان قد أرسل ماكرون لتثبيت السلطة الفاسدة في وجه الثورة بدلاً من أن يدعمها. وهو ما شكل طعنة قاسية جداً للثورة ولناشطيها، مقفلة أفق أي تغيير سريع للواقع (غير دموي على الأقل)!

سألني الكثيرون البارحة واليوم لماذا سميت نواف سلام آنذاك لرئاسة الحكومة؟ يوم لم يكن أحد في لبنان كان قد طرحه بعد ليلعب دوراً سياسياً؟!

الجواب في الواقع، هو أنني بحثت غداة استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري عن شخصيات سنية يمكنها أن تتحمل هذه المسؤولية، وخاصة بين رجال القضاء وضباط الجيش والقوى العسكرية… واقترحت في حلقة تلفزيونية على شاشة  MTV، في تشرين الثاني 2019 (على ما أذكر)، 3 اسماء لم تُطرح من قبل لرئاسة الحكومة. بينها القاضي نواف سلام والجنرال نزار عبد القادر… (كما اقترحت لاحقاً اسم عميد محاربي الفساد في لبنان الحالي الدكتور اسماعيل سكريه!)

موضوع واحد كنت أرفض التطرق له على شاشات التلفزة خلال مئات المقابلات والتصاريح التي أُجريت معي أو أعطيتها خلال النشاط الثوري الميداني. وهو: كيف حققت الثورة الفرنسية أهدافها؟ وهي التي يعتبرها الكثيرون أنها غيّرت التاريخ!

كنت أخاف أن أقول لجمهور “ثورة 17 تشرين” إن الثورة الفرنسية احتاجت لحوإلى 81 سنة لتصل إلى أهدافها في ما يُعرف بالجمهورية الثالثة في فرنسا؛ أي من عام 1789 إلى 1870! وأن أول ثمار الثورة الفرنسية كان نابليون بونابرت، أي أشهر الأباطرة في التاريخ، وليس الديمقراطية… كنت أخاف أن أحبطهم بعامل الوقت. وكنت أدرك أن ثمار “ثورة 17 تشرين” تحتاج لمزيد من الوقت. ولكن الزرع كان ضرورياً، لكي يكبر ويثمر، ولو بعد حين!

عندما لم ننجح في تمرير وترجمة أفكارنا بشكل عملي في السنوات الماضية قال الكثيرون إن “ثورة 17 تشرين” قد فشلت. اليوم وقد أصبحت أفكار الثورة خطاب قسم للجمهورية، وقد وصل من رأته الثورة قبل الجميع صالحاً لرئاسة الحكومة… هل يعترف هؤلاء اليوم إن أفكار “ثورة 17 تشرين” بدأت بالنجاح وبتحقيق وعودها؟ هل يعترفون أن أفكار الثورة هي التي أقنعت المجتمع الدولي بالتغيير والتطوير، ولو بعد حين؟!

في فترة زمنية قصيرة، أنظمة سقطت. ومحاور تتساقط. وحقوق الشعب اللبناني عادت لتزهر ولتزدهر. وجدار نهر الكلب ينتظر لوحة توجز بكلمات مرور الساقطين إلى تاريخ مضى، في حين أنه هو بقي صامداً في النهاية!

تحتاج المرحلة المقبلة إلى ظروف مؤاتية لقيام لبنان، بعيداً عن مخالب حرب لا تزال تتربص به!

ويحتاج لبنان اليوم إلى فريق عمل من “المناضلين”… “الأوادم” والأكفاء! وعندها يكون الباقي بكل ملفاته الصعبة من التفاصيل!

لم تكن “ثورة 17 تشرين” تريد أن ينتصر فريق لبناني على فريق آخر، بل أن تنتصر مع كل اللبنانيين ولكل اللبنانيين، وأن يساهم الكل ببناء الدولة. وإن كانت، عملت على، وأرادت انتصار “الأوادم” على الفاسدين، ومحاسبتهم! فهي تريد للجميع الانتصار، رافضةً أن يكمل البعض بالانتحار!

إن قطار “ثورة 17 تشرين” الذي إنطلق في العام 2019، يمر اليوم بمحطة تحمل أملاً مفرحاً في زرع “تشريني” ينمو! وهو سيجتاز حاضر هذه المرحلة باتجاه مستقبل واعد؛ ليشع لبنان من جديد بإرثه الثقافي وبثرواته الفكرية والطبيعية، وليحوّل لبنان من مزرعة للفساد إلى دولة، ومن بلد إلى وطن!

Visited 6 times, 6 visit(s) today
شارك الموضوع

سمير سكاف

مناضل وناشط سياسي