غياب الشاعر حسن عبد الله… صاحب قصيدة “أجمل الأمهات”

غياب الشاعر حسن عبد الله… صاحب قصيدة “أجمل الأمهات”

ريم ياسين

غيب الموت اليوم الشاعر اللبناني حسن العبد الله بعد صراع مع المرض، (1943 – 2022)، ابن بلدة الخيام في الجنوب اللبناني، وقد اشتهر بقصيدته “أجمل الأمهات” التي لحنها وغناها الفنان مارسيل خليفة.

واحد ممن عُرفوا بـ “شعراء الجنوب”، ويقال إنه كان أكثر هؤلاء الشعراء “سريّة وخفوتاً” قبل أن “تفرّقوا كل إلى مشروعه، ومضى حسن عبد الله إلى صمته. بقي الشاعر بامتياز، حتّى في كسله”.

فضلاً عن الشعر كتب العبد الله في أدب الأطفال، كما شقّ طريقه مبكراً إلى الرسم فأنجز نحو 40 لوحة تعكس الطبيعة التي تحضر بقوة في قصائده.

أصدر حسن عبد الله أربع مجموعات شعرية، هي: “أذكر أنني أحببت” (1978)، “الدردارة” (1981) وهي قصيدة طويلة، و”راعي الضباب” (1999)، و”ظل الوردة” (2012).

وسبق للعبد الله أن صرّح عن علاقته بلوحاته قائلاً: “كنت أعيش في بلدة محاطة بالزرع والاخضرار والمروج والأودية، ولا شك أن لوحاتي هي ترجمة للطبيعة في بلدتي الخيام”.

حصل العبد الله على أكثر من جائزة أدبية، وكُرّم في مهرجان السينما الدولي الحادي عشر للأطفال في القاهرة. ومنحته وزارة الثقافة المصرية العام 2002 جائزةً عن مجمل أعماله الأدبية للأطفال، إضافة إلى جوائز أخرى.

انضم شاعر “أجمل الأمهات”، إلى لائحة الغياب، وكان أحد أجمل الأصوات الشعرية في السبعينيات، تغنى بأبياته بسهل “الدردارة”، بقي طفلا وهو يتقدم في العمر، حسن الجنوبي الذي عاش في بيروت متنقلا بين مقاهي الحمرا، في “لاروسا” قديما، و”كافيه دو باري”، وإن غادرها فإلى لقاء الأصدقاء في “ليناس فردان” أو نحو المنارة إلى مقهى “الروضة”. حسن المتمسك بقبعته والمعطف في الشتاء البارد، الهادىء الذي يطلق كلامه بصيغة التساؤل، ويتطلع متعجبا كطفل من الأجوبة وغير مصدق واقع الحال..

كتب أولى قصائده وهو في عمر 12 عاما، عاش في بيئة المثقفين التي تهوى الروايات والسير الشعبية، التي كان يحفظها ويرويها لعماته الأميّات، ثم يعيد روايتها لرفاقه.

في ديوانه «الدردارة» الصادر سنة 1981، ظهر نجمه مع مجموعة “شعراء الجنوب”، وضجّت بها الجامعة اللبنانية، وكليّة التربية، في تلك السنوات.

جاء إلى بيروت سنة (1964) والتحق بدار المعلمين، تعرّف إلى أصحاب مجلة “شعر” الذين أتاحوا له فرصة الاطّلاع على قصيدة النثر والشعر الأوروبي، فأحبّ نيرودا. وفي الثانية، التقى أصحاب “الآداب” وأجواء شعر التفعيلة في العالم العربي، فتعلّق ببدر شاكر السيّاب. وكان يحفظ دواوينه عن ظهر قلب. لكنّه لم يفكّر في نشر قصائده في المجلات والصحف قط، إذ كان يفضّل أن تظهر في كتاب. هكذا، طبع ديوانه الأول أواخر السبعينيات بعنوان “أذكر أنني أحببت”، مجموعة اختار مرسيل خليفة أن يلحّن منها قصيدتي “أجمل الأمهات” و”من أين أدخل في الوطن”.

حسن العبد الله مع محمود درويش
حسن العبد الله مع محمود درويش

وفي “ثانوية صيدا الرسمية للبنات”، عُيِّن عبدالله معلّماً، حيث التقى صديق عمره مهدي عامل (حسن حمدان)، وترافق مع حمزة عبود وحسن داوود… أمّا ناظرة المدرسة، فكانت يمنى العيد. ولنا أن نتخيّل مكاناً يجتمع فيه هؤلاء المثقفون معاً. انجذب عبدالله إلى الشيوعية عن طريق الأدب، فقد وجد في الأعمال الروسية العظيمة ما يشبهه، وما هو قريب من تكوينه النفسيّ… لكنه لم ينتسب للحزب بصورة فعلية: “كنّا موجودين ولم يشعر بوجودنا أحد، وخرجنا ولم يشعر أحد بوجودنا أيضاً”.

كان عامل يهديه مؤلفاته ممهورة بأربع كلمات “أعرف أنك لن تقرأ الكتاب”. وقد يكون مرد ذلك لغة عامل التي يصفها عبدالله بأنها معقّدة وصعبة، بينما كان حديثه عذباً وسلساً. حين اغتيل عامل، أدرك حسن أنّ حياته الآن لم تعد كما كانت، وأن طمأنينته خسرت الكثير من أسبابها. وفي 1977، انقلب مصير الكتابة لدى حسن حين قرر كتابة ستّ قصص للأطفال مستجيباً لدعوة دار “الفتى العربي”، لكنّ القصص ستصدر في النهاية عن سلسلة “جنة الأطفال” في “دار الفارابي”.

لاحقا وجد نفسه أقرب إلى عالم الطفولة من الكبار، استغرقته كتابة هذا الأدب وتوالت إصداراته. أكثرها شهرة “أنا الألف” التي لحّنها وليد غلمية، وباتت أشهر أغنيات أجيال من الأطفال في العالم العربي. حتى بات الحس الطريف والفكاهي يميّز قصيدة عبدالله عن كربلائية شعراء الجنوب. وظهر ذلك في ديوان “راعي الضباب”. كما كتب المسلسل التلفزيوني “طبيب الغابة”، من إنتاج شركة “الذات” في بيروت، وكتب أيضا قصة وسيناريو فيلم “مازن والنملة”، من إخراج برهان علوية وأنتجته قناة “الجزيرة” للأطفال.

قصيدة أجمل الأمهات 

من روائع الشاعر عبد الله التي غناها مارسيل خليفة:

أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها…

أجمل الأمهات التي انتظرتهُ

وعادْ…

عادَ مستشهداً.

فبكتْ دمعتين ووردة

ولم تنزوِ في ثياب الحداد

لم تَنتهِ الحرب

لكنَّهُ عادَ

ذابلةٌ بندقيتُهُ

ويداهُ محايدتان….

أجمل الأمهات التي… عينها لا تنامْ

تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام…

لن نتراجع عن دمه المتقدّم في الأرض

لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه

فاكتست شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول.

صامدون هنا, (صامدون هنا) قرب هذا الدمار العظيم,

وفي يدِنا يلمعُ الرعب, في يدِنا. في القلبِ غصنُ الوفاء النضير.

صامدون هنا, (صامدون هنا) … باتجاه الجدار الأخير

أما آخر قصيدة وضعها على صفحته فهي:

صوت المطر

هو نفسهُ تقريباً في كل الأماكن

التي تتساقط فيها الأمطار

مع تلك النقطة المُنفردة

التي تسقط، بإيقاع رتيب، في اَخر الليل،

على حجمٍ مُجوَّف وراء النافذة المُحكمة الاغلاق

مُمهّدةً  بذلك،

للذين يتقلّبُون في أسِرّتهم

طريقاً ممكنة إلى النّوم!

كتب الشاعر شوقي بزيع ناعيا صديقه الشاعر:

“الماء يأتي راكباً تيناً وصفصافاً / يقيمُ دقيقتين على سفوح العين / ثم يعود في ” سرفيس ”  بيروت – الخيامْ ” . بهذه الكلمات المؤثرة استهل حسن عبدالله قصيدته ” الدردارة ” قبل نيّف وأربعين عاماً . والآن قرر الشاعر الذي أهدى الى الماء أعذب ما جادت به قرائح الشعراء من قصائد ،أن يعود برفقته الى الجذوع العميقة للينابيع الأم ، حيث لا تملك الدموع أن تحاكي طهارة قلبه الطفولي ، ولا تجد السهول ما يكفي من الإنكسار الحنون ، لكي تنقل صوته الى سنابل القمح . وداعاً يا أنبل الشعراء ،وأغزرهم موهبة ، وأكثرهم تواضعاً ونزاهة ، وتعلقاً بالظلال . وداعاً حسن عبدالله”.

أما الشاعر والمسرحي يحيي جابر فكتب:

“و”أذكر أنني أحببت” ديوانك  وأحببتك .. يا دردارة حسن العبدالله .استقبلي راعي الضباب.. لم يصبح والدا وكتب أجمل قصص الأطفال.. لم يكن والدا ولكنه كتب أجمل الأمهات.. لم يكن والدا بل بقي ولد الشعر والمقهى والحانة والروضة والضحكة، وأجمل ألقابه التي أطلقها عليه الساخر الراحل عبد الأمير عبدالله. حسن بيشبه “بياع اليانصيب “.. حظي كبير بمعرفتك.. وداعا ياحسن. كلنا في روليت الأرقام. قبر حرب”.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة