رحيل المفكر والمؤرخ العراقي فاضل الربيعي

غياب:
نعى العديد من الأصدقاء والمثقفين العرب عبر منصات التواصل الاجتماعي، فاضل الربيعي، معربين عن حزنهم العميق لفقدانه، وقد توفي يوم أمس السبت 29 مارس 2025 في هولندا التي كان يقيم بها منذ حوالي ثلاثة عقود. وسينق جثمان الراحل إلى العراق، حيث ستتم مراسم التشييع والدفن بالنجف الأشرف، وفق ما نشرته ابنته ندى.
يعد الراحل من الكتاب العراقيين البارزين، ترك إرثًا فكريًا غنيًا يشمل مؤلفات في مجالات التاريخ القديم والمثيولوجيا والأنثروبولوجيا. اشتهر بأفكاره التي تربط جغرافية التوراة في اليمن، ودفاعه عن فكرة أن الأحداث التاريخية المرتبطة بالنصوص الدينية لم تقع في فلسطين كما هو شائع.
ولد فاضل الربيعي في بغداد عام 1952، ونشأ سياسياً في إطار الحركة اليسارية العراقية. وكانت بداياته الأدبية والفكرية والسياسية في السبعينيات ككاتب قصصي. صدرت أولى أعماله مجموعة قصصية بالاشتراك مع قصّاصين عراقيين وذلك في عام 1970 بعنوان “الشمس في الجهة اليسرى”.
غادر العراق عام 1979 مع انهيار التحالف السياسي بين الشيوعيين والبعثيين. وقد حدث التحوّل الأهم في حياة الربيعي ككاتب عندما طوّر اهتماماته باتجاهين: دراسة التاريخ القديم ودراسة الأساطير. في هذا السياق بدأ بنشر سلسلة من المقالات التحليلية للأساطير العربية القديمة ولكنه لم ينشرها في كتاب مستقل.
تحظى آراء فاضل الربيعي في التاريخ بشعبية واسعة في الدول العربية رغم تعرضها لنقد لاذع من مختصين وخاصة في موضوع تاريخ اليمن، وتعد أفكاره استمراراً لنظرية التوراة العربية التي بدأها المؤرخ اللبناني كمال الصليبي وتعرضت لنقد أكاديمي في حينها.
عندما وقع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لفت الربيعي أنظار العراقيين في الداخل والخارج إلى موقفه المتميز والجريء، وذلك باستخدامه لوسائل الإعلام العربية للتعبير عن موقف داعم للمقاومة العراقية. وكانت إطلالته المتكررة على قناة “الجزيرة” أفضل تعبير عن قوة هذا الموقف الذي أكسب الربيعي شعبية كبيرة في الأوساط العراقية والعربية حيث حظي باهتمام واحترام واسعين.
مما نشره صديقه القديم الناقد ياسين النصير على صفحته بالفيس بوك: “قرأت الخبر بوفاة القاص والباحث فاضل الربيعي، وقرأت كلمة الدكتورة سلوى زكو المؤثرة والدقيقة، ولدي ما يكفي من الحديث عن فاضل الربيعي فقد كان عضوا في الخلية التي أديرها، بمعية ادباء مرموقين كانوا يمثلون نخبة المثقفين العضويين في العراق الذين بإمكانهم ان يؤسسوا مشروعا ثقافيا متعدد الابعاد ومستوعبا للثقافة الوطنية بكل شعابها. من بينهم ولمدة ثلاث سنوات الفنان والشاعر: صادق الصائغ، والروائي زهير الجزائري، والناقد موفق الشديدي والشاعر والمترجم عادل العامل، والصحفي فاضل الربيعي. وفي مراحل لاحقة كان عريان السيد خلف وأخرين، ضمن هذا الهاجس الوطني للثقافة.. انقطع فاضل الربيعي عن التنظيم في أوائل 1978، وخلال عملنا المشترك لثلاث سنوات في جريدة الفكر الجديد، تحت رئاسة الدكتور سلوى زكو. شعرت ببذور خلافاته، وفي التنظيم كان دائما معترضا على خط الحزب وخاصة علاقته مع البعث. وكان لديه بعض الحق في ذلك،فجأة أختفى، سألني المحققون عنه وانا معتقل في الامن العامة عام 1978،نكرت معرفتي التفصيلية به، فهمت من سؤالهم أنه قد ارتبط باجهزتهم، لم التق به إلا في عام 1994 في دمشق وفي بيت الشاعر جمعة الحلفي، دعاني لزيارته فلم الب الدعوة، ثم التقينا في هولندا مع الناقد صبحي الحديدي الذي دعوته لالقاء محاضرة في صالون ثقافة 11 الذي أسسته في هولندا، ثم غاب إلى ان رأيته في التلفزيون بلقاء مع عزت الدوري وآخرين، قلت لقد احترق تاريخه تماما، كان لدية مشروع افصح مرات عديدة