العلوم الاجتماعية والتحدي الإبادي في غزة (1-2)

العلوم الاجتماعية والتحدي الإبادي في غزة (1-2)

لحسن أوزين

أولا: قلق السؤال النقدي

             ليس في نيتنا إطلاقا تناول السؤال النقدي من زاوية تلك الاستفسارات/ الأسئلة المدرسية الاخلاقية والتبسيطية للمعرفة، إلى حدود الصحيح والخطأ وفق رؤية ابستيمولوجية مسكونة بوهم الامتلاء بالحق والصواب،  والقدرة الكلية على إتيان الجواب الصحيح الذي لا يعتريه الباطل، والواثق من نفسه نتيجة تحصيله  لكل ما قيل وما سوف يقال، لذلك تجعل هذه الرؤية مهمتها القصوى كراهية ومحاربة الخطأ، وهي تجهل ثراء وخصوبة السلب الذي ينخر الفكر والمجتمع والتاريخ. كما إننا لا نسعى إلى التمييز بين مستويات دلالات النقد من الانفعالي، السلبي، الاحتجاجي، والإيجابي…، بل ننطلق من أن ” السؤال لاوجود له على الساحة. انه ليس من باب ما قد سبق أن قيل. إنه خروج على الإجماع، أو هو على الأقل فتح ما يقع عليه الإجماع على ما هو مغاير. إنه توليد للمفارقات. لذا فهو أساسا قطيعة وانفصال. إنه حركة وانفتاح. الاستفسار أداة المعلم، أما السؤال فنهج المفكر. إنه الطريق التي يستجيب بها الفكر لما ينبغي أن يعمل فيه الفكر. السؤال تقوى الفكر”. 1

هذا يعني العمل على خرق الإجماع وزعزعة السائد، ليس انطلاقا من أجوبته الجاهزة، بل من أسئلته الزائفة في صورة إشكاليات مغلوطة، “والحال أن كل نقد يكتفي بمناقشة الإشكالات يبقى أسيرا لها. فالمطلوب، قبل دحض النتائج، تفكيك الإشكالات نفسها” 2 التي سيدت وجودها في صورة حقائق نهائية تستعصي على العقل الذي تشرب الأجوبة التي تنتج العجز المتعلم باعتماد آليات وقف التفكير. حيث تكتفي في سيرورتها النقدية مثلا باعتبار ” أن أي مشروع لنقد النقد ينطوي لا محالة، في شق منه على الأقل، على ضرب من الاسترقاق الذليل” 3 دون أن تدرك في سيرورة بنائها للسؤال النقدي أن ” السؤال عتبة الحر”4 . وبعبارة أخرى انسجاما مع هذا الأفق التحرري الانفتاحي في معنى البناء لمفهوم السؤال النقدي، في دلالاته ووظيفته يتأسس الوعي “بأن نقد النقد، كمشروع، ينطوي أيضا على وعد بالتحرر. وليس من يفرح بالحرية كمن ذاق العبودية” 5

    لذلك نعتقد بأن التفكير في أسئلة النقد الابستيمولوجي الغربي هي محاولة في اكتشاف وبناء السؤال، إنها سيرورة تفكير يؤزم نفسه وموضوعه إلى أبعد الحدود، وهو يحاول أن يسائل واقع الفكر النقدي العربي، وواقع الثقافة العربية والشرط التاريخي الاجتماعي السياسي الذي أنتج هذا الفكر النقدي. لأن سيرورة الهزائم المتوالية في الفكر والواقع، والمفارقات المؤلمة ذات الهوة الواسعة بين شقاء رغبة الفكر وإرادة الوعي الطموح إلى التغيير، والواقع الحي الذي يزداد انحدارا وتفكيكا وتفتتا، تجعل من غياب السؤال النقدي قضية جوهرية في ولادة سؤال النقص والفقد. “إنه كشف عن فراغ. السؤال رغبة الفكر”6 إزاء هذا الامتلاء الزائف والمسيج بالحقيقة الجاهزة والناجزة والنهائية في حديث الخلف عن السلف، والنص عن النص، والكتب عن الكتب، في سلفية أصولية لا تنتهي من اليمين إلى اليسار، كما لو أننا مجرد ورثة نقل النصوص الداخلية والخارجية بآليات عبودية الطقوس والعبادة.

لم يترك النص وأجوبته المسيجة بقداسة السلطة السياسية فرصة لولادة السؤال المحرم أصلا والمنبوذ عن أحقية امتلاك شرعية  العضوية الاجتماعية في ثقافة الحس المشترك، ولا ضمن ثقافة النخبة العالمة، لذلك تم وصم السؤال بأبشع النعوت القدحية مع الزج به في دائرة الزندقة والكفر وأهل الاهواء. وتناسلت هذه التربة الإيديولوجية الأحادية الرؤية في التفكير بمنطق الفرقة الناجية حتى طالت وامتدت إلى كل المذاهب الفكرية، الرسمية والمعارضة، وهي الأقرب في حقيقتها الواقعية إلى الطائفية السياسية بمختلف مرجعياتها المعرفية والفلسفية والإيديولوجية، الشيء الذي ضيق الخناق على بروز ولو بصيص ضوء من الحرية الذي يمكن أن يعمل على تبادل تمرير السائل المخصب لولادة السؤال بين الذات ونفسها، وبينها والموضوع، بين الفكر والواقع، بين المعلوم والمجهول، بين الفرد والجماعة…

في هذه السياقات الفكرية والتاريخية الاجتماعية التي تجاهد في حق السؤال كشر وعدو ينبغي تصفيته وهدر حياته تكريسا للإجماع وتفاديا لولادة التاريخ الانساني، من الصعب الحديث عن النقد إذ “ليس النقد إلا روح السؤال”7. وهذا ما كان مستحيلا التفكير فيه في ظل القمع النفسي الفكري والاجتماعي السياسي بالإضافة إلى نوع من الشفرة “الوراثية” للاشعور المعرفي الثقافي الجمعي  للفرقة الناجية – من اليمين الى اليسار، ومن التدين الى التزلف- الذي رسخ في الصمائم الاولية للإنسان العربي غياب واستحالة التفكير النقدي والفكر الجدلي، كما تناول ذلك بتفصيل وعمق في تحليله النقدي، مصطفى حجازي في كتابه “سيكولوجية الإنسان المقهور”، إلى جانب عقدة الذنب والتأثيم من الشك والرفض، والرغبة في الجدل والنقاش الاقرب إلى التساؤل النقدي حول المصداقية المعرفية للأجوبة الجاهزة، بما يخلخل الإجماع في لغته ودلالاته ومضامين شروحاته وتفاسيره وتفاسير تفاسيره، وما تنتجه من قلق وهمي زائف لا يتجاوز سقف الاستفسارات. “يحدد جيل دولوز الإجماع بأنه التواطؤ على وضع الاستفسارات موضع الاسئلة. ذلك أن الاستفسارات لا تفرق، إنها لا تولد اختلافات، لأنها أصلا تؤخذ مما هو سار  جار بين الناس. إنها تستقى مما يشاع ويقال. وهي موجودة مطروحة على الساحة تلوكها الألسن وتتداولها الأقلام 8.

نطرح هذه الأسئلة حول شرعية ولادة السؤال، أو بتعبير أدق إنتاج السؤال كممارسة ابستيمولوجية نقدية فكرية فلسفية وسياسية اجتماعية، ضمن السيرورة المجتمعية التاريخية للمجتمعات العربية، انطلاقا من القرن التاسع عشر، أو ما اصطلح عليه عصر النهضة وصدمة الغرب المتقدم والشرق المتخلف، مرورا بالمرحلة الكولونيالية وما بعدها، أي مرحلة التاريخ الحديث والمعاصر وما شهدته ولاتزال من صراعات سياسية واجتماعية، وفكرية إيديولوجية على كل مستويات البنية الاجتماعية الشاملة اقتصاديا وسياسيا وإيديولوجيا، في إطار ما صار يعرف بوحدة التاريخ العالمي للحضارة الحديثة، في تناقضاتها المختلفة المتمفصلة والمترابطة والشديدة التعقيد والتركيب، على كل الأصعدة محليا وإقليميا ودوليا. نعم نطرح هذه الأسئلة ونحن نستحضر هذه السياقات لنتواضع كثيرا حتى لا نسقط في فخ المغالطات التاريخية فنسقط وعينا الذاتي الراهن بنوع من الاحكام الجزافية في حق عطاءات الكثير من الأقلام التي دخلت حلبة الصراع بشكل أعزل- على مستوى الأسس والدعامات والأطر الاجتماعية للعلم والمعرفة والفلسفة- وجابهت القمع السياسي والتخلف الفكري والتصلب الذهني والنفسي في المعركة ضد الاستعمار، ثم ضد الاستبداد السياسي.

هذا هو الإطار العام الذي ولد فيه المثقف العربي ككاتب ومفكر نقدي، فعانق حرقة الأسئلة في ترحاله، من تجربة لأخرى، في السياسة والصحافة والثقافة والنقد المعرفي والفكري…، رافضا كغيره من الكثير من المثقفين والمفكرين النقديين الاستسلام للأمر الواقع في هزائمه المروعة في السياسة والفكر، وفي مختلف مستويات الحياة المجتمعية التي كانت تعاني من سطوة أجوبة التسلط والاستبداد الموروث والمستحدث، تلك الأجوبة التي كانت تشتغل كحقائق في السيطرة على الإدراك والوعي المجتمعي محاولة تطبيع الحياة المجتمعية، أي جعل حياة المجتمعات تبدو وفق تضليل إيديولوجي هووي ديني تراثي غيبي خرافي كما لو أنها خاضعة لقوانين الطبيعة في الجاهزية والخلق المتعالي لمفاهيم: الأمة والهوية والتراث. بمعنى أنها كانت تمارس سياسيا إلغاء جدل التاريخ الانساني المؤسس على مبدأ التناقض المجتمعي. وضد هذه الأجوبة الحقائق الناجزة النهائية كانت تحاول بشكل أو باخر- في الفهم والنقد والتأويل والممارسة… – نخبة من المفكرين النقديين العمل على إنتاج السؤال النقدي قصد “التفكيك الإيديولوجي والتفتيت السياسي” كأفق حي واعد بتحقيق الحرية والتحرر وبناء الاستقلال الذاتي- من داخل الحضارة الحديثة وليس خارج العصر الحداثي- على كل المستويات السياسية والاقتصادية والايديولوجية، الفردية والجماعية. هذه هي الارضية التي نفترض من خلالها ما يؤسس للأسئلة النقدية لدى المفكر ما بعد الاستعمار، والديكولونيالي. أما إلى أي حد تطور في ممارسته النقدية كفعل فكري ثقافي تحرري معرفي، أو اجتماعي سياسي في نقد ونقض المعرفة والسياسات الاستعمارية، فهذا ما سوف نحاول مناقشته – تلك الاسئلة التي يمكن اعتبارها أسئلة الحرية والتحرر، أسئلة نقد النهضة، ونقد الحداثة، أسئلة العلمانية والديمقراطية، أسئلة العلم والحضارة والمستقبل، أسئلة النظرية والابستيمولوجية النقدية في الفكر والواقع، أسئلة الإيديولوجيا والأفكار والرؤى الابستيمولوجية…، هذه هي البنيات التحتية العميقة – وهي ليست فردية بالأساس ولا خاصة بهذا المثقف وحده دون غيره، بل هي تتقاطع وتتواصل نظريا ونقديا مع ممارسات مفكرين فاعلين نقديين آخرين- التي تشتغل بشكل فكري معرفي علمي عقلاني نقدي. ولا تخلو من توجه إيديولوجي مشحون بهواجس سياسية صريحة جريئة أحيانا ، ومحتشمة أحيانا أخرى، في سعيها لإنتاج أرضية منطلقات السؤال النقدي وآليات اشتغاله، مع تحديد أسس الفلسفية النظرية والمعرفية، وضبط مفاهيمه ودلالات وظائفه ومقاصد أهدافه، بعيدا عن تلك القراءات المبتسرة التي تقف، عند البعد المنهجي للكتابة، أي على سطح السجال والحوار المتفاوت الشدة والحدة والعمق لفظا ومعنى ومعرفة، عاجزة عن رؤية مستويات التعقيد في  تركيب محنة السؤال النقدي. نقول محنة السؤال لأنه لا يعطى جاهزا ولا يبنى دفعة واحدة، بل هو عبارة عن سيرورة تطور وتراكم ومراجعات نظرية وابستيمولوجية وفكرية نقدية مستمرة في صيرورة لا تهدأ ولا ترحم، لأنها ملزمة بلغة كارل بوبر بالتفنيد أو التكذيب المستمر”حياة السؤال هي حياة الكائن وحياة الكائن الولادة المستمرة للسؤال” 9. بمعنى أن السؤال النقدي مهنة أو حرفة صعبة- بالمعنى العلمي- تتطلب الكثير من الإرادة والحرية والوعي والمسؤولية في امتلاك خبرة الواقع الملموس لحياة الناس، والأساس الفكري الفلسفي والابستيمولوجي، لخوض معركة سيرورة تطور الممارسة النقدية، من معركة الذات ضد  الذات، بما يفيد النقد الذاتي في جرأة الانتصار لقول الحقيقة عن الذات وللآخر، إلى الواقع مرورا بالفكر في نوع من التفاعل الجدلي بين هذه المستويات كلها. “الفكر النقدي فكر ناقد لذاته في الوقت نفسه الذي يوجه أسلحته لما هو خارج عنه. يستند إلى السؤال، يستشكل الأفكار والمفاهيم، يخلخل طمأنينة العادة ويعاند الركون إلى التكرار السطحي والفكر المعلب.”. 10    

اليوم تطرح إبادة غزة/ فلسطين، أمام الفكر العالمي الحر الإنساني تحديات مرعبة حافرة في أعماق الشرط الحضاري الإنساني، بصورة نقدية جذرية. وهي تحديات تهم البشرية والانتظام الاجتماعي الإنساني. حيث لم يعد مقبولا التفكير، ولا إنتاج المعرفة، والممارسات الاجتماعية السياسية الثقافية، تبعا للموجهات الارشادية “براديغم” لحركة التحرر الوطني التقليدية، وحداثة المركزية الغربية، ولا ما بعد الكولونيالية. وهذا ما يحتم ضرورة النقد الجذري للخلفيات الفلسفية والابستيمولوجية، والمعرفية والفكرية والأيديولوجية، لما صار يعرف بالتحرر المعرفي والسياسي، الديكولونيالي، من السيطرة والهيمنة الفلسفية والابستيمولوجية والفكرية الكولونيالية. الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كشفت بشكل واضح صريح الوجه الاخر النقيض الذي تنهض فوقه الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية الغربية الحداثية، باعتبارها قيما ومبادئ أكثر خصوصية في التاريخ، لا تشمل باقي شعوب العالم الذين تستباح حيواتهم وأرواحهم، وتستوطن أوطانهم بطريقة إحلالية، وتنهب خيراتهم وثرواتهم، وتهدم بيوتهم، مدنهم وقراهم. وتهجر وتباد جماعاتهم، باعتبارهم مجرد حيوانات تحت عتبة ما دون البشر.

وهذا ما جعل العلوم الاجتماعية، والفكر الإنساني أمام خيار نقدي حاسم لم تعد تكفي فيه نظريات التبعية البنيوية، التي انطلقت من أمريكا اللاتينية، ولا نظريات، التابع الدوني المهمش، أو فك الارتباط التبعي بالغرب على المستوى الاقتصادي، وخلق تنمية وطنية ديمقراطية مستقلة، تتحرر من ويلات جدليات المركز والأطراف. وما يكتنفها من علاقات ومبادلات لا متكافئة. كما يذهب إلى ذلك سمير أمين وآخرون. كما أن كسر العلاقة الكولونيالية، كما هي مطروحة إيديولوجيا، في الكثير من الكتابات اليسارية، لا تشكل إجابة موضوعية إزاء سيطرة وهيمنة الغرب كنموذج واحد ووحيد، وكأفق لا مفر منه لولوج فضاءات العالم الحر الغربي الكولونيالي والامبريالي والنيوليبرالي، من موقع الخضوع والخنوع والتكريس للشكل السياسي التاريخي للكولونيالية المستحدثة.

ثانيا/ سؤال تحدي إبادة غزة بوصفه منعطفا لنقض المعرفة الاستعمارية

     إبادة غزة أزالت أكثر كل المساحيق وظهر الغرب الشرس المحتل والمستوطن الاحلالي، ليس فقط على مستوى الأرض، بل أخطر من ذلك على مستوى العقل والتفكير والأدوات والرؤى…، حيث لم يكن يتوقع المثقف النقدي لنخب الجنوب أن تظهر الحقيقة الرهيبة لسطوة الغرب الاستعماري والامبريالي والعنصري الدموي من داخل بيانات ومقالات وتصريحات المثقف النقدي الغربي، من رواد التواصل والأخلاقيات المعرفية والتداولية والجندرية…

هكذا كشفت (لمن كان يجهل أو يتجاهل طبيعة الأساس المادي والمعرفي والرمزي والبنيوي التاريخي، الاستعمار والامبريالية الغربية) لحظة الإبادة، ما كان في حيز المطموس والمغيب في العلاقات الدولية اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وعسكريا ومعرفيا، أي عن الوجه الاخر الجدلي لعلاقة القيم الديمقراطية الغربية بالاستعمار والاستيطان والنهب والمعتقل والإبادة، “حالة الاستثناء”، للشعوب والحضارات والأمكنة الأصلانية، في أمريكا، وإفريقيا، وأستراليا…

 “لقد تمت بلورة هذه الأطروحات بشكل جماعي على يد العديد من المفكرين الأمريكيين الجنوبيين، كالسميولوجي الأرجنتيني والتر منغولو، والفيلسوف المكسيكي إنريكي دوسيل، والسوسيولوجي البورتريكاني رامون غروشفوغل والسيوسيولوجي البيروفي أنيبال كيخانو. وقد تجمع المنظرون الديكولونياليون في مجموعة متعددة التخصصات… وعملوا من حينها على تعزيز تواشج الحداثة وتفكيك الاستعمار باعتبارهما ظاهرتين متزامنتين ومترابطتين في المكان والزمان حتى الوقت المعاصر.”11

وهي جدلية قليلا ما تم تجذير التناول التحليلي النقدي لها من طرف المناهج والمقاربات ذات الأسس الفلسفية والابستيمولوجية والفكرية والأيديولوجية الجنوبية. فقد ظلت شمس الحداثة، أو بالأحرى محرقتها، تخفي مغالطات تاريخية أنثروبولوجية وسوسيولوجية، وممارسات سياسية وابستيمولوجية وفكرية واقتصادية تنموية تطورية، وما شابه ذلك من تمائم الكولونيالية القديمة والمستحدثة، في تكريس، ومعاودة إنتاج، الاحتلال بأشكال سياسية محلية طاعنة في القهر والإخضاع لما يستجيب للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية للغرب الأوروأمريكي. وتخلت داخل بلدانها، بشكل صريح وشفاف لا يقبل صراع التأويلات حول هذه القيم الديمقراطية، عن لباسها الداخلي البراق المزين بالقيم الكونية الإنسانية الأكثر خصوصية في التاريخ في ارتباطها بالمصالح الغربية في الوجود والسياسة والاقتصاد والأخلاق والقيمة الإنسانية. وماعداها مجرد حيوانات بشرية بعيدة عن جدارة واستحقاق نيل حق العضوية في الدائرية البشرية الإنسانية.

وهذا ما يجعلنا نفهم الشرعية التاريخية والعلمية والإنسانية، للكثير من الكتابات والدراسات والأبحاث الرصينة، التي حاولت خوض الصراع ضد هذا الوجه الدموي واللاأخلاقي الذي تنهض من خلاله، ممارسات سياسية اقتصادية واجتماعية وإعلامية وثقافية فكرية وابستيمولوجية، القيم الديمقراطية الغربية. كما يمكن اعتبار هذه السيرورة النضالية التحررية الفكرية والمعرفية والقيمية، من غرامشي وفرانز فانون وادوارد سعيد مرورا بدرسات مابعد الكولونيالية، وكتابات مدرسة التابع، وصولا إلى الديكولونيالية وتجذيرها النقدي، أرضية للبناء والتطوير للأفكار والرؤى والموجهات الإرشادية البديلة عن سطوة الغرب في احتلاله للأرض والعقل…

هكذا أمام الحدث الفلسطيني الذي لم يكن في سقفه السياسي والتاريخي ذا مضامين عرقية أو دينية أو قومية…، بقدر ما كان منعطفا إنسانيا في الصراع العالمي بين القانون الدولي الإنساني، والطغيان الاستعماري الامبريالي الغربي المستحدث. حيث وجدت شعوب العالم ونخبها الجنوبية نفسها أمام حداثة استعمارية امبريالية نيوليبرالية متوحشة وإبادية. والفظيع في الأمر أن سقطت ورقة التوت عن بعض الأصوات الغربية النقدية للحداثة وما بعد الحداثة. وظهر التوافق والانسجام العميق بين الغرب وبعض نخبه “الثورية، النقدية،  في تحالفهما العريض واللامشروط، المتحرر من أزمة الضمير الأخلاقي وعقدة الذنب الآثم في النظر والتحديد والتسقيف لخصوصية وتاريخية الفهم والممارسة الغربية للقيم الديمقراطية والإنسانية، وجعلها قاصرة  وخاصة بالإنسان الغربي الذي لا إنسان إلا هو.

لهذا كان ضروريا وموضوعيا من غربلة التاريخي نقديا، والتفكير في التأسيس النقدي للأسس والخلفيات الفلسفية والنظرية، الفكرية والابستيمولوجية، وللمناهج والأدوات والآليات المفاهيمية والتحليلية النقدية، وتغيير زاوية النظر النقدي. وذلك بما يسمح بإزالة المغالطات المعرفية والفكرية المشحونة بالإيديولوجية الحداثية المعرفية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية. وتفكيك سحر التماهي بالأفق الحداثي الغربي المتجذر في معاني وممارسات الكولونيالية واللاإنسانية واللاأخلاقية. من هيغل وماركس مرورا بتوكفيل وصولا إلى أقران هابرماس وجيجك…

لكن ينبغي الوعي في الوقت نفسه بضرورة اليقظة النقدية في تبيئة وإنتاج النظرة النقدية على أسس وخلفيات تعتبر ما وصلت إليه البشرية في تطورها التاريخي الاجتماعي السياسي والاقتصادي الثقافي، هو شرط حضاري إنساني، لا ينبغي اعتباره كليا غربي بالمطلق. أو الكفر الأعمى بهذا الشرط الاجتماعي الحضاري الإنساني والعداء بالتالي لقيم الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، وباقي قيم ومبادئ المنظومة الإنسانية. لأن هذا الانفعال والغضب الأهوج أمام التوحش الغربي، سيكرس ويعيد إنتاج السيطرة والهيمنة والتمييز، والتمايزات والتصنيفات العنصرية والفاشية والابادية التي تمارسها المركزية الغربية في تعاملها وعلاقاتها مع شعوب العالم الجنوبي الذين تعتبرهم هذه المركزية تحت خط ما دون البشر. لذا وجب التنبيه لعدم السقوط في فخ الطروحات الاستشراقية والكولونيالية الامبريالية على أننا شعوب متوحشة خارج التاريخ البشري، والتسليم بأن هذا الشرط التاريخي الحضاري في تطوره وتحولاته الاجتماعية والسياسية والقيمية، قد شاركت في ولادته وتكونه وسيرورة تطوره مختلف الحضارات التي عرفها التاريخ البشري العالمي. والعمل على مراجعة جذرية لأسسه والمعاني والدلالات التي ضيقها التمركز الغربي على ذاته إلى حد العداء للآخرين وتجريدهم من قيمتهم الإنسانية.

فالمنعطف الفلسطيني فجر الكثير من الأسئلة الحارقة التي اعتقدت الكثير من الأقلام أنها محسومة. الشيء الذي أدى إلى طمس الكثير من المعطيات والوقائع التاريخية السياسية المرتبط بالحداثة بوصفها استعمار استيطاني وامبريالية هيمنة وسيطرة على حق الشعوب في تقرير مصائرها. لذلك منحتها شكلا سياسيا تاريخيا، ومضمونا اجتماعيا اقتصاديا، كولونيالي استيطاني إحلالي بالمعاني البنيوية والعلائقية والثقافية المعرفية، وبأبعاد السطوة على الأرض والجغرافية السياسية، الشديدة الارتباط بسياسات إبادة المكان والوعي والبشر.

وهذا الوجه القذر للحداثة كاحتلال ونهب وحصار ومعتقل وقتل وإبادة، هو ما يتضح بجلاء، بوصفه قفا، أو قل إنه وجها آخر مستورا للديمقراطية الغربية، خاصة في العلاقات الدولية الخارجية، في الهيمنة والسيطرة، وفي التبادل اللامتكافئ على كافة المستويات المادية والرمزية. في هذه السياقات تشتغل القيم الديمقراطية كأنظمة سياسية اقتصادية، ثقافية وإعلامية، بوصفها احتلالا وحالة استثنائية بتعبير أغامبين. هذا يعني دعما للاستبداد السياسي المحلي الأقرب الى احتلال بالوكالة.

فالحدث الفلسطيني بوصفه إبادة جماعية، وجريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية. إنه حالة استثناء ينتهك فيها القانون الدولي، والمؤسسات الأممية الدولية، وتهدد فيها المحاكم الدولية، إلى درجة النيل من أعضائها، ونشر الرعب على المستوى القوانين الدولية والإنسانية والسياسية والإعلامية، وضرب عرض الحائط بكل القيم الديمقراطية، مع التأكيل على خصوصيتها الكولونيالية الامبريالية الخاصة بالإنسان الأبيض الغربي، في امتداد فاشي ونازي وعنصري لكل المنظومات المتوحشة والدموية التي عرفها التاريخ الحديث والمعاصر. إزاء هذا الواقع تبدو كل أسئلة الحرية والتحرر والمضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاستقلالات التي عرفتها بلدان الجنوب، مجرد شكل تاريخي سياسي لمعاودة إنتاج الهيمنة والسيطرة الكولونيالية، والمشاريع الاستيطانية الإحلالية في الأرض والعقل، في الخلفيات النظرية والفلسفية والابستيمولوجية والأيديولوجية، وفي الرؤى والأفكار وبراديغمات التغيير والتطور والنهوض والقطائع والتنمية…

وهذا يدل على الثمن الفادح في عدم الشقاء والعناء والجهد الفلسفي والنظري والعلمي والفكري…، لإنتاج وامتلاك روح الأسئلة الحقيقية المنتجة للإجابات الموضوعية للتغيير والتحول النوعي المعبر عن الحرية والتحرر والاستقلال…

ثالثا: سؤال الاستقلال، أو فك الارتباط بالهيمنة والسيطرة الكولونيالية

     “إن ما بعد الحداثة ومابعد الكولونيالية لا تعنيان نهاية الحداثة وأساسها الكولونيالي، بل هي بالأحرى إعادة تنظيم وامتداد لها: فكما أن الكولونيالية هي الوجه الآخر المشكل للحداثة، فإن ما بعد الكولونيالية هي المقابل البنيوي لما بعد الحداثة. ويشكل ما بعد الكولونياليين الصيغ الجديدة للكولونيالية التي يتم تحيينها في المرحلة ما بعد الكولونيالية لتاريخ الغرب” كما قال الفيلسوف الكولومبي سنتياغو كاسترو غومبز.

