الحكي المنسي عبر الأثير.. احتفاءً بالإعلام المسموع في اليوم العالمي للإذاعة
![الحكي المنسي عبر الأثير.. احتفاءً بالإعلام المسموع في اليوم العالمي للإذاعة](https://assoual.com/wp-content/uploads/2025/02/Lhistoire-oubliee-en-direct.jpg)
متابعات:
احتفاء بالإذاعة في يومها العالمي، وإيمانا بدورها الريادي في صون الهوية الثقافية وتعزيز التراث الشعبي المتنوع النابض بروح المجتمع، نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بتنسيق مع بلدية برشيد يوم الخميس 13 فبراير 2025 على الساعة العاشرة صباحا بفضاء مقهى ومسبح الشاوية ببرشيد، لقاء احتفائيا بالإعلام الإذاعي من خلال برامج أسمعَتْ صوت المنسيين والبُسطاء وتفاعلت مع قضاياهم وانشغالاتهم، خاصة برنامج “ريحة الدوار” للإعلامي محمد عاطر، الذي ظلَّ يقتفي أثر التراث المغربي ويتعقبه في كل صوبٍ طيلة خمسة عشر عاما من البحث والنبش في ذاكرته الغنية والمتعددة.
شهد اللقاء حضور نخبة من الباحثين والإعلاميين والمتخصصين في التراث والإعلام، ناقشوا دور الإذاعة البناء والمؤثر في التعريف بالتراث المغربي ومُساءلته وحفظه، ونقله لمختلف فئات المجتمع وأجياله.
![الحكي المنسي عبر الأثير](https://assoual.com/wp-content/uploads/2025/02/13-فبراير-25-300x300.jpeg)
وفي كلمة شعيب حليفي مدير مختبر السرديات والخطابات الثقافية، أشار إلى اهتمام المختبر بالتراث الشعبي الزاخر والمتنوع، وسعيه الدائم إلى النبش فيه والتعريف به وتوثيقه باعتباره ذاكرة شعبية سخية بعطاءاتها وقيمها التي تمتزج فيها العناصر الذاتية والجمعية، كما أشار إلى دور الإذاعة من خلال برامجها في مواكبة أصوات المثقفين وإفساح المجال لإسماع صوت البُسطاء والفلاحين ومختلف شرائح المجتمع.
بعد ذلك، تحدث الأنثروبولوجي حسن رشيق في مداخلته عن تجربته في الأنثروبولوجيا الممتدة لأكثر من عشرين سنة، وقدم الفروق الممكنة بين الأنثروبولوجي الذي يُحسنُ الإصغاء ولا يقاطع الناس، وبين المشتغل في ميدان الفكاهة الذي يكمل القصة مع المتدخلين، وأشار إلى أهمية التعابير الصغيرة التي يشتغل عليها الأنثروبولوجي، كما بين دور الثقافة في الحفاظ على الهوية وعلى الدارجة المغربية، ودعا إلى احترام الثقافة البدوية والإصغاء لصوت البادية.
أما الروائي عبد الكريم جويطي فقد اعتبر في مداخلته، بأن الكاتب يحتاج أشكالا من الاعتراف، والإذاعة تتيح له هذه الاعترافات التي ستظل وثائق حية للأجيال اللاحقة، وكشف عن طبيعة البادية المغربية التي أنشأت الحاضرة وساهمت في إرساء الثقافة العالمة، مستدلا ببعض مثقفي وشعراء البادية، ولغتهم العربية الفصيحة وجزالة ألفاظهم، مستعرضا التحول الذي طرأ على البادية المغربية بفعل عامليْ التحول السريع والهجرة إلى أوربا التي أفرزت عقليات جديدة، داعيا إلى الاعتراف بثقافة البادية والاهتمام بها.
واستهلت الجلسة الثانية بكلمة الإعلامية اسمهان عمور، التي أبرزت دور الإذاعة في التثقيف والترفيه، وأشارت إلى برنامج “حبر وقلم” الذي كان يحضن الجميع وينصت إلى كل الأصوات الوطنية، كما أبرزت دور الإذاعة الأمازيغية التي قدمت حكم المعيش اليومي والأمثال وطقوس الحياة المتعددة لفئة واسعة من المجتمع.
تلت هذه الكلمة، ورقة الباحثة عائشة بوزرار الموسومة بـ”الأمل من صميم الألم؛ رؤية جديدة للحياة” قدمت فيها كتاب “نكاية في الألم” للإعلامية اسمهان عمور، باعتباره نصا يسلط الضوء على كيفية تأثير الفقد على الهوية الشخصية والاجتماعية، تصف الكاتبة هذا الصراع الهوياتي باعتباره معركة في حلبة، فتسعى بكل قوتها لمواجهته، من أجل محاصرته والتغلب عليه، وهو ما يضفي عمقًا إنسانيًا على تجربتها،
إذ عبر هذه المجابهة، تبرز اسمهان كفنانة تمتلك الوعي الكامل بعواقب الألم، مستعرضة تفاصيل مؤلمة مثل مرض القلب، ووفاة فنانين أو زملاء في المهنة، وفقدان الأب والتنقلات المتكررة، كلما تعلق الأمر بأمكنة أصابها التلف، رغم ظروفها الصحية ، فقوة الكلمة وتأثيرها في استكشاف تجارب الحياة الصعبة ، شكلت شخصية منتصرة للقيم والحياة.
وفي ورقتها الموسومة بـ”اولاد احريز مع عاطر عبر الأثير”، عرفت الباحثة زينة إبورك بالتراث الثقافي اللامادي، وأبرزت تجلياته ونقلت جوانب من التراث الثقافي المادي للقبائل والدواوير التي ييمم الفنان عاطر وجهته إليها، ومنها اولاد احريز، لهذا اختار الفنان عاطر أن يتوجه إلى جد الحريزين سيدي عمرو بلحسن مستكنها أسرار هذه العلاقة وهناك حاور السيد لحسن بن صالح بن محمد بن احمد بن الشهيب، هذا الاسم الأخير اعتبره عاطر بوصلة تقوده لمعرفة الصلة بينه وبين نفس الاسم المتواجد ببرشيد ليعلل السيد هذه العلاقة قائلا هذا جده وانتقل من برشيد رغبة منه في خدمة جده سيدي عمرو بلحسن، وخلُصت الباحثة إلى نجاح برنامج “ريحة الدوار” في تسليط الضوء على خصائص التراث الثقافي اللامادي وقد عزز هذا الدور الإذاعي و لغة الفنان عاطر الذي تفنن في خلق تواصل فعال مع ساكنة الدواوير التي حل بها.
وفي هذا السياق من الاحتفاء بالإذاعة والإذاعيين، قدم الناقد سالم الفائدة شهادة اعتراف في حق الإعلامي حسن العمراوي آثر لها عنوان “تأملات في سيرة إعلامي عاشق للمكروفون والوطن”، مشيدا بمسار إعلامي جعل من الإذاعة حياته ومن المكروفون رفيق دربه، ومثمنا بدوره في نقل الثقافة الشعبية بعدها نبض الحياة الذي يربطنا بجذورنا ويشكل هويتنا، وفي نقل صوت الحرفيين الذي جعله منبرا يحكي تاريخ فنون تحمل عراقة وحكايات ترويها الأجيال على مر التاريخ.
وحول موضوع دور الإذاعة في تثمين التراث الثقافي اللامادي بقبائل امزاب من خلال برنامج ريحة الدوار،قدم الباحث ياسين ماروسي ورقته التي تتبعت مظاهر إبراز هذا التراث في الحلقات المسجلة بالمجال الجغرافي المزابي، ورصدت الخلفية المعرفية التي اتبعها مقدم البرنامج الذي كان يعمد إلى توجيه ضيوفه إلى الحديث عن التراث الثقافي بالمنطقة، وقد توقفت الورقة كذلك عند الشروط التي مكنت من نجاح البرنامج واستمراريته، مع التأكيد على دور الإعلام في تثمين التراث الثقافي والاستفادة منه في عملية التنمية بالمنطقة، كما أبرزت الورقة أهمية هذه البرامج في تزويد الباحثين في التراث الثقافي بمادة غنية ومتن تراثي مهم يمكن استثماره في بحوثهم الميدانية التي لا تخلو من صعوبات ومشاق.
واختتمت فعاليات هذا اللقاء، بتكريم عدد من الإعلاميين والمثقفين الذين ساهموا في نشر الوعي بأهمية الثقافة المغربية، وهم؛ أسمهان عمور، شعيب حليفي، عبد الكريم جويطي، والحسين العمراني الذي استحضر لمحات خاطفة من تجربته الإعلامية الثرية، الحافلة بصنوف شتى من التراث الثقافي والحاملة لأصوات المغاربة وانشغالاتهم.