عنه، مشروع عن اصل اليهود في اليمن وله ما يبرره كما عرفت، ولكنه كان مدخلا ليرتبط بجهات فلسطينية متشابكة وجد فيها ملاذا قلقا له ولأسرته ولكفاية عيش. ثم لم اعرف عنه شيئا بالرغم من أنه يعيش واسرته في هولندا أيضا. ترى كم هي الحياة مليئة بالمتعرجات، وكم كنا لا نعرف أن ما يضمره الشخص من صور لحياته، لم تظهر في ممارساته اليومية، لو لم يكن يوجد خلل ما في بنيته الفكرية لما انتقل إلى الشاطئ الآخر المعادي والتقى بقياداته، ولما اطمئن إلى أن هذه هي حياة المثقف الشيوعي الذي يرفض ما لا يقتنع به، ثم يجد فرصة ليقف بالضد من انتمائه؟ هل كان مبحث اصل اليهود من اليمن أم من السماء ذريعة للخروج من الحزب؟ وهل طرح هذا المشروع في التنظيم ورفض” لا اعتقد أن مشروعات كهذه من السهولة ان توجد لصاحبها مكانة متميزة لو طرحت خارج الحزب الشيوعي لو لم يكن الإنسان مستعدا لذلك الموقف المغاير لتوجهاته، وبالفعل ففاضل الربيعي ليست ذلك العالم الباحث في الساميات، ولا المثقف الكبير الذي له مشروعه الفكري القائم على رؤية أبعد من التعاطف مع القضية الفلسطينية، وما أكثر الذين ادعوا نهم سيغيرون من مشروع القضية الفلسطينية ولكنهم انتهوا إلى اعمال عادية وإنتاج افلام مكررة، الفلسطينيون يعرفون تمامًا أن قدرة هؤلاء ليست إلا اطمئنانا لملاذ مؤقت، فكانوا شرفاء في تلبية بعض ما ينشده الهاربين من قضاياهم، كان فاضل الربيعي يسعى للتميز وهذا حقه، وللتفرد وهذا يؤكد وجوده كمثقف، وقد وجد في قضية عامة مثل القضية الفلسطينية ما يحقق له ذاته، إن مجرد الخلاف مع أخرين في هذا الحزب يدفع بهم الموقف إلى أن يكونوا في الطرف الثاني، القضية ابعد من كون خروج شيوعي عن التنظيم، قضية كبرى ،القضية المهمة هي بقاؤه في التنظيم وهو على خلاف معه، فالقضايا الخلافية تتجسد في تلك الرغبة الدفينة بقناعة وجوده ولكنه يفكر بطريقة مغايرة لهذا الوجود، في اعتقادي ليس الانتقال جراء خلافات كان هو السبب، وإنما ثمة رغبة دفينة بان يكون الشخص متميزا لا فردا عاديا يتلقى ما يقال له، وكان لدية مشروعه، ولكن لم يسمعه أحد، وربما لديه نزعة دفينه للتمرد، وربما وجد في القضية الفلسطينية ، وهي( القضية التي مثلت العباءة الواسعة لكل من خرج من العراق حيث وجد فيها خيمة حققت له جزءا من الامن والمعاش الشحيح) فانتمى إليها. فوجود مجال للتعبير عن الذات التي لم يجد لها فسحة من الوجود وهو في التنظيم، شكلت هاجس الكثيرين الذي خرجوا عن التنظيم. حيث شعر المرحوم فاضل الربيعي ولمرات عديدة أنه لم ينتج شيئا غير كتابة القصص والتحقيقات الصحفية، في حين أن رفاقا جاءوا بعده بسنوات اصبحوا اعلى منه مرتبة في الحزب، نعم ثمة حواس مخفية في الذات قد لا نتعرف عليها في الحياة العادية، لكنها تساهم في تأكيد النزعة الذاتية للتمرد، حتى لو كان التمرد لا يقود إلى شيء متميز، وفي بيروت ودمشق ارتبط فاضل بسلسلة من الاغراءات التي غذت مشروعه الذي لم يتبن من قبل الآخرين في اية اطروحة عن فلسطين واصل اليهود، ماذا يعني ان كان اصل اليهود من اليمن او كان من فلسطين، فالصراع العربي الفلسطيني ليس في الانتماء لنوع من الديانات والقوميات والجغرافيات والزمن التاريخي ، إنما هو الحلقة المتقدمة للرأسمالية والصهيونية، في الشرق، وما نعيشه اليوم من قضم للجغرافيات إلا البداية للاستيلاء على الثروات، فالتاريخ لم يعد نافعا. ومع ذلك كان لديه مشروعه لتبرير ما أقدم عليه. فالبعض من الشيوعيين الذين لم يحققوا وجودهم ضمن تنظيمهم. كانوا كثيرو الأسئلة عن أسباب غربتهم عن الوطن. الرحمة لروحه المتمردة، الصبر لأسرته ولأصدقائه، فتاريخ اي شخص ليس في نهايات حياته، إنما في تلك السلسلة المتعرجة من التناقضات التي شكلت حياة، منتجة، ولو بحدود”.