أغلب البلدان الجنوبية (هنا تهمنا المنطقة العربية) حصلت على استقلالها في سياقات تاريخية، تميزت من جهة، بسطوة وهيمنة الفكر النقدي الغربي الحداثي الديمقراطي، أو الاشتراكي الماركسي المطعم إيديولوجيا بخلفيات نظرية فكرية سياسية مختلفة. وتميزت من جهة أخرى، بالتفوق والتفاوت الاقتصادي الاجتماعي السياسي التاريخي والعلمي والمعرفي والعسكري…

وهذا ما جعل مسارات الحوار والتفاوض، حول خروج الاحتلال المباشر العسكري والسياسي، مشحونة بالكثير من الالتباسات والتحايلات المفعمة بالتنازلات والترضيات والمساومات الواعية واللاواعية. ونتيجة وعي المستعمر بالاختلالات العميقة في البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتوافقات والمصالح والسقف السياسي اللاشعبي واللاديمقراطي للأنظمة السياسية ونخبها المحلية. وإدراك الاحتلال مدى التشرذم والتفكك والصراعات السياسية والاجتماعية التي يخفيها شعار حركة النضال التحرري من أجل الاستقلال. فإنه استطاع ضمان سيطرته وهيمنته من خلال إعادة إنتاج شكل سياسي تاريخي كولونيالي يكرس تحكمه في القرار السيادي رغم خروجه وإنهاء، إلى حد ما، وجوده العسكري المباشر. قام بذلك من موقعه المسيطر في علاقات الإنتاج والتبادل الرأسمالي، والاقتدار والتفوق المعرفي والعلمي والتكنولوجي، والتمكن السياسي الاستراتيجي، في خوض الصراعات الاقتصادية والجيوسياسية.

إن مصطلحات ومفاهيم ودراسات وأبحاث ما بعد الاستعمار تبدو هشة وضعيفة وقاصرة ومتجاوزة الصلاحية أمام التحالف الغربي الأوروأمركي والصهيوني الإسرائيلي، في ممارستهم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، بشكل مباشر عسكريا بتزويد المحتل الصهيوني بمختلف الأسلحة المحرمة دوليا، ومن خلال الدعم السياسي والإعلامي، وخنق واعتقال حرية التعبير الشعبي والأكاديمي الرافض للإبادة،  والتصريح الرسمي قولا وفعلا بالشراكة في الإبادة والتهجير، والانتهاك للقوانين والمؤسسات الدولية، والتهديد لمحكمتا العدل والجنائية الدولية، و لكل من يقف في وجه الإبادة وفرض الأمر الاحتلالي الاستيطاني الإحلالي بإبادة المكان وقتل وتهجير الشعب الفلسطيني صاحب الأرض.

والمغالطة السياسية والمعرفية والأيديولوجية للدراسات والكتابات التي تندرج ضمن ما يسمى ما بعد الاستعمار، أو ما بعد الكولونيالية، نابعة من عدم إدراك ومعرفة ووعي اللحظة التاريخية لبروز الظاهرة الكولونيالية، كضرورة تاريخية شديدة الترابط و التركيب و التعقيد بطبيعة التراكم الرأسمالي العالمي في سيرورته  الجهنمية المولدة للكولونيالية والامبريالية وصولا الى المرحلة النيوليبرالية المتوحشة. وما رافق تطور هذه السيرورة من حركات فلسفية وفكرية ومعرفية وسياسية…، المنسجمة بشكل أو بآخر مع أفكار ورؤى القهر والاحتلال والإبادات والاستيطان…، من فكر الأنوار وصولا إلى سحر العقل التواصلي في مباركته الإبادة الكولونيالية والقتل والنهب والاستيطان والتهجير…

كما أن عدم التأريخ العلمي لمرحلة مخاضات معركة المقاومة والتحرر وخروج الاحتلال، وما رافق سيرورة الاستقلالات من صراعات حول السلطة والثروة، وتحولات سيوسيولوجية وسياسية وثقافية، بين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية والمجتمعية المحلية. خاصة، حول المضامين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للاستقلالات الشكلية. ومختلف هذه القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية كانت عاجزة عن وعي اللحظة التاريخية، وذلك بما يسمح بفهم ومعرفة التشكلات الكولونيالية للحداثة، ماديا ورمزيا، وما تتطلبه من نقد جذري لأسسها الفلسفية والنظرية والابستيمولوجية  والفكرية، كأفق وبراديغم يغري ويسحر التابع بسراب النهوض المستقل، وامتلاك القرار السيادي والتحرر الوطني من عبء الشكل السياسي الاقتصادي للعلاقات الكولونيالية.

المنعطف الفلسطيني باعتباره منعطفا إنسانيا وروحا للسؤال النقدي حول تاريخنا الحديث والمعاصر الذي لم نكن فيه في أي مكان في الحضور والوجود والإسهام في الشرط الحضاري الإنساني، بفعل عدم قدرتنا على تأريخ تشكلنا التاريخي الحديث والمعاصر، الاجتماعي السياسي والفلسفي والمعرفي والابستيمولوجي…

تاريخ من الدونية والتبعية والهزائم في كل شيء، في التنمية والديمقراطية والثقافة، في التعليم وفي الصحة، والبنى المادية التحتية والرمزية…

وأبشع الهزائم أننا لم نمتلك الاقتدار الفكري والتمكين العلمي في اكتشاف وإنتاج السؤال النقدي حول غيابنا عن دائرة الشرط الحضاري الإنساني. سواء في الوجود السيادي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والنظري…

إبادة غزة تعرينا وتحرقنا وتخرج عيوننا من محاجرها، ونحن نكتشف بألم وحرقة الكم الهائل من فقر الدم التاريخي، ومن السبات التاريخي والفكري والسياسي، خاصة المعرفي الابستيمولوجي على أننا كنا مجرد ببغاوات للوجه القذر الكولونيالي للحداثة، المقنعة بالقيم الديمقراطية والفكر الأنواري الحداثي، وما بعده من نظريات نقدية لا تقوى على الوقوف في الوجه الفظيع الدموي الذي تنهض وتتأسس من خلاله الحداثة والديمقراطيات الغربية، كقيم خصوصية في التاريخ في ارتباطها النازي والعنصري الضيق بالإنسان الأبيض الغربي. وماعداه مجرد بقايا حيوانية تستعبد وتستغل وتسحق كلما تطلبت مصلحة الغرب ذلك.

هكذا نكتشف يتمنا وفقرنا وعبوديتنا المختارة، حيث لا نملك إلا التراكم الأيديولوجي اليساري والسلفي السياسي، والكثير من الأوهام في المقترحات والمشاريع الفلسفية والنظرية والابستيمولوجية الفكرية البديلة لتخطي الهزائم المتوالية. من مزايدات قتل الذات بحثا نقديا في موات التراث، الى الانتحار وإلغاء النفس وفاعلية الذات في الحلول في كفن موات التراث الأبدي السلفي السياسي الجهادي والدعوي. تراكم مخجل مارس تهريب الأفكار والمفاهيم والمنهجيات المبتورة عن أسسها الفلسفية النظرية والفكرية والابستيمولوجية والأيديولوجية، دون أن يكلف زعماؤه (لابد من لغة الزعيم القبلي والعشائري…) مشقة وعناء الانخراط في البناء والتأسيس التاريخي للتراكم الحقيقي، نظريا وميدانيا، تبعا لما تمليه الديناميات الاجتماعية السياسية، وما تتطلبه الصيرورة التاريخية التحررية من ممارسات نظرية وعلمية، في الصراعات السياسية والمعرفية، لهدم أسس وعلاقات وارتباطات الاسترقاق السياسي والمعرفي الكولونيالي، في بناء أرضية وتصورات المشروع المجتمعي، والدولة والثقافة، والتشكلة الاقتصادية الاجتماعية. وعلى مستوى السردية التاريخية التي ترد الاعتبار للمسكوت عنه والمهمش والمقموع، ولكل الأبعاد الوطنية المرتبطة بالمصالح والطموحات والتطلعات الداخلية للمجتمع ككل. وبالتالي تجاوز وتخطي التكرار القهري لدولة الاستبداد والطغيان السياسي والديني.

