وطن القرفصاء
المصطفى مفتاح
وطنٌ يسكنُ مدينتي
بالأسفلتِ والرصيفِ المصابِ بهشاشةِ العظام
والصفقاتِ العمومية
وهي مطلع المكتوب
وفي الأخير
وطن يسكنُ مجلسَ الحسابات
والتقارير
وعناوينَ الصحفِ المصابةِ بفقرِ عمودِ الوقوفِ المستقيم
قبْلَ شهادةِ الحياةِ لمن تنادي
وطنٌ كسيح
يسكنُ حبيبتي
يغدو، ينامُ، يصبحُ القرفصاء
ينتظرُ رخصةً للانتقال
إلى الرصيفِ الموالي
والدورياتُ ترسمُ الليالي
والمستعجلات
والعجزُ والمهانةُ والغضب
وبعضُ الصبايا
من القِطاعِ غيرِ المهيكل
وسياراتِ الأجرة
والقرفصاء
وفي المِحَجِّ المقابل
تجتمعُ البنوكُ والشركات
والسجائرُ الأنيقةُ والأولادُ الراقون والبناتُ الراقيات
والمقاهي ثم الملاهي والمقاهي
تنتظمُ مع التعبئاتِ السريعةِ والفواكهِ المالحةِ والتقسيط
تنتظرُ افتتاح الملاهي
والمقاهي
والرُّخَص
تنْتَظمُ القرفصاء
والمحجُّ يمضي الى مِحَجٍّ آخرَ يمضي الى محجٍّ شقيق
لكي أنسى حبيبتي
مَنْ تكونُ حبيبَتي بالمناسبة؟
هلْ مِنَ الدوريات ربَّما أو المستعجلات؟
أوْ من أقْبِيةِ الأمن؟
مِنَ المِحجِّ الراقي هناك خلفَ مقابَلةِ الفريقين وحرائقِ الحافلات؟
أهي قرفصاءُ أصيلةٌ؟
أو هاربةُ من النخيلِ والحيِّ الشتويِّ في البَهجةِ الشقيقة؟
لعلَّها لا تعرفَ السلطةَ المحليَّةَ وزيَّها الرسميّ
ولا نشرةَ الأخبارِ باللهجات
أم هي قرفصاءٌ أخرى مستوردةٌ من وطنٍ لا ينام في مدينتي؟
أو لعلَّهُ ينامُ في مدينتي
وأنا ساهٍ أُصَرِّفُ الجريدةَ الرسميَّة
والبلاغات
للمُضارع
قرفصاءُ تعرِضُ ما لها وما عليها في الرَّصيفِ المُسْتَنِدِ الى الوزارات
والمجلسِ الأعلى
تبيعُ السجائرَ والقهوةَ وكلَّ مطبوعاتِ البنك المركزي
والجواربَ والكلماتِ المُسَهَّمَة
وسماسرةُ الوساطةِ في الضريبةِ والمحاكمِ والطلاقِ وجرائمِ القُرب
والقرفصاءُ لها المنفعةُ العموميةُ ورَبْطَةُ العنق
والهاتف النَقَّال
وبذلةٌ صفراءُ فاقعة
وطنٌ يسهر في مدينتي خوفاً من الحُرّاس
والضّوضاء
وصراخٌ من هنا
والدورياتُ والإسعاف
صراخٌ وضوضاءُ مِن كلِّ الجهات
وطنٌ يسهرُ القرفصاء
وطني حبيبي
لا أعرفُ النومَ في القرفصاء
لم لا تحبني السمكات التي عشِقْتُها؟
لم لا تُعلِّمُني على صدرِها جميلَ القرفصاء؟
لعلَّ الدفءَ البسيطَ
يعلمني النّوْمَ في القرفصاء
وطني حبيبي ومدينتي
* من مجموعة “مجرات وحرائق وكتابات سابقة ولاحقة”- منشورات الموجة 2023
