فيلم “أبي لم يمت” وسؤال القطيعة مع واقع الاستغلال والاضطهاد
أحمد حبشي
فيلم يوثق لحقبة من المحطات التاريخية التي عرفها المجتمع المغربي، والتي اتسمت بعدة ملابسات وتضارب الرهانات بخصوص تجاوز مرحلة ما بعد الاستقلال والتخلص من هيمنة الأجنبي.
هي حكاية جيل، أو تفاصيل مرحلة اتسمت بعنف وتحديات واثقة، لتجاوز واقع مثقل بمخلفات الفعل الاستعماري وارتداداته المؤثرة في بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية، لها سياقها وعوامل تطورها في مسار تاريخي خاص.
مالك الطفل الذي تحمل أعباء البحث عن والده المختطف، يقف على حقائق المعاملة القاسية التي يتعرض لها عمال السيرك والاستغلال الذي يصل إلى حد الاستعباد، كل ذلك والناس تقيم الحفلات احتفاء بالعهد الجديد، حيث تم التخلص من سيطرة الأجنبي واستعادة بعضا من السيادة في تدبير شؤون البلاد.
هكذا يفتح الفيلم نوافذ على واقع شديد التعقيد، ظل فيه لأجنبي يحتل مكانة تأهله للتمادي في الاستغلال وممارسة كل أشكال الهيمنة وعلى أكثر من مستوى.
حركية الطفل قادته للوقوف على أكثر من حقيقة، وعناده في مواصلة الكشف عن ملابسات اختطاف والده، أثار انتباه شاب، قادته سوء معاملة مشغله إلى نوع من التمرد جعله يقف هو الأخر على حقيقة الوضع العام وما يتعرض له كل من سولت له نفسه الخوض في الشأن السياسي وقضايا الحقوق. هكذا سيجد نفسه هو الآخر محاصرا مع آخرين، ليجد نفسه وجها لوجه أمام قساوة السلطة في معاملة المعارضين.
مشاهد التصدي العنيف للمتظاهرين بالشارع المحتجين على تدهور الأوضاع وانسداد أفق التطور لما هو أحسن، الاحتجاز في فضاءات بهدف الإذلال وفرض الاستسلام.
يتزايد ضحايا المرحلة وتتطور أشكال ردات الفعل بصيغ مختلفة. يهدم السيرك بعد أن يشنق صاحبه، يتحرر العاملون به وتحتد المواجهات للحد من كل أشكال الاستغلال، يستسلم الأجنبي بعد أن يواجه بعنف لفظي للحد من سوء معاملته واستغلال إمكانياته وموقعه كصاحب نفوذ وجاه.
هكذا تحتد المواجهة فيتم اغتيال أحد المسؤولين في جهاز القمع عماد التسلط والاستبداد. تهل لحظات استعادة الحياة الكريمة والحد من كل أشكال التعسف والاضطهاد.
أطوار الفيلم ونهايته، تحيل على لحظات مجتمعية عرفها المجتمع المغربي، كان لها الأثر البالغ على الأفراد والمجتمع، كان لها ضحايا وتركت أعطاب، لم تكن الإشارة فقط إلى الواقائع والأحداث في تفاصيلها، أكثر مما كان تمثلها والإيحاء بأجوائها وما كان لها من تأثير على المجتمع والأفراد.
غير أن السؤال الذي بقي عالقا ومفتوحا على مختلف زوايا النقاش.. هل فعلا تم القطع نهائيا مع ما كان سائدا، من أجواء العسف والتنكيل، فضلا عن شدة القسوة في المعاملة والتهميش؟ أم ان مظاهر متعددة تحيل على تبعات المرحلة ظلت قائمة وأن بصماتها ما زالت شديدة التداول في بعض أشكالها؟
الفيلم في تركيبة مشاهده الفنية وتطور أحداثه، ساهم في إثارة الانتباه حول نقاش تناول حقبة عرفت بأحداث دامية وتداعيات كان لها الأثر البالغ على المستوى السياسي والمجتمعي. فهو استقراء يستبطن ما حدث من زاوية نظر خاصة، تكشف فظاعة الحقبة وسوداوية أحداثها، كما يعلن نهايتها بما يعني شساعة مجال الحريات واستكمال كل شروط العيش الكريم. وهو بذلك يفسح المجال على أكثر من مجال ووقائع لاستقراء ما يعرفه المجتمع على مستوى مختلف علاقاته وردود فعل السلطات بحصر مجال الحريات والحد من مجال الفعل المستقل وتداعيات مختلف الإجراءات وعلى أكثر من مستوى.
لابد من التنويه بالأداء العام للمثلين والطاقم التقني، لقد كان أداء الطفل مالك مبهرا في تمرده وعناده، بما أقنع بمحورية دوره في بلورة نقطة التحول الكبرى في سلوك العاملين بالسرك وردة فعلهم في تجاوز واقع الاستغلال والاضطهاد وهضم الحقوق.