العلاقات الامريكية – الإيرانية في المنطقة وما بينهما حزب الله وسلاحه

العلاقات الامريكية – الإيرانية في المنطقة وما بينهما حزب الله وسلاحه

أحمد مطر

         في زمن الكوارث والمحن تتشابك العواطف مع الوقائع، وتضيع الحقائق في خضم الشعارات والانفعالات، ويحلّ التهوّر مكان الحكمة، ويحتل الصراخ موقع الحوار، ويختلط الصالح بعزى الطالح، حتى يصعب على المرء تبيان الخطأ من الصواب.

حتى اليوم لا يزال لبنان صندوق بريد بين أميركا وإيرانية. أظهرت واقعة منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، وردّة فعل الحزب، أنّه يبقى ساحة صراع بينهما. والبلد الجريح والضعيف يتلقّى اللطمات جرّاء هذا الصراع.

طهران تحاول حفظ قدرات الذراع الأقوى لديها فاعلة بمواجهة إسرائيل، في حال حصول أيّ هجوم على منشآتها النووية. وفي أحسن الأحوال تريد الاحتفاظ بقوّته ورقة في التفاوض المفترض مع دونالد ترامب. وواشنطن تعمل في لبنان وغيره على تجريدها من الإمكانات العسكرية الباقية وتعطيل تعافي الحزب، كي لا تستخدمه على طاولة البحث، ترمز إلى الكثير حالة التوتّر التي تسود لبنان، والتي أيقظت المخاوف من مواجهات أهلية، أو من تجدّد الحرب مع إسرائيل. أزمة منع الطائرة الإيرانية والغضب المنظّم الذي عبّر عنه الحزب حيالها أنتجا وقائع سياسية لبنانية ذات دلالة.

يحاول حزب الله من خلال تكرار أسلوب قطع الطرق ومسيرات الدراجات النارية التي تهتف بشعارات مذهبية، في شوارع مختلفة من العاصمة والضواحي، والتركيز على قطع الطريق إلى مطار رفيق الحريري الدولي، كما حصل في الأيام القليلة الماضية، بحجة الرد على التشدد الأمني الرسمي بتفتيش الطائرات المدنية الإيرانية، لمنع تهريب السلاح والأموال الإيرانية النقدية للحزب، كما كانت تفعل أيام تسلط الحزب على مرافق الدولة اللبنانية، دون حسيب أو رقيب، أو منع الرحلات الملتبسة للطائرات الإيرانية، خشية تعرض المطار لاعتداءات إسرائيل وإغلاقه أمام حركة الملاحة الدولية، تحقيق أكثر من هدف في هذا الظرف بالذات، أولها الرد على عملية انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتسمية القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، بمعزل عن هيمنة الحزب المعهودة، بفرض رئيس يمثل خطه السياسي، كما رئيس الحكومة وتحديد تركيبة الحكومة وسياستها وتوجهاتها، ومحاولة جس نبض العهد الجديد من هذه الأساليب الفوضوية والضاغطة، وترقب ردات الفعل عليها، وكيفية التعاطي معها، والهدف الثاني محاولة شد عصب بيئة الحزب المتهالكة، جراء الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب من قبل إسرائيل طوال “حرب المشاغلة” أو المساندة لقطاع غزّة، والخسارة الجسيمة التي لحقت به من كل النواحي، وإعطاء انطباع ظاهري بأنه، ما يزال متمكنا كما كان قبل الحرب وقادرا على أخذ المبادرة والتحكم بجانب كبير من اللعبة السياسية الداخلية، بالرغم من تبدل موازين القوى السياسية بالداخل اللبناني والمنطقة.

والهدف الثالث والأهم، محاولة إعادة تعويض انكفائه عن المقاومة لإسرائيل جنوبا، وإجباره على الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، بشروطها المتشددة والمذلة، والسعي من خلال اللجوء إلى هذه الأساليب الفوضوية الشعبوية، إنه مايزال موجودا، بالرغم من كل ما أصابه من خسائر مدمرة.

لم تنجح أساليب الحزب الملتوية للتهرب من مسؤولية الوقوف وراء تحريك هذه التظاهرات الفوضوية، تارة بالادعاء أنها من فعل عناصر فوضوية مشبوهة، وتارة أخرى بأنها ردة فعل عفوية على إجراءات السلطة احتجاجا على منع هبوط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت، لأن الأدلة مكشوفة بأعلام الحزب وراياته وهتافات المتظاهرين، واستهدافهم حتى مواكب قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان.

أسهمت ردود فعل معظم القوى السياسية رفضها أسلوب قطع الطرق والتعدي على الممتلكات العامة وقوات الأمم المتحدة، بإضعاف حجج الحزب، وتجريد تحركه الفوضوي من عوامل القوة، وأظهرته بأنه يتخبط في تحركاته منفردا وبلا حجج مقنعة.

باختصار، كشف حجم تحركات الحزب على هذه المستويات، أهمية ما تنقله الطائرات الإيرانية المدنية في رحلاتها إلى بيروت، من موارد مالية مهمة، مهربة بشكل غير شرعي، في إعادة العافية إلى أوصال الحزب المقطعة، ومن خلال الاحتجاجات على منعها، حاول الحزب كبح جماح العهد والسلطة الجديدة، بفرض أمر واقع جديد بالشارع، لإعادة تعويم نفسه وقوته المتهالكة بالوهم والتسلط، أملاً بتكرار النماذج السابقة، بإحياء صيغة استباحة الدولة اللبنانية من جديد هذه المرة أيضا، ولكن تصدي الجيش اللبناني والقوى الأمنية بقرار سياسي واضح، لكل التجمعات الفوضوية، قطع الطريق على نوايا الحزب المبيتة، وأظهر أن هناك استحالة بإعادة احياء نماذج الفوضى المدمرة التي انتهجها الحزب بمسيرته خلال العقود الماضية.

ختامًا في ظل هذه المتغيّرات، يجد حزب الله نفسه بلا خيارات حقيقية، فمغامرته العسكرية لدعم غزة دفعته إلى حافة الهاوية، أما وقف إطلاق النار الذي قبله، ووقّعته الدولة اللبنانية، فيبدو وكأنه استسلام. فبعد الهزائم العسكرية والدمار الذي لحق بالمناطق السورية، يواجه الحزب خصماً مدعوماً أميركياً، وإدارة أميركية تُعتبر الأكثر دعماً لإسرائيل في التاريخ.

Visited 25 times, 25 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني