الاستقالة أيها “الرفيق” وهبي

الاستقالة أيها “الرفيق” وهبي
حسن الرميد
 
   لقد أخترت أن أدعوك بلقبك العائلي لأنك قلت بأنه اسم قبيلتك وهي قبيلة كبيرة. في الحقيقة لم تقلها صراحة، ولكنك دسستها في أحد حواراتك المحمومة لتدفع بها تهمة انتساب عدد من حملة “لقب وهبي” الذين نجحوا في امتحان ولوج مهنة المحاماة من أسرتك. وإني أعتقد أنك “دريبلور” عقيم، عشت زمنا طويلا مغرما بنفسك، لأنك كنت تتصور أنك هداف ساحر، في حين أن أهدافك كانت على نفسك إلى أن أتيحت للمغاربة الفرصة الكبيرة وهي ضربة الجزاء، فصوبتها بنجاح وأصبت نفسك فسقطت عاريا.
   لقد ابتليت بالكذب، وابتليت أيضا بالغنى. الأول تدربت عليه أما الثاني فسقط عليك فجأة. أنت الوحيد الذي قال “أنا غني”. الأغنياء المغاربة لا يحبون الاستعراض والتباهي لسببين،
–   إما تعففا واحتراما للشعب، وهذا الأمر يسري حتى على البسطاء من المغاربة، فكثير منهم حين يشترون الديسير مثلا يخفونه في قفة أو يغلفونه في أكياس مضاعفة رحمة بالجيران وأطفالهم.
–   وإما هروبا من الضرائب، فغالبية أغنياء العالم يتلاعبون بالضرائب (إلا من رحمه الله) وأعتقد أن الرفيق وهبي لديه علاقة مشبوهة مع إدارة الضرائب، وهو على عكس أغنياء العالم ليس محتاجا لستر هذه العلاقة المشبوهة فهو عندو الركايز صحاح. عجل السامري الذي وضع لتعرية المغاربة من قيمهم وبساطتهم وصبرهم العظيم وآمالهم العريضة: نعم، الفقر حق ولكن الغنى المتوحش ظلم عظيم. قيل قيم الأصالة والمعاصرة!! والله ليس لديك الرفيق وهبي أية قيمة سوى قيمة المال. أنت قلت ذلك بلسانك. يقال إن فيلسوفا هنديا قطع لسانه لأنه يتمرد عليه ويقول ما لا يريده عقله.
   وقد كذب حين ادعى أن “باه لباس عليه” كانت بسب النرفزة. لقد قالها ببطء وتلذذ، ونظرة مبتسمة ماكرة، هي عبارة صورها له عقله المريض أنها إلهام وإشراقة سماوية فأسعدته، قالها باحتقار كبير، احتقار جمع فيه الصحفي الذي سأله وأصحاب الميكروفونات جميعا ومن كان حاضرا تلك الساعة والمغاربة أجمعين والعالم بكل قاراته.
وانتقل إلى لقب آخر تدعيه وهو لقب “الرفيق”. تحيلنا هذه الانعطافة إلى انقلاب تراجيدي أصاب اليسار في مقتل في بيئته الأصلية، فعندما انهار الاتحاد السوفياتي تحرك الرفاق من النخبة السياسية والفكرية إلى محاولة إنقاذ القيم الرفاقية، لكن الانهيار مكن الرفاق المزيفين المقنعين الانتهازيين من مفاصل الدولة، فانقضوا على موارد الدولة ومقدراتها، وهكذا سيطرت طبقة الأبارتشيك على منابع الحياة الروسية، وتحولت إلى عصبة منيعة لأغنياء فاحشين لا فكر ولا قيم لديهم، وعاشت روسيا سنوات محنة، ولولا ثروة الغاز لما استطاع حفنة من أفراد الكي جي بي أن ينقذوا روسيا. لكن اليسار انتهى فيها إلا من بقية ظلت وفية لقيم اليسار لا صوت لهم. لقد أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى اهتزاز اليسار في العالم كله. في المغرب كثيرون فقدوا البوصلة وقليلون من صمدوا وتمسكوا بمبادئ التضامن الاشتراكي وقيم العدالة الاجتماعية…
   مرت سنوات من الحير، وفجأة بدأ “الرفاق” المغاربة يتهافتون على “الكعكة المسمومة” التي قدمها لهم المواطن علي الهمة: لم يبتزهم، لم يتحايل عليهم، لم يكذب عليهم. كان عرضه شفافا وصادقا: “ضرب الإسلاميين وإضعافهم” وسكت عن المقابل، لكنهم فهموا ما هو المقابل: الحصول على المناصب وتسهيل الممرات إلى الثروة والنفوذ. كيف لا و الأمر يكفي فيه القول: “نحن الهمة” !! أنجز الهمة المهمة على أحسن وجه حتى شعبوية بنكيران وجعجعته لقا ليها حل، حيث أنه جند في مواجهته كائنات تشبه بنكيران كأنها “كلوناج” ديالو. وهكذا تحول المغرب إلى سوق للصراخ والمزايدات على الشعب.
