“8 مارس” وجلال الارتقاء

أحمد حبشي
في التصور العام، يطول الحديث عن خصال النساء وما يغدقنه على الحياة من أواصر المودة ومباهج العيش في وئام. لا أحد يضاهي عطاءهن الدافق، لتستقيم الأيام في مدارج انسيابها، تغالب كل العوائد لتفتح آفاقا تعطرها البسمات، ولتحيل الرتابة إلى وشائج مودة تطيب بها اللحظات. أحضان تتسع لتعيد لمرابع النفس نسيمها الزلال، تمد الحياة بكل دواعي الإصرار لمواصلة عشق التملي في مفاتن الوجود.
هن غير ذلك، حين يفتحن دروب السير خارج الهوامش، حين يصرن صوتا مدويا للحد من صولة الآخر الجاثم على كل مداخل الحياة، الواثق من أن المكارم تخصه، وما دونه عليه أن يستجدي رضاه، يتمسح بالأعتاب يذرف دمعا حارقا، ليجود بفضله ببسمة فاترة، ينثر كلمات الرضى ويثني منشرحا على أصول الوفاء.
هي أيام انكفأت على أعقابها، صار الحديث عن عوائدها يثير الاستهجان وصولة العتاب. لم تعد صفوة الفضيلة في الانتساب لنوع من الخلائق، لا في استدارة حجم الجماجم ولا في علو طنين الرشق بالكلمات. الكل صار للعدل والانصاف يهفو، لا حظوة تحصر الحق والواجب في صنف من المخلوقات. ميزة الاجساد أن تعيد دورة الحياة، لا أن تفتح مزالق الاستعلاء وتوسيع مدار الفضائل.
هكذا كسرت فورة الانفعال كل مجاري الخنوع والاستسلام، استقام الطريق لتحتفي الحياة في كل مرابعها بيوم شاهد على الصفعة الأولى، صرخة الانعتاق من قبضة الادلال. هي فورة اكتملت في جلال ارتقائها لتفتح مجاري البهجة، وتزهر ارادات لشق مسار الارتقاء، في سعي لإقبار حدة الفوارق وكل ما يبيح مواصلة سد مسارات الارتقاء.
نستعيد اليوم لحظات البدايات، عنف الصد وسمو الخطوات الأولى ولعلعة صرخة الاستهجان، أيام كان لها ما بعدها، استقامت في توالي زخاتها مجاري تضفي بهجة على كل معاني الحياة. أينعت بفيضها ربوع العناد والإصرار على مواصلة المسير، خطوات مجلجلة اتسع وقع فحيحها لخنق مسافات زاهية نحو الانصاف والندية في العلاقات.
ليس في كل ذلك مدح لفورة النساء، ولا تحريض على رفع حدة الاحتقان وقطع الأواصر هي فقط دعوة لتمتين الروابط، والارتقاء بالعلاقات إلى مدارج التكامل والسمو بالمباهج إلى كل معالي النبل والامتثال، في سعي للحد من هوة الفوارق وكل ما يعيق توطيد الروابط بين البشر ويعزز تفاعل العلاقات بما يحفظ كرامة الانسان كإنسان.