المصانع العراقية بين ثقة المواطن والإقبال على المنتجات المحلية

المصانع العراقية بين ثقة المواطن والإقبال على المنتجات المحلية

عقيل وساف

              يحكي صاحب أسواق للمواد الغذائية في بغداد أن المنتج الغذائي العراقي بات يحتل صدارة رفوف بضاعته، بل إن المستهلك أصبح يبحث عن المنتج الغذائي العراقي، فإذا وجده اشتراه، وإذا لم يجده يغادر دون أن يأخذ بديلاً، وهكذا ينسحب الأمر على الكثير من الصناعات، وتأتي في مقدمتها الألبان.

لكن الأكثر غرابة هو أن المستهلك العراقي، الذي كان يضع ثقته بمنتجات ليست على قائمة الاستهلاك العراقي أساسًا، مثل القهوة المعبأة، بات الآن يطلب الأنواع المعبأة في العراق تحديدًا، رغم وجود عشرات الأنواع المستوردة لشركات عالمية معروفة، حيث يرى المستهلك العراقي أن المنتج المحلي يتمتع بالجودة والموثوقية والوزن الوافي، على عكس المستورد الذي تتباين نوعيته حتى لو كان من شركات معروفة.

يقول صاحب المتجر إن القطاع الخاص شهد في الآونة الأخيرة نشاطًا في استراتيجية التعبئة في الداخل، فمثلًا القهوة باتت تُستورد من أفضل المناشئ غير معالجة أو غير معبأة، ثم تُعبأ في معامل محلية في بوب الشام، أما الألبان فقد شهدت طفرة نوعية بين مختلف المحافظات، وطغت على المنتجات المستوردة من الأردن وتركيا وإيران والسعودية والكويت ومصر، ناهيك عن دول أوروبا وآسيا وأفريقيا.

إن معظم المعامل في بغداد تقع في منطقتي بوب الشام وجميلة الصناعية، والدليل على ذلك التقرير الذي قدمته مجموعة عراق بلاست وجروب باك العالمية، التي أقامت معرضًا في أربيل خلال تشرين الثاني الماضي، حيث رصد التقرير توجه العراق نحو تنمية القطاعات الغذائية والتعبئة والتغليف. وقد شهدت الواردات العراقية من تكنولوجيا الأغذية والتغليف ارتفاعًا بمعدل نمو سنوي قدره 15.4% بين عامي 2015 و2023، حيث ارتفعت من 76 مليون يورو إلى 239 مليون يورو، مما يجعل العراق ثالث أكبر مستورد عربي في الشرق الأوسط بعد السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ووفقًا لمنظمة VDMA للمصانع والأدوات المنتجة في هذا المجال، فإن هذه الواردات تسهم في تمكين العراق من تطوير وتنويع إنتاجه وزيادة صادراته والاستغناء عن استيراد السلع الاستهلاكية، كما أن هناك تقارير عالمية ترصد توجه القطاع الخاص في العراق نحو إنتاج الصناعات الغذائية محليًا، بل ونمو صادراته في هذا المجال.

ويعود السبب في ذلك إلى المرحلة التي يمر بها البلد من تغيير النظام، بالإضافة إلى تجربة المواطن العراقي للمنتج المحلي، والتقارير الصادرة من المستشفيات العراقية ومنظمة الصحة العالمية، التي تؤكد أن أغلب المنتجات المستوردة تحتوي على مواد مسرطنة. على سبيل المثال، الحليب المستخدم في بعض الصناعات يكون في كثير من الأحيان منتهي الصلاحية وغير صالح للاستهلاك، وهذا ما دفع المواطن العراقي إلى الإقبال على المنتجات المحلية، خاصة بعد ظهور مصانع حديثة تعمل بخطوط إنتاج متطورة.

ومن المنتجات المصنوعة محليًا: الآيس كريم، منتجات اللحوم، الكيك، رقائق البطاطس (الأجباس)، وغيرها من المنتجات الخاضعة للسيطرة النوعية العراقية. علاوة على ذلك، فإن معظم المصانع العراقية حاليًا تصدر بضاعتها للخارج بسبب جودة التصنيع العالية، ومن أبرز المنتجات المصدرة: منتجات “فستقه”، “الملوية”، و”كرونجي”، التي تُصدر حاليًا إلى روسيا ورومانيا نظرًا لمواصفاتها العراقية عالية الجودة. وقد كان لهذه الجودة دورٌ في الإقبال الكبير على البضاعة العراقية، وبخاصة منتجات الألبان المتوفرة في جميع الأسواق العراقية.

بالمقابل، تواجه البضاعة المحلية معوقات عديدة وحقيقية، أبرزها انفلات الحدود، وهو ما تعاني منه المصانع المحلية، بالإضافة إلى مشاكل الكهرباء، حيث تحتاج المصانع الكبيرة إلى طاقة كهربائية تتراوح بين 500 – 700 كيلو فولت، وهو ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وتشغيل المصانع المحلية بكامل طاقتها.

إن مبادرات رئيس الوزراء العراقي لتحسين قطاع الكهرباء، وتوفير القروض، ودعم القطاع الخاص، مستمرة، وتسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات وتطوير البنى التحتية لدعم هذه المشاريع، كما أن قرار تمليك الأراضي الزراعية التي تُقام عليها المصانع، إلى جانب الاتفاقيات التي أبرمها رئيس الوزراء خلال زيارته الأخيرة إلى براغ، تصب في تنمية الاقتصاد العراقي، خاصة في مجال البتروكيماويات والصناعات الغذائية.

إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لها هدفان أساسيان في كل مجتمع في العالم، وهما القضاء على البطالة والفقر، وتقليل الضغط على الوظائف الحكومية، مما يساهم في تطوير الصناعة المحلية وتعزيز ثقة المواطن بالمنتج المحلي، الذي يتميز بالجودة والسلامة في الاستهلاك.

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عقيل وساف

كاتب وإعلامي عراقي