عولمة الحرب.. الصراع المفترس

عولمة الحرب.. الصراع المفترس

سيرج جولي

ترجمة بتصرف: ريم ياسين

   اعتبرت مديرة المخابرات الأمريكية، التي تدير 17مكتبا للوكالة، أن حرب التموقع بين أوكرانيا وروسيا ستدوم سنوات طويلة، فيما يقارن مؤرخو الحروب السابقة هذه المرحلة من الحرب الروسية ــــ الأوكرانية، بعد سنة من اندلاعها، بالحرب العالمية الأولى. كانت الدول العظمى في تلك الحقبة هي الأمبراطوريات النمساوية، الهنغارية، الألمانية، والفرنسية والعثمانية والبريطانية، قد فقدت جميعها قدرا من أهميتها في حرب طالت ودفنت نفسها تحت وابل من القذائف وأعداد كبيرة من الضحايا بين سنتي 1914-1918. إن القوات الروسية والقوات الأوكرانية لا تستطيع قلب ميزان القوى على الأرض، كأن هذا الصراع يفترس، كما فعلت الحرب العالمية الأولى، جميع المشاركين فيه. وهو إذا طالت مدته يصبح خطيرا أكثر فأكثر ويستطيع في كل لحظة تجاوز الحدود الأوكرانية.

فمن الممكن أن تتوسع الحرب لتصل إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإلى جميع المجتمعات الناطقة باللغة الروسية من بلاد البلقان حتى القوقاز.

إن ما حدث في جورجيا وما يهدد مولدافيا وبلاروسيا،  يذكرنا بساحة الميدان، حيث تجمع الشعب الأوكراني بأعداد كبيرة ونجح في إقالة الرئيس الموالي لروسيا، فجورجيا هي جمهورية سوفيتية سابقة، انتفضت سنة  2008 ضد محاولة اجتياح عسكري من قبل موسكو، ومنذ ذلك الوقت، هناك 1500 جندي روسي يرابطون في جورجيا. أما هذه المرة، فإن السبب في إشعال الوضع هو قانون رقابةٍ مُستوحى من قانون “بوتيني” يطبق في روسيا منذ سنة2012، يجبر الصحف الممولة بأكثر من 20% أن تسجل “وكالة تحت تأثير خارجي” مما يجعلها مهمشة.

من المنطقي أن يساهم مثال المقاومة الأوكرانية بإضرام نيران المطالبة بالحرية والاستقلال في القارة الآسيوية الأوروبية، إذا صح هذا القول فإن النيران ستنطلق بسرعة ولن يكون هذا إلا البداية خلال الأشهر المقبلة، سيتحرك محيط “الامبراطورية البوتينية” وسنشهد على ثورات الشعوب، ولكننا لا نستبعد أن يكون لبوتين مصلحة في إضرام حرائق على طول حدود الامبراطورية الروسية، وذلك للتحضير لمفاوضات خلال مؤتمر افتراضي يعيد السلام، سيأخذ بوتين موقع الضحية الذي يحب،  يرافع على المخاطر التي تحيط روسيا المحاصرة وعلى الدفاع عن الشعوب الناطقة باللغة الروسية، وسيحاول الحصول على ما حصل عليه بريجنيف في هلسينكي من الولايات المتحدة، وهو اتفاق حول الأمان الجماعي. فكلما اشتعلت حدود الامبراطورية الروسية كلما زادت حاجة بوتين إلى إمضاء اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو، ليضمن مسيرة الإمبراطورية.

مع امتداد الحرب الروسية الأوكرانية، يزداد خطر اصطدامها بالصراعات الدولية التي يساهم بها شركاء بوتين ـــ إيران مثلا التي تمتلك الآن قدرة على صناعة قنبلة نووية،  تايوان المستهدفة من الصين وتركيا ــ أردوغان الديكتاتور، التي تواجه أزمات كبيرة بعد حدوث الهزات الأرضية التي أبانت للعلن مدى الفساد  المستشري بهذا البلد، إضافة إلى الصراعات مع الأكراد والأرمن والأزمة الاقتصادية المستمرة.

في مجموعة بوتين غير الإنسانية والمتطرفة تتصدر القنبلة النووية الاهتمام بين روسيا والصين وإيران، فهذه القنبلة موجودة بين أيادي دولة إرهابية، ارتكبت أعمالا كثيرة في هذا المجال وتمارس الإرهاب على شبابها، مما يخلق وضعا جديدا في الشرق الأوسط، خاصة أن ميليشيا النظام هي في خدمة الملالي وقد جعلت من هذا النظام الديني ديكتاتورية عسكرية فعلية لا يردعها رادع.

هل ستحرم الولايات المتحدة إيران من هذه القنبلة بواسطة ضربة إسرائيلية ـــ أمريكية وبتواطؤ عدة دول عربية؟ إذا حصلت هذه الضربة ستحدث تغيرات كثيرة في العالم، وتصبح الولايات المتحدة متهمة وفي وضع صعب للأمة الأوكرانية، وإذا حصل هذا القصف سيكون لفترة قصيرة، ومن الممكن أن تقوم الطائرات الأمريكية والإسرائيلية بإغراق السفن التي تغذي روسية بالسلاح والعتاد الآتي من إيران، فالأقمار الصناعية الأمريكية فاجأت الشحن الذي يوصل الأسلحة إلى روسيا عبر بحر قزوين، في بواخر تحمل مائة مليون ذخيرة و300 ألف قذيفة وعدد كبير من الصواريخ والطائرات المسيرة من صنع إيراني، وذلك وفق الاستخبارات البريطانية.

تقوم الصين أيضا بالمناورات، فقد عملت على مصالحة المملكة العربية السعودية وإيران، جين بينغ هو أقوى أصدقاء بوتين، بالرغم من كون بوتين يبقى بالنسبة إليه مجرد قزم، ولكنه مثله يملك طموحات الفاتح ،تستخدم الصين عبارة متطورة لتصف العلاقات بينها وبين روسيا قائلة إنهم “أصدقاء”. بوتين يبيعها البترول، ولكن هذه صداقة وليست تحالفا نظريا، ليس هناك تسليم أسلحة بالرغم من علاقة الصين الوطيدة بكوريا الشمالية التي تزود الصواريخ، تريد الصين في نهاية هذا العقد اِستعادة تايوان وفرض نفسها كمارد لا مفر منه، مما يدفع القادة الصينيين إلى مضاعفة الحذر، خاصة أن الصين، بعكس روسيا التي نجحت اقتصاديا بسبب فتح الأسواق العالمية، تعيش في التجارة العالمية، حيث الحرب والدمار أدى إلى قتل النمو الاقتصادي، الذي هو السبب في صعودها. مصلحة الصين بإدخال الحرب في ملعبها، حيث ستنفتح الأسواق الروسية أمام الطموحات الصينية.

سيشهد هذا الصراع ظهور نظام عالمي جديد: عمالقة مثل الصين والهند سينافسون الولايات المتحدة وأوروبا في مسيرة العالم في المدى الأبعد، ستدخل أندونيسيا والبرازيل،إن كل هذه الدول تطمح في عالم متعدد الأقطاب، فإذا كانت أوروبا تريد التواجد في هذا العالم، فقد حان الوقت لتصبح أقوى وتتخذ شكلا مغايرا.

* نشر هذا المقال في صحيفة ليبراسيون الفرنسية يوم 13 مارس 2023 بقلم سيرج جولي، وهو أحد مؤسسي جريدة” ليبراسيون”.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة