بينهما برزخ لا يفرحان

بينهما برزخ لا يفرحان

لحسن أوزين

      الرّجل هو الذي استيقظ باكرا.
نظرت إلى زوجتي وهي لا تزال بجانب الطفل تغط في نوم عميق وإن كنت أشك كثيرا في ذلك النّوم الثقيل. فوجئت بالماء المتسرّب من الصنبور. 

كيف ومتى ومن تركه مفتوحا بهذا الشكل؟
أم أن الأمر حدث بشكل تلقائي، لأنّ هذا الصنبور لم يمر يومان على إصلاحه.
ما كاد الرّجل ينتهي من إصلاح الصنبور حتى استيقظت زوجته.كنت متعبة ومرهقة بسبب نومي المتقطع إلى جانب التأثير السيئ لأحلام اليقظة، وأنا أغازل العشرات من الأفكار التي تختنق سريعا وتصاب بضيق التنفس، كلما ارتطمت عيني بسقف الغرفة، وبجثة هذا الرّجل الممدد بجانبي، كلعنة الحرمان وإفلاس جنة العشق الطبيعي… عندما أعياه الحاسوب قرر أن يتبع زوجته إلى فراش النوم. 

لم أكن أشعر برغبة النوم لكن كنت منهكا في أعماقي، لهذا تمددت بقربها فشرعت في ملامستها بمرونة بالغة، استجابة لها بسرعة. لم تكن شهوة الجسد هذه المرة هي الدافع الكامن في أعماقي. صحيح بأن ظهرها، صدرها، وكل تضاريس جسدها كانت ملساء ومغرية إلى حد الجنون. في لحظة خاصة كدت أقول لها إنّي أشعر برغبة عميقة في الالتحام بك ومنحي صدرك بصدق للبكاء. أي أن تساعدني على إخراج كم هائل من البكاء الذي اختنق في أعماقي كأسياخ النار.
لم يحدث ما كان يرغب فيه الرّجل، ولا تحقق ما كانت تفكر فيه المرأة. استسلما معا بروتينيّة باردة مقزّزة لمتطلبات القذف الجنسي.في الوقت الذي أنهت المرأة إعداد الفطور كان الرجل قد عاد من عند البقال، وقد ابتاع خبزا وقطعتي جبن، واحدة للمرأة والأخرى للطفل، لأن الرجل نادرا ما يتناول مشتقات الحليب والألبان.
تتبعت حركات المرأة المحرجة بعد أن أنهت وضع الجبنة الأولى داخل قطعة صغيرة من الخبز للطفل. خمنت بأنها محرجة وتشعر بالكثير من التردد، وهي موزعة في داخلها بين الانفراد بالجبنة الثانية أو اقتسامها معي.زجرت في نفسي سوء التأويل وأنا أرى كيف قسمتها إلى جزأين متساويين. لكن عندما مدت الجزء الأول من على طرف السّكين تأكّدت من شكوكي في ترددها الغاضب في أعماقها، ومع ذلك زجرت نفسي مرة ثانية بلوم عنيف، ونحيت جانبا سوء شكوكي الخبيثة، فقلت في نفسي لن أرد هذه الالتفاتة الجميلة في وجهها، فبسطت يد حب شحاذ كبير أهلكته جراح عشق في طوارئ قصوى.ما كدت ألمس قطعة الجبن الصغيرة حتى صرخت في وجهي لماذا لم تشتر ثلاث قطع؟ كانت تنتظر رفضي لعرضها الزائف، لكنها فوجئت بقبولي نزع القناع، فانتصرت شكوكي كالعادة، وخيب طيف الحب الهارب ظنوني الجميلة؟ لذلك قذفت بتلك القطعة الصغيرة جدا من الجبن عبر النافذة العفيفة التي كانت تعري أمامي صدرها بكل سخاء، للتخلص من اختناق الحب بقناع الجبن.

أعرف أنه لا يتناول هذه الأشياء التي يراها مناسبة للأطفال فقط. لكن كنت مضطربة بسبب رغبتي في التهامها وحدي، فقطعة الجبن صغيرة لا تكفي لشخص واحد، ناهيك عن اقتسامها مع أحد آخر. رغم أنّني تعمّدت تقسيمها إلى نصفين فقد كنت أنتظر رفضه لها كعادته في عدم تناول هذه الشّكليات كما يحب أن يردّد. 

حركاتي كانت واضحة وقرأت ذلك في عينيه. لكن ما الذي جعله اليوم يقبل بفرح عارم هذا العرض الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟
فرح الرّجل لأنّه لم يطلب منها أن تمنحه صدرها بسخاء إنساني، لتحرّر رغبته في البكاء المخنوق في داخله.
فرحت المرأة وباركت ملائكة أحلامها المفقودة في بخل هذا الرّجل الحالم بحب يختبئ في اقتسام قطعة جبن صغيرة…

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

لحسن أوزين

كاتب مغربي