باع اليسار شرفه ونضاله الطويل، ودخل سوق النخاسة، وهكذا سقطت قيم اليسار (وللإشارة فالعدالة والتنمية سيحدث لها نفس الأمر). أتذكر الدكتور الجابري رحمة الله عليه وأحزن. كان يحلم بكتلة وطنية يلتحم فيها اليسار والإسلامين لمواجهة الفساد. وأتذكر دائما اكتشافه لقانون تاريخي وفلسفي ونفسي غاية في الدقة والصواب، هذا القانون يقول “إن أي إنسان ذو مبادئ وقناعات فكرية إذا قرر التخلي عنها، فإنه لا ينتقل إلى الوسط (بين بين)، بل يجنح إلى الطرف الأقصى” (لم أعبر الفكرة جيدا كما صاغها الراحل الجابري، ولكن المعنى وصل) أنا أعرف حالات يسارية وإسلامية حدث لها هذا الانحراف. ويقيني أن هذا ما حدث لغالبية مناضلي اليسار المغربي. ووهبي نموذج صارخ عن الانتقال المتوحش إلى الإيمان بلا شيء.
وهبي، بدون “السي”، لأنها تشريف عند المغاربة. أنصحك بتقديم “استقالتك”. مهلا، أنا لا أستغبيك فالمؤكد أنك تعرف أنه لا توجد استقالة حقيقية مع المخزن، وأظن أن الاستقالة الحقيقية الوحيدة التي حدثت في المغرب، كانت استقالة الرئيس عبد الله إبراهيم. أما الباقي (رضا اكديرة مرتان، اليوسفي، وزراء حزب الاستقلال الخمسة في حكومة بنكيران…) فهي أشكال هجينة من المعالجات والتخريجات التي يستعرض بها المخزن قوته. ولا أظنك يا وهبي تصدق كما غالبية المغاربة أن محمد زيان قدم للملك الحسن الثاني استقالته عندما كان وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلف بحقوق الإنسان في حكومة عبد اللطيف الفيلالي الثانية. لم يحدث هذا أبدا. وقد صرح لي بذلك بنفسه في حوار طويل أجريته معه في الناظور عندما عقد مؤتمره التأسيسي للحزب المغربي الليبرالي. وكان مؤتمرا سرياليا غرائبيا “لم يعقد في أي مكان محدد في الناظور، وتم عقده في أرجاء الناظور كلها”!! ههههه مفهمتو والو…
   قال لي، إنه بعد مرور الوقت، لم يعد مقتنعا بمنصب وزير منتدب لحقوق الإنسان، ولهذا استغل فرصة لقاء منفرد مع الملك الراحل الحسن الثاني وطلب منه أن يمنحه حقيبة كاملة لحقوق الإنسان (يعني يصبح وزير بحقيبة مستقلة) ويقول أن الملك أجابه: “سير لدارك ترتاح شويا”. وإني أتمنى للسيد زيان السراح العاجل، رغم أنني لن أنسى عنجهيته واستعراضاته المقززة في القاعة وهو ينوب عن الحكومة خلال أطوار محاكمة نوبير الأموي. وحتى عندما تظاهر بأنه أصبح مناضلا حقوقيا، لم يبادر إلى الاعتذار للأموي فيما بعد. وأقول الحق أنا لم أصدق تحوله. إنه كامليون).
وهبي لديك فرصة استثنائية، وأنت المغرم درجة الشبق والنرجسية، وهي أن تقدم استقالتك، فأنت يجب أن تكون “نمبر وان” بعد أن ذقت جميع اللذات: سحر السلطة، المال، لعبة احتقار أبناء الشعب، التغول على المحامين، تحصين الفساد بعد تدمير مشروع قانون محاربة الإثراء غير الشرعي، تهديد حرية التعبير في الصحف الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي، الخروقات الدستورية…فحقق هذا الهدف لنفسك، وإلا ستخرج مدحورا. على الأقل سير ودي معاك واحد الشعار فوح بيه على قبيلتك الكبيرة.
   وهبي اقتحم ولا تتردد  “ها هو سيدك زيان قال غير كذبا وعاش بها مخير بل أصبح بطل شعبي”.
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة