ما مدى انعكاس الهجوم الإيراني على لبنان؟
أحمد مطر
من الطبيعي أن ينقسم اللبنانيون بين مؤيد ومتحمس للهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني، وبين مؤيد أو مشكك بجدية هذه العملية، غير المسبوقة في تاريخ الصراع. فالانقسام اللبناني هو السمة الغالبة على المجتمع اللبناني، الذي يُعاني من انشطار عامودي مزمن، يكاد يطال مختلف الامور حتى الهواء.
في المبدأ، من المفترض أن يكون كل لبناني، بل وكل عربي، متحمساً لتلك العملية داخل الأراضي المحتلة، ويستهدف مواقع وقواعد عسكرية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. قد لا تكون المسيّرات والصواريخ أصابت كل أهدافها، إلا أن مفاعيلها السياسية والنفسية ليست خافية على أحد .
المشكّكون يعتبرون أن الهجوم الإيراني كان أشبه بفيلم هوليودي، ركيك الإخراج. وبالتالي فإن الهجوم الإيراني فَقَدَ عنصر المباغتة، أحد أهم عناصر نجاح أية عملية عسكرية بهذا الحجم .
ولا يفوت هؤلاء الإشارة إلى أن طهران أعلنت، عبر بعثتها في الأمم المتحدة، عن انتهاء الرد العسكري الإيراني، قبل أن تنتهي عمليات التصدي للمسيرات والصواريخ، من قبل تل أبيب وحلفائها، بل وقبل أن يصل العديد منها إلى هدفه الأساسي .
المتحمسون يسجلون لطهران جرأة القرار بتوجيه الضربة الصاروخية من الأراضي الإيرانية بالذات ومباشرة إلى الكيان الصهيوني، وعدم تحميل الحلفاء والأذرع العسكرية في لبنان والعراق واليمن وسوريا أعباء هذه العملية وتداعياتها المحتملة، في حال ركب نتانياهو رأسه وتجاهل طلب الرئيس الأميركي بعدم الرد، تجبناً لانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، تعمل واشنطن على إبعاد شبحها منذ الأيام الأولى لحرب غزة، ويعتبر هذا الفريق أن الرد المحدود، والذي جاء نتيجة مشاورات مستفيضة مع حلفاء إيران، وخاصة موسكو وبكين، وليس بعيداً عن الاتصالات الناشطة مع مفاوضين أميركيين في المنطقة، أكد على حرص إيران تفويت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ورئيسها الذي يحاول بشتى الطرق توسيع رقعة الحرب في المنطقة، هروباً من فشله في غزة، وحفاظاً على ما تبقَّى من دوره السياسي، بعد تصاعد المعارضة الداخلية ضده .
والجدال بين الطرفين المشكك والمتحمِس مازال على أشده، والإحاطة بتفاصيله تحتاج إلى مجلدات، بعدما اتخذ وسائل التواصل مرتعاً له، وتجاوز الخطوط الحمراء في عدم احترام لياقات المخاطبة .
بعيداً عن عملية الرد الايراني ، علينا انتظار النتائج التي ستتمخض عنها المهم ألا يكون لبنان أحد الأثمان لإسرائيل أو لإيران .
المفيد في الامر أن مناورة الميني حرب بين إسرائيل وأميركا وإيران حجبت حديث التحذيرات من الحرب الأهلية في البلد. و 13 نيسان الإيراني الإسرائيلي الأميركي عام 2024، حجب 13 نيسان اللبناني 1975 الذكرى 49 لانطلاق الحرب بين اللبنانيين.
وجه الشبه الوحيد بين 13 نيسان 1975 و13 نيسان 2024 هو تعطيل السلطة في البلد لمصلحة أخذه نحو ولاءات خارجية تعمق انقسام مكوناته.
واقع الحال أنه إذا كان عنوان الصراع في لبنان يتمحور حول الموازين التي تحكم إعادة تكوين السلطة فيه بعد التغييرات التي طرأت على أحجام اللاعبين المحليين، فإن إبقاء السلطة فيه معلّقة تحت عنوان الشغور الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية والسياسية، يحصل تحديداً من أجل خدمة أهداف تتعلق باللحظة السياسية الإقليمية كالتي نمر بها .
فكيف سيكون لبنان في مهب الحرب، ويواجه مثل هذه التطورات المصيرية والاستحقاق الرئاسي مجمد ورياح الخلافات والانقسامات تعصف بوحدته الداخلية.
قد تساعد المواجهة الحاصلة بين إيران وإسرائيل، وانخراط لبنان الساحة فيها عن طريق الحزب، على فهم أهمية هوية الرئيس الذي تريده قوى الممانعة على رأس السلطة، كي لا يطعن في مشروعية الظهير اللبناني لطهران في دوره في اللعبة. الرئيس المنشود، مطلوب لمثل هذه اللحظة بالذات. أي ألا يسأل نفسه إذا كان عليه أن يخوض حرب إشغال للجيش الإسرائيلي، عن ضرباته لغزة، ثم ألّا يسأل نفسه كيف يصبح هذا الإشغال لتخفيف اعتراض صواريخ إيران.