أسكاس إغودان 2973.. دلالات الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة
محمد بوداري
في خضم السجالات التي ترافق كل عام، الاحتفالات بالسنة الامازيغية الجديدة، والتي يكتنف أغلبها الغموض والضبابية مع ما يثير ذلك من ردود فعل متشنجة من هذا الطرف او ذاك، ارتأينا إعادة نشر هذا المقال، الذي سبق ان نُشر منذ سنين، لأننا نرى انه لايزال يحتفظ براهنيته، وقد قمنا بتحيينه حتى يساير ما استجد من أحداث..
يحتفل الامازيغ المغاربة، كباقي إخوانهم في شمال افريقيا (تامازغا) كما الدياسبورا الامازيغية، بحلول السنة الامازيغية الجديدة التي تصادف هذه السنة 2973 وفقا للتقويم الأمازيغي، حيث يصادف الفاتح من ينّاير الامازيغي 14 يناير من التقويم اليولياني وإن كان العديد من نشطاء الحركة الامازيغية يتخذون يوم 13 يناير كفاتح لينّاير من السنة الامازيغية منساقين في ذلك مع بعض الإخوة في الجزائر(إلا أن بعض الدراسات التاريخية المرتبطة بالتقويم تؤكد أن فاتح يناير الامازيغي يوافق 14 من يناير حسب التقويم الكريكوري. انظر في هذا الصدد يومية بوعياد بخصوص التقويم الفلاحي بالمغرب)…
وتختلف مسميات ليلة الاحتفال برأس السنة الامازيغية حسب المناطق حيث يطلق عليها البعض “إيض سكاس” (ليلة السنة) او “تابّورت ن اوسكاس”(باب السنة) فيما البعض الآخر يسميها حاكوزة او ينّاير ..
كما تختلف مظاهر الاحتفال بهذا الحدث سواء في ما يخص الطقوس والمعتقدات المرتبطة به او ألوان وأشكال الأكلات المحضّرة بالمناسبة، وذلك باختلاف المناطق وبأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، والتي يجمعها في الأغلب الأعم ارتباط الامازيغ بالأرض كنبع للحياة واسمراريتها عبر صنوف الخيرات والغلال التي تهبها للإنسان…
وبموازاة مظاهر الاحتفال والبهجة التي تطبع هذه المناسبة يتفنن سكان شمال افريقيا في تحضير مختلف الأطباق التي تستمد مكوناتها من المنتوجات الفلاحية التي تتميز بها كل منطقة، مع غلبة حضور الحبوب والقطاني في جلها كدلالة رمزية على غنى محاصيل السنة المنفرطة والأمل في موسم فلاحي حافل بالعطاء والثمار، ومن بين صنوف الاكلات المحضرة بهذه المناسبة نجد أكلة “اوركيمن” او “حبوب شرشم” او “الشرشمة” او “سبع خضار”، ثم “تاكلّة” او العصيدة، والكسكس بالدجاج..
كما ان “امنسي ن ينّاير” يتميز باختيار سعيدة او سعيد الحظ (انبارك، أو تانباركت)، وهو/ هي من يعثر أثناء الأكل على “أغورمي”، “إغصّ” أو نواة حبة تمر يتم إخفاءها في الطبق المعد بهذه المناسبة..
الاحتفال بهذا الحدث يجد فيه البعض نوعا من المغالاة والتعصب من طرف الامازيغ، وهناك من يذهب حد القول بان هذا الاحتفال مُختلق وتم ابتداعه من طرف الامازيغ حيث يذهب البعض من الغلاة حدّ اعتباره بدعة وضلالة كما هو الشأن بالنسبة لبعض شيوخ السلفية..
والحال ان هذا الاحتفال يعتبر احد تمظهرات الثقافة والحضارة الامازيغية الموغلة في القدم والتي ترجع إلى أكثر من 3000 سنة حسب الوثائق التاريخية والآثار الاركيولويجية والدلائل الانتربولوجية المتوفرة..
ولتفنيد هذه الادعاءات، التي تدخل في إطار محاربة كل ما له علاقة بالثقافة والحضارة الامازيغيتين، وجب تذكير هؤلاء ان هذا الاحتفال هو ما يصطلح عليه في كل مناطق شمال افريقيا بـ”السنة الفلاحية”، التي يتم الاحتفال بها من طرف الجميع سواء كانوا يتكلمون الامازيغية ام لا، وهي مقرونة بالامازيغية لأن سكان هذه الأرض امازيغ وحضارتها امازيغية، وإن تم التعتيم على ذلك ومحاولة تجفيف منابع هذه الحضارة وتذويبها قسرا في ثقافات وحضارات وافدة، والدليل على ذلك هو اقتصار هذا الاحتفال حصرا على منطقة الشمال الافريقي، مع بعض المظاهر في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط بالنظر إلى تشابه المناخ وتقارب الفصول والمواسم الفلاحية وكذا علاقة التأثير والتأثر بين شعوب منطقة البحر الأبيض المتوسط..
أما بخصوص حساب هذا التقويم وبداياته فإن الأمر يعود بالأساس إلى سنة 1980، وهي السنة التي قام فيها عمار النكادي، او الشاوي، بإصدار أول يومية بعد ان بحث في تاريخ الامازيغ حيث وقع الاختيار على سنة مفصلية وهي 950 قبل الميلاد وهي السنة التي عرفت تكوين الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين بعد ان تمكن شيشونغ الاول من اعتلاء العرش الفرعوني، وتكوين ذات الاسرة،( بدأ حكمه سنة 945 ق.م حسب المختصين وليس 950 كما اعتقد واضع اول يومية سنة 1980)، وكانت يومية النكادي تبدأ بفاتح يناير من التقويم الكريغوري كأول يوم من أيام السنة الفلاحية، وليس يوم 13 او 14 يناير كما هو الشأن من بعد.(انظر اليومية ادناه).
وهذه المعلومة كثيرا ما يتجاهلها من كتب حول بدايات استعمال 950 ق.ب كبداية للتأريخ حيث يرجعون الأمر إلى ستينيات القرن العشرين مع مناضلي الاكاديمية الامازيغية “اكراو امازيغ” التي كان يشرف عليها بسعود محند اعراب، وهو خطأ شائع لأن هؤلاء لم يصدروا اية يومية بهذا الصدد بل كانوا ينادون بالاحتفال برأس السنة الامازيغية كشكل من أشكال تملك التاريخ والحضارة الامازيغية، ومن تم وجب التذكير بان اول واضع لليومية الامازيغية هو عمار النكادي.
وبخصوص هذه الاسرة 22 من الفراعنة وجب التنبيه إلى ان شيشونق الاول لم ينتصر على رمسيس الثالث، كما يٌتداول خطأ وسط بعض الاوساط الامازيغية، لأن رمسيس الثالث ينتمي للأسرة 20، وكانت فترة حكمه ما بين 1186و 1154 قبل الميلاد وهي فترة سابقة بكثير عن حكم شيشونق الاول، الذي امتد ما بين 945و924 حسب بعض المتخصصين، وهو ما يطرح السؤال حول سنة 950 التي اعتمدها مناضلو “اكراو امازيغ” كبداية للتقويم الامازيغي..
ما هو موثوق به هو ان عهد رمسيس الثالث عرف عدة أحداث مهمة كانت لها آثار كبيرة على مصر ومستقبلها، كان أهمها الهجومات التي تعرضت لها من الجهة الغربية من طرف تحالف القبائل الامازيغة المكونة من “الليبو” و”المشواش”، وإلى هذه الاخيرة يعود اصل شيشونق الاول، الذي استطاع قبل اعتلائه العرش الحصول على شرف تنظيم احتفال جنائزي لوالده “نامارت” في عهد الفرعون سيامون، الذي كانت جيوشه تتكون في غالبيتها من الامازيغ، وهو ما رأى فيه المؤرخون عنوانا لهيمنة الامازيغ وبداية التحول الكبير في ميزان القوى الذي سيؤدي فيما بعد إلى اعتلاء الامازيغ عرش الفراعنة وتكوينهم للأسرة 22 التي امتد حكمها من حوالي 945 إلى 715 قبل الميلاد (وليس 950 ق.م كما هو شائع منذ إصدار اول يومية امازيغية سنة 1980).
وهنا وجب التنبيه إلى ان هذا الحدث التاريخي ليس بداية للاحتفال بالسنة الامازيغية او الفلاحية التي لا تعرف بالضبط بداياته الاولى، وإن كانت الدراسات الانتروبولوجية والتاريخية تشير إلى امتداده بعيدا في التاريخ القديم لشمال افريقيا..
ان اعتماد هذا التأريخ من طرف الحركة الثقافية الامازيغية يدخل في إطار استراتيجية إحياء وتمثل الثقافة والحضارة الامازيغية، كما انه شكل من أشكال التحدي والممانعة في وجه السياسات الثقافية الاقصائية والتي اعتمدتها الأنظمة في دول شمال افريقيا، بعد جلاء الاستعمار، تجاه كل ما هو امازيغي..
ومن بين المطالب التي رفعتها الحركة الامازيغية بالمغرب منذ مدة اعتبار يوم 13 يناير،(يوم 14 في حقيقة الأمر) الذي يصادف فاتح ينّار حسب التقويم الامازيغي، يوم عطلة شأنه في ذلك شأن باقي الأعياد الوطنية والدولية والدينية. وقد تم تنظيم مجموعة من الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية والثقافية بمجموعة من المناطق بالمغرب، وذلك للتذكير بأهمية الحدث ومدى ارتباطه بالثقافة والحضارة المغربية حيث ان كل الأسر المغربية سواء كانت تتكلم الامازيغية او لا، تحتفل بهذه المناسبة تحت مسميات مختلفة، وقد استبق الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة المسؤولين المغاربة في هذا الصدد وأعلن يوم 12 يناير بالجزائر يوم عطلة مؤدى عنها، ولن ندخل في تفاصيل الخلفيات والحيثيات التي دفعت بوتفليقة الذي يعد احد أشرس المناهضين للحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية، إلا اننا نقول إن هذا الاعتراف يأتي كتتويج لمسيرة طويلة من النضال والتضحيات التي قدمتها الحركة الامازيغية سواء في عهد بوتفليقة ( ما سمي بالربيع الاسود او “تافسوت تابركانت”، على سبيل المثال..) او قبله (أحداث الربيع الامازيغي أو “تافسوت تامازيغيت” كمثال.. ).
الاحتفال برأس السنة الأمازيغية: الرموز والدلالات
إن تاريخ الشعوب لا يمكن اختزاله في مجرد الأحداث التاريخية والوقائع المادية. إن كل حضارة أو ثقافة تحتوي على مكونات ذات أبعاد أسطورية ودينية وكونية مرتبطة اشد الارتباط فيما بينها، مما يسمح بخلق رؤية أصيلة للعالم والإنسان.
وباستثناء ابن خلدون (ذي الأصول الأمازيغية) الذي كتب في مقدمته أن لدى الامازيغ مجموعة من الأشياء والمسائل التي تميزهم والتي تؤكد أن الإله قد حباهم بعطف وعناية كبيرتين.. فإن الامازيغ من بين الشعوب التي لم تكتب تاريخها بنفسها وانطلاقا من وجهة نظر شعوبها، بل أن مجمل ما كُتب حول الامازيغ وحول تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم تم تأليفه من طرف الأقوام الأخرى سواء كانت غازية أو مستعمرة أو متعاملة معهم في إطار مبادلات تجارية..
إن الثراء الذي يميز الثقافة والحضارة الأمازيغية أصبح يتهدّده النسيان والانقراض على اعتبار أن كل ما وصلنا عن هذا التراث كان شفهيا عن طريق الشعر والأمثال والحكايات.. وفي عصر العولمة وقبله عصر العوْربة ( تعريب المحيط والمجال والإنسان وإرجاع كل شيء إلى العرب، حتى الحصان..) أصبح الامازيغ مطالبين بكتابة تاريخهم بأنفسهم وإعادة الاعتبار لما يميزهم ثقافيا وحضاريا..
ومن بين الأشياء التي اختلف فيها الباحثون والمهتمون بالتاريخ الأمازيغي هناك طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية أو ما يسمى في المغرب بالسنة الفلاحية.
يذكرنا معظم المؤرخين بأن شمال أفريقيا دخلت التاريخ بوصول الفينيقيين إلى شواطئها، وذلك في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، إلا أن البعض الآخر، شأن فيكتور بيكيه الذي يقول في كتابه “حضارات شمال أفريقيا”، “إن الليبيين (الامازيغ) كانت لهم حضارة وصناعة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وكانت الملكية الوراثية تقليدا لديهم، وعقدوا تحالفات مربحة للغاية مع شعوب الجزر، ومع التيرانيين بالخصوص”.
إن علاقات الليبيين أو الأمازيغ مع الفراعنة تعود إلى أول سلالة فرعونية أو “التينيسية”، حوالي 3300 ق. م.
وفي عهد السلالة 19، وخصوصا خلال عهد Ménoptah، حوالي 1232-1224 قبل الميلاد، صدّ الفراعنة هجوما قام به الليبيون / الامازيغ الذين تحالفت معهم “شعوب البحر”. إلا أن صمود وإرادة الامازيغ تغلبت في النهاية وأتت على المقاومة المصرية وذلك عام 950 قبل الميلاد، (945 ق.م حسب الدراسات المعاصرة) عندما استولى شيشونق الأول Chéchang 1er، (وهو ليبي/ أمازيغي)، على دلتا النيل وأسس الأسرة الأمازيغية 22، والتي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمن.
وهناك تأويل آخر يؤكد على أنه كانت هناك صراعات ومعارك بين أمازيغ الشرق (ليبيا الحالية) والفراعنة على الحدود الشرقية من ليبيا، وكانت القبائل الليبية/الأمازيغية تتمكن كل مرة من هزيمة جيش مصر الفرعونية واحتلال أقاليمها. وبعد معارك دامية بين الجيشين، قرر الشعبين وضع حد لهذه الصراعات.
ويُرجح معظم الباحثين، أن شيشنق تمكن من الوصول إلى الكرسي الفرعوني بشكل سلمي في ظروف مضطربة في مصر القديمة، حيث سعى الفراعنة القدماء إلى الاستعانة به ضد الاضطرابات بعد الفوضى التي عمت مصر القديمة جراء تنامي سلطة العرافين الطيبيين (نسبة إلى طيبا).
وتقول بعض المصادر أن الليبيين عندما دخلوا مصر وأسسوا بها الأسرة 22، خلدوا فيما خلدوه من تقاليد خاصة بهم، الاحتفال بالسنة الأمازيغية أو الفلاحية كما نسميها في شمال أفريقيا.
ويذكر أن سكان شمال أفريقيا يحتفلون بهذه السنة الجديدة تحت مسميات كثيرة: ينّاير، حاكوزة، إيض سكّاس، تابّورن نينّاير…وتقام فيها بعض الطقوس المرتبطة بالفلاحة والزراعة كتعبير عن ارتباط الإنسان الأمازيغي بالأرض كرمز للأمومة والعطاء، ويتم الاحتفال بهذا الحدث في ليلة الثاني عشر من يناير حسب التقويم الغريغوري، إذ أن فاتح يناير من السنة الأمازيغية يوافق اليوم الثالث عشر من هذا التقويم.
وهناك بعض الجمعيات التي تحتفل به في يوم 12 يناير، وخاصة في الجزائر، ويوم 13 يناير في المغرب، إلا أن بعض الدراسات التاريخية المرتبطة بالتقويم تؤكد أن فاتح يناير الامازيغي يوافق 14 من يناير حسب التقويم الكريكوري وهو ما تورده كل سنة “يومية بوعياد” المتخصصة في التقويم الفلاحي بالمغرب، كما ان الامازيغ بالشاوية في الجزائر يقومون بنفس الشيء بخلاف الإخوة في منطقة القبائل الذين يحتفلون به يوم 12 ينار من التقويم الغريغوري..
وإذا كان الامازيغ في شمال افريقيا قد دأبوا على الاحتفال بهذا الحدث وتخليده عبر القيام بمجموعة من الطقوس والمظاهر التي تختلف من منطقة لأخرى ووفقا للواقع والوسط الاجتماعي لكل جهة من تامازغا، فإن المؤكد أن بداية ربط هذا الاحتفال بتاريخ دخول شيشنق لمصر وتأسيسه للأسرة 22 الأمازيغية، يرجع إلى سنة 1980 وهي سنة وضع أول يومية امازيغية، بعد سنين من الاحتفال برأس السنة الامازيغية بمبادرة من أصدقاء “بسعود محند أعراب” في “الأكاديمية البربرية” بباريس التي تأسست أواسط ستينيات القرن الماضي ومطالبتهم بالتأريخ انطلاقا من “العصر الشيشنقي”.
وقد اجمع العديد من مناضلي الحركة الامازيغية أن أول من وضع يومية بالتقويم الامازيغي هو المرحوم عمار النكادي المعروف بلقب عمار الشاوي، الذي توفي في 2 دجنبر 2009 بباريس، بعد ذلك انتشرت هذه الممارسة بين مناضلي الحركة الأمازيغية لتعمّم على جميع الجمعيات الثقافية الأمازيغية بدول تامازغا و”الدياسبورا”.
وبذلك يكون مناضلو الحركة الأمازيغية قد استطاعوا التصالح مع تاريخ شمال أفريقيا عبر دمج الحدث التاريخي الموغل في القدم (تأسيس الأسرة 22 الامازيغية بمصر)، بالتقاليد والعادات المرتبطة بالأرض والتي تكوّن جزءا من هوية وثقافة هذا الشعب (الاحتفال بالأرض)، في بوتقة المطالب السياسية والثقافية التي تعتبر من بين الأهداف التي تطالب بها الحركة الأمازيغية بشمال أفريقيا.
وإذا كان الاحتفال بالسنة الأمازيغية يكتسي طابعا احتفاليا يهدف إلى الاحتفاء بالأرض وبكل ما يرتبط بها باعتبارها منبعا للحياة وموردا للعطاء، مع ما يرتبط بذلك من أبعاد انتربولوجية، فإن هذا الاحتفال هو مناسبة وذريعة لأجل التعبير عن المطالب المشروعة للامازيغ والحرص على استغلال هذا الحدث كل سنة نظرا لما يكتسيه من دلالات رمزية وتاريخية من أجل توجيه رسائل وإشارات ونداءات سياسية إلى الدوائر الرسمية المسؤولة بغية الاستجابة لمطالب الحركة الأمازيغية والتي تشكل الهوية واللغة احد أعمدتها.
وتهيأ بعض الأطباق الخاصة بهذه المناسبة، وذلك تعبيرا على أهمية يناير كعيد للاحتفال بالأرض لما تتمتع به من عناصر الحياة العطاء. وهكذا يقوم بعض السكان بتحضير الكسكس بلحم الديك وبخضر متنوعة (سبع خضر، احبوب شرشم)، وبالأخص في الجنوب الشرقي ومنطقة فكيك، وفي المساء يتم إعداد شربة “أوركيمن” (وهي أصل الحريرة التي نتناولها خلال شهر رمضان) تطبخ فيها كل أنواع محصولات تلك السنة من الحبوب، كما تقوم الأسر ببعض التقاليد المعروفة كوضع الحنة للأطفال وغير ذلك وفقا لخصوصياتها الثقافية والاجتماعية…
ويتم تضمين “نواة” التمر في أكلة “سبع خضار”، ويعتبر الشخص الذي يعثر عليها “مباركا” وميمونا وتمنح له مفاتيح المخزن ” الخزين” استشرافا للأمل في مستقبل يكون فيه الموسم الفلاحي القادم مزدهرا وغنيا.
ويجتهد الامازيغ لتقديم كل ما لديهم من خيرات خلال هذه الأيام (11.12.13 يناير) إذ لا مجال للشّح والبخل في هذه اللحظات التي يجب التعبير فيها على السخاء لاستدرار عطف الطبيعة في الموسم الآتي.
وهناك بعض المناطق التي تحضر مختلف الأطباق من “تاكلاّ”، و”اوفتيين” (حريرة بالحمص والفول والفاصوليا)، وأشبّاض، وتيغرفين، وأغاغ (العصير)..إلخ.
ويتم طلاء وصباغة المنازل وتغيير كل الأواني القديمة ويستحسن تغيير موضع الكانون أو الموقد (إنيان) وذلك لطرد النحس أو “اسفل”، كما أن الأعمال والأشغال يجب أن توقّف كـ”أسطّا” أو المنسج… وتوضع فوق كل سطح منزل مكنسة (Uzzu) للحيلولة دون “سوء الطالع والنّحس”..
وهناك بعض المناطق التي تحتفل بليلة رأس السنة الأمازيغية وذلك بإقامة “كرنفال أيراد” أو “احتفال الأسد” وهو شبيه بما يقوم به الأطفال في الجنوب الشرقي بالمغرب وخاصة لدى قبائل “ايت ايزدك” بالريش، حيث يحتفلون في عاشوراء بما يسمى بـ”بوحصيرة”، الذي تختلط فيه التقاليد الأمازيغية باليهودية وبعض الطقوس القديمة، وهو شبيه إلى حد ما بما يسمى بـ”أوداي نتعشورت” بمنطقة كلميمة، أو “بيلماون” بسوس و”السبع بوبطاين” في بعض المناطق المغربية..
ذلك هو “أمنزو ن ينّاير” أو أول أيام يناير، وهو إيذان بدخول السنة الفلاحية الجديدة التي نتمنى أن تحظى الأمازيغية فيها بما تستحقه من عناية وإعادة اعتبار.. وكل سنة وانتم بألف خير..
أسكّاس اماينو “2973” إغودان..