يمنحنا المنعطف الفلسطيني الإنساني، بوصفه تحولا جذريا في عملية إنتاج السؤال النقدي، وتغييرا في زاوية النظر النقدي، بما يسمح برؤية الوجه الفظيع الخارجي للحداثة والديمقراطية الغربية، كأنقاض وهدم وتهجير وكولونيالية إستيطانية، وإبادات عدوانية وتنكر لا أخلاقي للقيمة الإنسانية البشرية. يمنحنا فرصة تاريخية إنسانية، وضرورة معرفية سياسية للتأريخ النقدي الجذري لأنفسنا الحديثة والمعاصرة. وفتح دفتر الحساب العسيرة مع الوجه الدموي الكولونيالي ومابعد كولونيالي للحداثة فلسفيا ونظريا وفكريا وابستيمولوجيا…، دون الوقوع في فخ سحر نموذجها الامبريالي والنيوليبرالي المتوحش.

رابعا: السؤال الكولونيالي الامبريالي وما بعد كولونيالي

     التحدي الإبادي في غزة وضعنا وجها لوجه أمام السؤال الكولونيالي الامبريالي، فكان قاسيا في سخريته من حجم التبلد وفقدان الذاكرة التي أصيبت بها أغلب القوى السياسية الاجتماعية والثقافية التي تعتبر نفسها تقدمية تنويرية بمختلف مرجعياتها وخلفياتها النظرية والسياسية. فهي لم تقدر القيمة العلمية والفلسفية، النظرية والبحثية الميدانية، في التأسيس للفعل المعرفي المقاوم التحرري، من رواسب وجذور وعلاقات الكولونيالية اقتصاديا وثقافيا وفكريا، ورؤية للذات والعالم والآخرين. وفي التأريخ لكل الصراعات والديناميات، التي رافقت الوقوف في الوجه القذر للحداثة والتراكم الرأسمالي الكولونيالي والامبريالي. وحماية الذاكرة من النسيان، وتحصينها من سبات الوعي تجاه مخاطر السياسات الكولونيالية اللاأخلاقية واللاإنسانية فلسفيا ومعرفيا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا.

الرجة والصدمة والرضة الإبادية في غزة وضعت هذا السؤال الكولونيالي في صدارة الانطباع والوعي والإدراك. فامتلك تراث مواجهة جرائم الكولونيالية، وسياساتها الإبادية، مثل كتابات فرانز فانون، حضورا قويا، ومن معه من المثقفين، ممن لهم كتابات وأبحاث حول الجرائم الكولونيالية، وحجم الإبادات التي تعرضت لها شعوب الجنوب من طرف فرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا وألمانيا في إريتريا…، آلاف، بل ملايين من البشر العزل الأبرياء تمت إبادتهم وسحقهم باسم الحداثة والأنوار والديمقراطية وقيم الحضارة الغربية الإنسانية. ولا يزال الحبل على الجرار، وساند ودعم هذا الوجه العضوي الفظيع، الرابط  بين مركزية القيم الديمقراطية الحداثية، ونبضها الاستعماري والإبادي، من طرف مثقفي الحداثة: من ألكسيس ذي توكفيل الى يورغن هابرماس. وهذا ما حدث سابقا في الأمريكيتين وكندا وإفريقيا وأستراليا…

لهذا حاولت مجموعة من المفكرين والباحثين المهتمين، مقارعة وتحليل ونقد وتفكيك الأسس فلسفية والمعرفية والسياسية، للخطاب والممارسة الكولونيالية في هيمنتها وسيطرتها كأفق ساحر إيديولوجيا، ونموذج وهمي وحيد للتنمية والحداثة والانتماء للحضارة الغربية، الموصوفة إيديولوجيا بالسقف ومسار الخلاص الوحيد الحضاري الذي لا يزيغ عنه إلا هالك. فقد عمل هؤلاء الباحثون، من أمريكا الجنوبية وإفريقيا ومدرسة التابع الهندية…، على تعرية ونقد وتفكيك ما يتستر عليه الوجه الآخر الفظيع للحداثة والقيم الديمقراطية الغربية، بوصفها تاريخا دمويا ضد الإنسانية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أدوارد سعيد، حميد دباشي، غياتري سبيفاك…، وصولا إلى الكتابات التي انخرطت في ما صار يعرف بالفكر الديكولونيالي ونقده هو الآخر.

هذا يعني أن الحدث الفلسطيني، كمسألة إنسانية، اكتسب وعيا نقديا وعمقا وتجذرا واتساعات، في الطبيعة الجغرافية الايكولوجية، والهوية البشرية اللاتمييزية، وفي الانتماء للدائرة الإنسانية العالمية.  في صراعها ضد التوحش الكولونيالي الامبريالي اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وثقافيا وعسكريا…

وأمام هذا التأزيم للفكر الإنساني النقدي الذي فرضته تحديات الإبادة في غزة، باعتبارها تحديات المجتمع الإنساني الحر والنقدي عبر العالم، تجد دعما وتضامنا من مختلف أشكال الفعل السياسي القانوني الأخلاقي للكثير من الدول وعلى رأسها دولة جنوب إفريقيا المسنودة عالميا من طرف دول لها الوعي نفسه بجسامة التحدي المطروح إزاء الامبريالية في صورتها الفظيعة النيوليبرالية، في التخريب والتدمير والحروب والتفكيك للدول والمجتمعات، وفي تهديد السلم والأمن العالميين، بالانتصار للاستبداد والطغاة والاحتلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية وجرائم الحروب عدة وعتادا وسياسيا وإعلاميا.

كما توسعت وتجذرت أشكال الفعل المدني السياسي للمنظمات والحركات الاجتماعية والعمية والجامعية، أفرادا وجماعات. مثل احتجاجات الحركات الطلابية عبر العالم.

خامسا/ الإرهاب والحقيقة الغائبة

     “في دولة الإستثناء الَّتي نعيش فيها والَّتي لا يمكن أن نميّزها من الدَّولة العادية. أيُّ توهُّم للعلاقة بين العنف والقانون يتلاشى: ليس هناك إلاَّ منطقة فوضويَّة حيث يوجد العنف الخالص بدون تغطية قانونيَّة.” جورجيو أغامبن.

هل قيل كلُّ شيء عن العمليات الإرهابيَّة الَّتي حدثت في أوروبا؟ لماذا اتَّفقت على رواية واحدة كلّ الخطابات الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة، المكتوبة والسَّمعيَّة البصريَّة…؟ لماذا تمَّ استغباء المواطن الأوروبيّ، والعالميّ، وتمَّ التَّلاعب بالعقول والسَّيطرة على الإدراك، والتَّحكم في الوعي وتأطير الاتّجاهات والتَّوجهات نحو زاوية واحدة لإنتاج المعرفة والقناعة والحقيقة الوحيدة الواحدة؟ ما الَّذي جعل أغلبيَّة النُّخبة المثقَّفة تشارك في هذا التَّواطؤ المسربل بالحسّ الوطنيّ الكاذب، والقيمي الغربي، لعواصم الأنوار؟ ولماذا يقبل العالم العربيُّ والإسلاميُّ بكلّ هذا الإرهاب المعكوس، فيدخل في نفق مسدود من الرُّعب والخوف والشُّعور بالذّل والخزيّ والعار والحيرة الَّتي تمسُّه في عمقه الثَّقافيّ والاعتقاديّ، إلى درجة أنَّ الكثير من مثقَّفيه الحداثيين لفظا سارعوا إلى كتابة مقالات جلد الذَّات إزاء غياب الإصلاح الدّينيّ المعيق لجدل التَّنوير؟

 هي أسئلة كثيرة لا حصر لها، وما تجرأ أحد على الاقتراب منها خوفا إمَّا من تهمة الإرهاب أو من انعدام الحسّ الإنسانيّ أو الوطنيّ القريب جدًّا من التَّخوين، كما لو أنّنا أمام شكل آخر من التَّكفير ضدَّ التَّفكير بشكل مختلف أمام النفايات الرَّجعيَّة والمتخلفة لامبرياليَّة السُّوق المتوحّشة: من تخريب وتدمير الطبيعة، والقضاء على الكثير من المكتسبات السّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة العلميَّة والمعرفيَّة، لدولة الرَّفاه، إلى توليد بؤر الموت عبر العالم، وإنتاج الإرهاب في الشَّوارع الآمنة للنَّاس من فلسطين إلى باريس مرورا بسوريا والعراق واللاَّئحة طويلة…

 أليس هنا يكمن السّرُّ العميق لسبات عقل حداثة الأنوار إزاء انبعاث القرون الوسطى في عقر داره؟

نعم نُدين الإرهاب في النَّص والواقع، سواء كان بغطاء دينيّ من قبل كلّ الدّيانات، أو أيديولوجي من قبل كلّ الأيديولوجيات. لا شيء إطلاقا يبرر قتل الإنسان.

لكن ما هي الحقيقة الغائبة في الإرهاب الَّذي حدث في الكثير من بقاع العالم ومنها الأوروأمريكي؟ إنَّه السّياق أو السّياقات المترابطة والمعقَّدة المولدة للكثير من الظواهر والقضايا والوقائع والأحداث: كالأزمات الاقتصاديَّة والماليَّة، وكالحركات الاجتماعيَّة والاحتجاجيَّة والانتفاضات والثَّورات…
ودفعا لكلّ التباس نشير إلى الانتفاضات العربيّة، وإلى ما عرفته الاحتجاجات الأخرى في البرتغال، إسبانيا، إيطاليا، اليونان، وول ستريت في أمريكا…

هذه بعض الأمثلة لحيويَّة وديناميَّة الإنسان والشُّعوب، وهي ترفض الاستبعاد الاجتماعيَّ والقتل الهمجيَّ لحقّ الإنسان في الحياة والكرامة الإنسانيَّة. هذه بعض الأمثلة لمقاومة الموت والدّفاع عن البيئة والمجتمع والإنسان والحياة…

 هذه بعض الأمثلة لرفض الحياة نفسها الاستسلام والانهزام أمام الآلة الرَّهيبة والإرهابيَّة للهندسة الماليَّة الاقتصاديَّة الاجتماعيَّة السّياسيَّة الإيكولوجيَّة للرَّأسمال المالي.

 بمعنى صريح وواضح، إنَّ السّياق المؤطّر لكلّ هذا، هو همجيَّة السُّوق العولمية في صورتها النيوليبراليَّة، الَّتي أتت على الأخضر واليابس. وهي تهدّد الإنسانيَّة في وجودها الإيكولوجيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ والماليّ، و الاقتصاديّ والثَّقافيّ و المعرفيّ، وهي تهدّد في ذلك أيضا المبادئ والقيم الإنسانيَّة في الحريَّة والمساواة والعدل والدّيمقراطيّة…

أنظروا الآن إلى مظلوميَّة الاستغلال، وكأنَّه ينتقم من الَّذين قاوموه وحاربوه في نقابات العمَّال والأحزاب اليساريَّة. اليوم الآلاف يفتقدون الاستغلال ويتحسَّرون على أيَّام بشاعة العمل الَّذي هجرهم وتركهم أيتاما بلا عمل في فوضى وضلال السُّوق المبين.

 أنظروا صيحات حالة الطوارئ والمسّ بالحريات المدنية والسّياسيَّة، ومنع كلّ أشكال التَّعبير الاحتجاجيّ، في أوروبا وأمريكا، فلا صوت يعلو على صوت ترامب ونتانياهو ومن معهما من أوروبا ضدَّ الإرهاب. إنَّنا أمام دولة الاستثناء الَّتي تضع نفسها خارج القانون وهي تنتمي إليه. إنَّها (تبدو على أنَّها الشَّكل الشَّرعيُّ لما ليس له شكل شرعيٌّ). إنَّها تذكرنا (بحالة الدَّولة النَّازيَّة فما إن وصل هتلر إلى السُّلطة حتَّى أعلن في 28 فبراير 1933 مرسوم حماية الشَّعب والدَّولة). كما يذكرنا بالنّظام العسكريّ الَّذي أقامه الرَّئيس الأمريكيُّ في 2011 في محاربة الإرهاب، وفي الكثير من حالات الطَّوارئ الَّتي أخذت تنتشر في الدُّول. هكذا أخذت تسيطر ثقافة الاستثناء كقاعدة قانونيَّة خارج القانون، وهي في الوقت نفسه تنتمي إليه، فتعلّق القوانين الوطنيَّة والدُّوليَّة للتَّفرغ لمحاربة ما تسميه العنف والإرهاب. والعالم الغربيُّ يتفرَّج على قتل البشر بالآلاف، بل يشارك في كرنفال احتفال التَّمتع بالقتل إلى جانب كلّ القتلة الآخرين، الاستبداد المحليُّ والدُّول المساعدة له، والمليشيات الطَّائفيَّة السّياسيَّة بأقنعة دينيَّة. فما يميّز هؤلاء جميعا في الجنوب من الشَّرق الأوسط، إلى باقي بلدان العالم، هي حالة الاستثناء الَّتي يرفعون شعارها من أجل سفك الدّماء وقتل الإنسان خارج القانون.

“النظام السّياسيُّ الغربيُّ يبدو مثل آلة مزدوجة: مؤسّسة على الجدل بين عناصر غير متجانسة وأحيانا: النَّاموس والفوضى، الحقُّ والعنف الخالص، والقانون وأشكال الحياة الَّذي تحاول دولة الاستثناء أن تضمن هذا التمفصل. كلَّما بقيت هذه العناصر متفرّقة كانت جدليتها ممكنة: لكن حينما تحاول هذه العناصر الاتّجاه إلى اللاَّتحديد المتبادل وتتزامن في سلطة وحيدة بوجهين حينها تصبح دولة الاستثناء هي القاعدة. إذن النّظام السّياسيُّ الغربيُّ يتحوَّل إلى جهاز قتل”.

هذا هو السّياق الَّذي فجَّر التَّناقضات والمفارقات، والَّذي في سيرورته قاومت الشُّعوب، في شخص الحركات المناهضة، والمقاومة والانتفاضات، خطر تدمير الحياة والكوكب الأرضي، واستئصال الإرادة وحقّ الوجود الإنسانيّ. والَّذي من خلاله نفهم قربان التَّضحية الذَّاتيَّة من قبل البوعزيزي، وأشكال المقاومة، وغيره من الشُّهداء عبر التَّاريخ البشريّ الحديث والمعاصر. كما نفهم بالمقابل، من خلاله، أيضا العمليات الإرهابيَّة في  الغرب، أو تلك الَّتي ترتكبها الصهيونيَّة في فلسطين. وبالتَّالي فإنَّ هذا الفعل العدميَّ البشع لقتل المدنيين الأبرياء في الغرب أو في فلسطين هو الوجه الآخر السّلبي المتوحّش لهمجيَّة الحداثة الاستعمارية الامبريالية و النيوليبراليَّة.

سادسا/  الإرهابيّ هو ابن من يربيه: داخل لا خارج له

     إنَّ الحركات الإيجابيَّة المناهضة لبشاعة السُّوق العولميَّة هي اتّحاديَّة إنسانيَّة في طموح عمقها الاستراتيجيّ، وإن كانت تعاني من التَّمزق الفئويّ الاجتماعيّ، القطريّ والعالميّ. كما أنَّ الإرهاب داخليٌّ لا خارج له، فمع العولمة لا يمكن الحديث عن خارج، فكلُّنا معنيون ومسؤولون. فمثلا ما حدث بالغرب هو إرهاب داخليٌّ غربي أورو أمريكي بامتياز نيوليبرالي. وبالتَّالي فلا علاقة له بالدّين الإسلاميّ، فالدّين هنا مجرَّد مظهر لغلاف ديناميت انفجاره، والشَّيء نفسه بالنسبة للدّين اليهوديّ فيما ترتكبه الصهيونيَّة في إسرائيل. إلاَّ أنَّ بشاعة السُّوق العولميَّة من خلال قواها الإعلاميَّة والسّياسيَّة والماليَّة الاقتصاديَّة تدفع باتّجاه وهم بعبع الخارج، أو بتعبير أدقّ العدوّ الخارجيّ الأجنبيّ، انسجاما مع سيرورتها العفنة في إنتاج التَّخلُّف والقروسطيات والعنصريَّة اليمينيَّة النازية والفاشية المتطرّفة، تعزيزا لثقافة الاستبعاد الاجتماعيّ الوطنيّ والإنسانيّ. وهذا ما تجلَّى في صيحات رفض استقبال اللاَّجئين، كتهديد خارجيّ لمناعة وحصانة الدَّاخل في وجه خارج يتهدده. متحايلة على شعوبها وشعوب العالم، مشوّهة الحقائق في أنَّ الإرهاب داخليٌّ لا خارج له، إنَّه جزء من سيرورتها البنيوية التَّاريخيَّة والاقتصادية الاجتماعية، سواء كان ذلك في الغرب أوفي فلسطين …

سابعا/ ما الَّذي يحدث الآن في العالم؟

     جرائم الإبادات التي صارت الشكل السياسي والوجودي لإعادة إنتاج الهيمنة والسيطرة والتحكم الدموي اللاأخلاقي واللاقانوني واللاإنساني في المجتمعات والثقافات والتاريخ والذاكرة البشرية…، وإسقاط القانون والمؤسسات الدولية لحماية البشرية من التغول والتوحش والهمجية النابعة من تطور السيرورة البنيوية التاريخية للحداثة الاستعمارية الاستيطانية والاحلالية في استغلال الشعوب وإبادتهم إذا تطلبت المصالح الاقتصادية والجيوسياسية ذلك.

 مستقبل الأرض في خراب وتدمير متواصل إلى درجة شراء حقّ التَّلوث، والتَّسبب في كوارث خطيرة. والتَّغيُّرات المناخيَّة تعدنا بالأسوأ، حيث قرى كثيرة مهدَّدة بالغرق من جرَّاء الفيضانات العارمة الَّتي تجتاح العالم، والاحتمالات الأقوى في جنوب شرق آسيا، خاصَّة في الصين والبنغلادش، إلى جانب الأعاصير التسوناميَّة الَّتي قد تهدّد الكثير من بقاع العالم.

وتدمير مستقبل الإنسان، حيث هو أيضا مهدَّد بالأمراض الفتَّاكة والفيروسات المصطنعة، والتَّحوُّلات الجينيَّة المنعكسة سلبيًّا على حياته النَّفسيَّة الاجتماعيَّة في صورة أزمات معقَّدة…

 مستقبل المجتمعات في حياتها الاجتماعيَّة الاقتصاديَّة السّياسيَّة مهدَّد، حيث التَّراجع مستمرٌّ ضدَّ الشّرط الإنسانيّ في تقدُّمه وتطوُّره الماديّ والمعنويّ، وفي مكتسباته الإنسانيَّة السّياسيَّة والقانونيَّة والحقوقيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة…

انهيار شرعيَّة ومصداقيَّة مؤسَّسات المجتمع الدُّوليّ، والسُّقوط النّهائيّ لقيمة الشَّرعيَّة الدُّوليَّة أخلاقيًّا وقانونيًّا وإنسانيًّا، بفعل جشع سطوة وهيمنة خمس العالم كأثرياء خلف القوى العظمى الَّتي لا تكفُّ عن نشر الاستبعاد الاجتماعيّ والإنسانيّ، والحروب الاثنيَّة والطَّائفيَّة، والتَّحالف مع الاستبداد، بل والعمل على قلب الأنظمة الدّيمقراطيَّة، وتشجيع ثقافة العسكر والانقلاب من أمريكا اللاَّتينيَّة إلى آسيا، ودعم فكر وثقافة الإرهاب. والتَّحكم في الدَّولة الحديثة انحيازا لهيمنة الرَّأسمال المالي، والعمل على إنقاذه في كلّ أزماته على حساب الشُّعوب والقيم الإنسانية في حماية قيمة الإنسان. إلى جانب تشجيع جرائم الحرب في مصر فلسطين، لبنان سوريا العراق… من طرف التحالف الصهيوني والاورو أمريكي. والدعم والتأييد والسَّماح الَّذي هو نوع من المساعدة للفاشيات النّظاميَّة المحلّيَّة وداعش، والحشد الشعبي، وكل الاسلامويين في تمزيق الأوطان وتهجير الشُّعوب، واستعمال كلّ الأسلحة بما فيها الكيماويَّة. كما أنَّها تحتضن الأموال المهرَّبة من قبل الأنظمة الفاسدة، وتقدّم تسهيلات في أوطانها لتكوين ينابيع الإرهاب في مستواه البشريّ والماديّ والثَّقافيّ. هكذا هي الحداثة الاستعمارية و الامبريالية النيوليبراليَّة المتوحّشة في سيرورتها، مستعدّة للتَّحالف مع كلّ أشكال الخراب والتَّدمير من أجل عيون الرَّأسمال المالي الصهيوني الأوروأمريكي، أي خمس العالم الهمجي الَّذي يقدّم تطوّر الشرط الحضاري الإنساني قربانا لنار الفساد والاستبداد والإرهاب والاستيطان، والإبادات…

Visited 26 times, 2 visit(s) today
شارك الموضوع

لحسن أوزين

كاتب مغربي