وجهة نظر: حول صوت العقل العلمي في وجه الفقه الديني

وجهة نظر: حول صوت العقل العلمي في وجه الفقه الديني

 أگريران محمد

     من أجل الخوض في نقاش هادئ، يروم الكشف عن الصواب بمنظار عقلاني ونسب،  لتحديد ما ورد في القرآن الكريم من آيات تتطرق للكواكب والنجوم والأفلاك وجريانها ووظائفها.

ومن جهة ثانية، تحديد ما توصلت اليه العلوم الفيزيائيه بدقة بالغة للفضاء الكوني ومجراته، سأحاول الإدلاء بمعلومات ذات مرجعيات دينية وعلمية وذلك قدر الاستطاعة، مراعيا النسبية في تحديدها ولكل رأيه في أي أمر

* فإن كان القرآن الكريم يقدم حقائق نهائية وقطعية ومطلقة، في حين تتضمن آياته في شأن الكواكب والنجوم والأفلاك وجريانها ووظائفها، مثنا يجعلها مربوبة لخالقها ومسخرة بأمره وخاضعة لله، وقدت بشكل عام مثل ما في الآية الكريمة 18من سورة الحج، وما في سورة الصافاتإنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وفي سورة الانفطار: وإذا الكواكب انتثرت”، وفي سورة الواقعة: فلا أقسم بمواقع النجوم، وفي سورة لقمان، الآية 29: وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير.

ومن المعلوم أن القرآن الكريم ليس بكتاب علوم طبيعية، وإنما هو مثن إلهي تم نزوله لهداية البشر إلى خالقهم وكيفية عبادته، بمعنى كون المقصد الأساسي للقرآن هو هداية الإنسان؛ لكن الفقهاء المفسرون بتأويلهم تحت طائلة ما، انطلقوا مما ورد في القرآن من آيات في مجال الطب والجيولوجيا والفلكمحاولين الوقوف فقط على تكرار بالقول أن القرآن سباق في التطرق لما أتت به العلوم الدقيقة، ومؤكدين على قدرة الخالق على خلق الكون وإعادته كما خلقه من دون قدرتهم على الخوض في تحديد وتحليل وتدقيق وتفسير هذا النسق الرباني، ويبقى تأويلهم دائما متوقفا على قياس ما يتم اكتشافه علميا بما ورد في القرآن

لأن وظائف التحليل والتدقيق والتفسير العلي الدقيق، تتوقف فقط على عاتق العلماء، خاصة الفيزيائيين، الذين تمكنوا من اكتشافات علمية دقيقة أبهرت الإنسان وأفادته، مع العلم كون البحوث العلمية التي قدمها هؤلاء العلماء من خلال فرضيات وإجراءات مخبرية واستخلاص نظرياتهم فيها حقائق غير نهائية ،بل هي حقائق نسبية ومقيدة بحدود عقل الإنسان، وقابلة للتغيير والتعديل والحذف والإضافة والاكتمال، وهذا ما عمل عليه العلماء بالتتابع

ولتوضيح هذه المعطيات، أتوقف بالمختصر على ما عرفته العلوم الفيزيائية من تطور مستمر عبر التاريخ؛ إذ لما كانت الفيزياء منصهرة مع الفلسفة حتى أواخر القرن 18م وبحلول القرن 19م، تمكنت هذه العلوم الفيزيائية من الاستقلال بعد الانفصال عن باقي العلوم وعن الفلسفة بالطلاق النهائي، مما أتاح لها فرصة العمل بحرية واستقلالية ومنحها صفة العلم الدقيق القائم بذاته والمتميز بتخصصاته، مستمدا عناصر مجالاته بشكل أساسي من علم الفلك والبصريات والميكانيكا، فسارت هذه العلوم تتحدد في: الميكانيكا الكلاسيكيه، الديناميكا الحراريه، الميكانيكا الإحصائية، الكهروميغناطيسية، الإلكترونيات، الميكايكا النسبية، نظريات الأوتار، ميكانيكا الكم والبصريات والفيزياء الذرية والجزيئية، وفيزياء المواد المكثفة، وفيزياء الطاقة العالية الجسمياتوالفيزياء النووية

وبما أن علوم الفيزياء تتعامل مع مزيج المادة والطاقة، فإن الفيزيائيين استخدموا مجموعة من الأنظمة المتنوعة لتفسير الكون وتحديد نظريات. في شأنه بعد إجراءات مخبرية تجريبية متكررة ومتعددة بغية تحديد دقتها وصلاحيتها؛ كما أن انشتاين أكد على ضرورة الإبداع في المجال النظري، دون إقصاء التجربة التي جعلها كمرشد عمل، وكذلك اجتهاد پوپر وتأكيده على وظيفة التفنيذ والتكذيب لبلوع الدقة العلمية

ومع ذلك تبقى التجربة منطلقا أساسيا لاستخلاص النظريات وصلاحيتها. فخلال القرنين 16و17م عرفت أوربا ثورة علمية، جعلتها في صرح النهوض وعدم الرضى بالنهج الفلسفي المهيمن في الدراسات، فطالبت بالإصلاح والتجديد في المناهج التعليمية، وبهذا أصبح الوصف الرياضي مضافا في الميكانيكا وعلم الفلك، وبدأ البحث في التفسير العلمي لأحداث الكون وما يتحكم فيه؛ إذ قدم كوپيرنيك(1473)1543 م (طفرة كبيرة في مجال الفلك، مقدما تخطيطا دقيقا لحركة الكواكب، مما جعل نموذجه كثورة علمية على المسلمات الشائعة المدعومة كنائسيا والمروجة لمدة 1400 سنة، ومن هذا المنطلق، تمكن كيپلير يوهانس (1571/1630) من صياغة معادلاته عن حركة الكواكب التي لازالت مستخدمة حتى الآن؛ أما گاليلي(1564)1642م، فقد ساهمت تجاربه العلمية في تطوير التيليسكوپ، مستعينا بالفكر الفلسفي خصوصا في التحليل الرياضي للأرصاد الفلكية كالشمس والأرض والقمر والكواكب، مؤكدا على أهمية الفلسفة في تحديد الخطأ والصواب في الأفكار العلمية (الائستيمولوجيا حاليا)، فأصبح مسؤولا عن ميلاد العلم الحديث، مع تأكيده على صحة نموذج كوپيرنيك، مما جعله عرضة لمحاكم التفتيش الكنائسية التي حكمت عليه بالإقامة الجبرية والتخلي عن رأيه؛ لكن العلم سيأخذ مجراه دون المبالاة برأي الدين الكنائسي وغيره.

ولما أتى نيوتن، استخدم علم الميكانيكا لدراسة علم الفلك كمنظومة علمية عقلانية لشرح كيفية عمل الكون، فصاغ القوانين الثلاثة بصد الحركة التي تربط القوة المؤثرة على الجسم بحركته، وقانون الجاذبية بغية فهم مسار وسلوك الكواكب والأجرام السماوية الأخرى، كما قام بتطوير حساب التفاضل والتكامل. (وقد كان الفيلسوف لايپنتز يعمل على إنشاء هذا الفرع في نفس زمن اشتغال نيوتن)…

مما سبق الإدلاء به، يبدو كون هؤلاء العلماء في تتابعهم، كانت عملية بناء العلوم الفيزيائية مسترسلة ومتكاملة وغير متضاربة، مما يحيل إلى كون ما تم تقديمه كمادة علمية على فترات متتالية بكون هذه العلوم ذات طابع نسبي، ولكنها قدمت تفسيرا فيزيائيا دقيقا ومتكاملا للكون.

في حين اقتصر المفتون الكنائسيون على تجريم هذه البحوث العلمية، وتوقف مفتو الدين الإسلامي على الاستعانة بآيات قرانية وتأويل مضامينها بالتأكيد فقط قولا على السبق الزمني في تحديد المجرات الكوكبية، من دون القدرة على تفسيرها وتحليلها، والسبب الحائل دون ذلك كون مقاصد القرآن الكريم توقفت في معظم آياته على هداية الانسان والعلم للهففقهاء الدين، بما أنهم لم يتمكنوا من بلوغ مرتبة العلم الدقيق، فقد اكتفوا فيما أدلوا به من فتاوى وآراء بالركون وتكرار مقولة سبق الدين في الإدلاء بما أتى به العلماء الفيزيائيون وغيرهم من أهل العلوم الدقيقة، دون القدرة على المحاججة واستشفاف ما في النص الديني من حقائق لا يعلمها إلا الله،  متجاهلين لقوله تعالى إنما يخشى العلماء الله تعالى.

مما سيق أعلاه من جرد بسيط ومتواضع وقابل لإعادة القراءة والنقد العقلاني، يبدو من جهة قيام علماء الفيزياء بتقيم نظريات دقيقة علميا في شأن مجرات الكون، بعد معاناتهم من مرارة وقسوة الحياة، ومن بطش محاكم التفيش والتحريض عليهم بكونهم ملحدين، إلا أن بعض الأمم ارتقت حاليا وسيطرت على الكون وطوعته لفائدة الإنسان بفضل نظريات هؤلاء العلماءأما الفقهاء فاقتصروا على فتاوى التحريم والتجريم بشكل قاسٍ وتشويهي ضد العلماء، كما اجتهدوا فقط بفذلكة الكلام من دون جدوى وفائدة بصدد العلم الدقيق.

سوف يعقب البعض بوجود علماء مسلمون، صحيح ذلك لكنهم لم تكن بحوثهم مستخلصة من النص القرآني، بقدر ما كانت إما ذات بعد فلسفي أو منطقي مع العلم إنهم عانوا من تلفيق تهم الهرطقة والزندقة للحيلولة دون اجتهادهم لبلوغ العلوم الدقيقة، وهذا موضوع آخر يمكن معالجته مستقبلا.

  خلاصة القول، وانطلاقا من قاعدة لا قياس مع وجود الفارق، فإن كانت حقائق القرآن الكريم مطلقة ونهائية وقطعية، وهنا تكمن عظمة الله سبحانه، فإن بحوث الإنسان اتصفت بالنسبية وقبلية التعديل والتطوير مع تطور عقلية الإنسان

خنيفرة، 17– 18 مارس 2025  

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة