الأمل من صميم الألم: رؤية جديدة للحياة.. قراءة في كتاب للإعلامية اسمهان عمور

عائشة بوزرار
لكل كاتب أسبابه ومبرراته التي تدفعه، للتعبير عن أفكاره ومشاعره وقناعاته ومواقفه. قد يكون الدافع شعوراً بالخوف أو القلق من الوجود، أو غضباً وثورة على واقع لا يتحرك. أو قد يكون لحظة للعزلة من صخب الحياة المطرد من أجل رؤية أكثر صفاءً تكون وسيلة للتعافي والتطهر.
تقدم الإعلامية اسمهان عمور في كتابها “نكاية في الألم ” عملا أدبيا يتجاوز حدود السرد التقليدي، حيث تنسج تجاربها الشخصية مع تأملات عميقة حول الألم والفقد، ومن تَمّ فإن هذه الكتابة تندرج ضمن جنس اليوميات، مما يتيح لها مساحة مفتوحة للتعبير عن مشاعرها وأفكارها بحرية، متجاوزة بذلك القيود الزمنية والمكانية.
يبدو الألم الذي تتحدث عنه اسمهان عمور كأنه شخصية حقيقية تحرك في ثنايا الكتاب، حيث يمثل صراعًا مستمرًا يتطلب شجاعة وعزيمة. هذا الألم، الذي يأتي معرفًا بالألف واللام، يعكس تجربة شخصية عميقة، وكأن الكاتبة تتحدث عن عدو مباشر يهاجمها بشراسة.
يشبه الأمر شخصًا يتوسل للموت أن يمنحه مزيدًا من الوقت ليكتب أفكاره ومشاعره، وكأن الموت في النهاية يغمض عينيه، رغم الألم الذي يحمله سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
نكاية في الألم ليس مجرد سرد للوقائع بل هو تأمل في الحياة والموت. إنه نص يسلط الضوء على كيفية تأثير الفقد على الهوية الشخصية والاجتماعية.
تصف الكاتبة هذا الصراع باعتباره معركة في حلبة، فتسعى بكل قوتها لمواجهته، من أجل محاصرته والتغلب عليه ، وهو ما يضفي عمقًا إنسانيًا على تجربتها.
عبر هذه المجابهة، تبرز اسمهان كفنانة تمتلك الوعي الكامل بعواقب الألم، وتتحدث النصوص عن رحلتها مستعرضة تفاصيل مؤلمة مثل مرض القلب، ووفاة فنانين أو زملاء في المهنة ، وفقدان الأب والتنقلات المتكررة، كلما تعلق الأمر بأمكنة أصابها التلف، رغم ظروفها الصحية ، بقوة الكلمة وتأثيرها في استكشاف تجارب الحياة الصعبة ، شكلت شخصية منتصرة للقيم والحياة .
في تجربتها مع الإعلام الألماني، تعبر عمور عن خيبة أملها من الشراكات التي تبدو وكأنها صفقات تجارية تهدف فقط إلى تحسين صورة معينة، دون أن تعكس العمق الحقيقي للفكر والثقافة المغربية. تطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه الشراكات وما إذا كانت تعكس رؤية حقيقية للمغرب.
وفي نقدها ليوم الإعلام العربي، تشير عمور إلى أن الاحتفال بهذا اليوم لا يتعدى كونه بروتوكولًا لا يعكس الواقع، بل قد يدل في بعض الأحيان على الخيانة والتواطؤ. وتدعو إلى إنشاء يوم إعلامي حقيقي يتيح للصحفيين التعبير عن آرائهم بحرية، يكون فيه الإعلام أداة لتسليط الضوء على قضايا الشعوب العربية بدلاً من الانغماس في قضايا الحب والعشق.
ترى عمور أن للإعلام دورًا حيويًا في تعزيز التفاهم الثقافي، حيث يمكنه أن يكون جسرًا يربط بين الثقافات المختلفة.. بتقديم محتوى يعكس التنوع الثقافي ويعزز الحوار بين الشعوب، يمكن للإعلام أن يسهم في تقليل الفجوات والفهم الخاطئ بين الثقافات.
كما تعتقد عمور أن الإعلام يجب أن يتجاوز السطحية ويعتمد على العمق في تناول القضايا الثقافية، مما يساعد في تسليط الضوء على القيم والتقاليد المختلفة. من خلال هذا التوجه، يمكن للإعلام أن يعزز الاحترام المتبادل ويشجع على تبادل الأفكار والتجارب، ويُسهم في بناء مجتمع عالمي متفاهم ومتسامح.

بعبارات مكثفة، يمكن القول أن مؤلف اسمهان عمّور هو شهادة تسجل فيه الكاتبة بنبرة حساسة تحديا حقيقيا عن رفضها الاستسلام للمأساة والحزن والفقد، عبر مشاعر المعاناة والأمل المتداخلين، حيث تمثل كل لحظة حياة انتصارًا صغيرًا ضد قسوة الموت ، وهذا ما يعكس روح المثابرة.. في نص واقعي يعكس رحلة الذات في محيطها وتفاعلاته للعبور من الألم إلى النجاح مما يُعدّ أمرا مُلهما، و وهي بذلك في رسالة من الذات إلى باقي الذوات، تعكس قدرة الإنسان في التغلب على المُعيقات والصعوبات، وكيف يمكن للصبر والتحمل أن يقودا الى تحقيق النجاح. وهو ما عبّرت عنه بأسلوبها المتميز الذي يتيح للقارئ التفاعل مع سردها للوقائع والأحداث بشكل أعمق ودلالات أوسع..
تحظى الإعلامية اسمهان عمور بمسيرة طويلة وحافلة في المجال الإذاعي. فمنذ بداية مشوارها المهني في عام 1987، قدمت سلسلة من البرامج الثقافية والفنية في الإذاعة الوطنية إلى غاية عام 2024. كما امتدت خبرتها لتشمل محطات إذاعية وقنوات فضائية أخرى، بما في ذلك MBC و DW.
ومن أبرز البرامج التي قدمتها اسمهان عمور: “متابعات أدبية”، “إبداعات مهاجرة”، “حقيبة الأسبوع”، “هؤلاء اختاروا المغرب”، “اللقاء المفتوح”، “بانوراما”، “على متن باخرة وهمية” و”حبر وقلم”، والذي من خلاله أجرت حوارات مع كبار الكتاب والمبدعين المغاربة والعرب على سنوات طويلة، وقد حصلت على الجائزة الفضية في مهرجان القاهرة للإعلام العربي بفضل هذا البرنامج المتميز.
فهنيئا للإعلام المغربي بهذا الصوت الصادح الذي يلقي بشهادة صريحة عن تجربة مشرفة تركت أثرها الفعلي في الإعلام الثقافي وفي المشهد برمته.
________________________________________________________________
* اسمهان عمور: نكاية في الألم (مقالات).طنجة، سليكي إخوان.ط1- 2024.